الموجة: (المشرفون على الملف)
إني مفكّر لأني شاعر.. يقول المفكر والشاعر عبد الله القصيمي.
إن الشاعر مفكّر بالقوة والفعل، إنه عقل العالم وروحه. إنه المحرك وعلة الوجود. ماذا قبل الشعر؟ لا شيء طبعا، العدم والخواء؛ وماذا بعد الشعر؟ الشعر طبعا، الوجود وماوراء الوجود، الفيزيقا والميتافيزيقا، الهنا والهناك، الآن والقادم.
لم تعرف العرب سوى الشعر!، أدبا وروحا ووجودا، “الشعر ديوان العرب أبدًا وعنوان الأدب” (أبو فراس الحمداني). وها نحن نسائل الوجود عن القصيدة العربية، غير مهتمين إلا باللغة لا بأي جنسية أو عرق من يكتبها. القصيدة هي الأهم وما غيرها أجوف. القصيدة هي نحن حينما نكون نحن وحينما لا نكون. القصيدة هي الوجود. والشاعر قصيدة ==> الشاعر وجود.
إن الشعر معادلة الوجود، “الشعر علم دقيق شأنه شأن الهندسة تمامًا”. (فلاوبرت)
تُقدّم مجلة “الموجة الثقافية” في ملفها راهن القصيدة العربية: الوجود بالشعر، مجموعة من الشعراء المعاصرين غاية في تسليط الضوء حول مآلات القصيدة العربية، ورهاناتها الانكتابية، عبر مساءلتها في مختلف أنماطها وأنواعها وأشكالها وتجاربها. تُسائل المجلة أسماء، من مختلف الجغرافيا والحساسيات والأنماط، اختارتها بدقة لكونها منتمية للزمن المعاصر وأيضا لأنها جادة فيما تقدّمه من قصيدة، وإيمانا منها بأن هذه الأسماء تمثل جزءا من شعراء كثر لهم قولهم الشعري وبلاغة في تحدي الوجود.
كما أننا لم نأت لاستثناء أنماط شعرية فلسنا أيضا هنا نستثني أسماء ونقدّم أخرى، بل هذه عينة مما كان لنا قوة التواصل والوصول إليها، ولأنهم –أي الشعراء- فتحوا قلوبهم لتصير موشور ضوء نعبره إلى عالم قوس قزحي، من أطياف مختلفة للقصيدة وأشكال حرارية ومافوق حرارية، إلى القصيدة ومافوق القصيدة، أي من الوجود إلى مابعد الوجود، إلى التعدد والتكاثر والانشطار الشعري على مستوى الذرة والكون.
لقد اكتشف العلم الحديث والمعاصر جزيئات الجاذبية أول الأمس القريب، واحتمالات أكوان متعددة، وأن الوجود متعدد: فأنت في الأرض كما أنك في كوكب آخر يبعد عنا بمليون سنة شعرية (الشعر ضوء)، إلا أن العالم لم يتمكن من اكتشاف والبرهنة عن جاذبية القصيدة، واحتمالية وجود بُوزَنْ الشعر، وجزيئات تحت-ذرية للأبيات الشعرية، وما-فوق الصورة الشعرية ونظرية كل شيء للبناء الشعري، ونظرية التوازي في عدم إمكانية التقاء قصيدتين (أو إمكانية حلول العالم في القصيدة وارتقاء الشعر)، بل وحتى دحض كل هذه النظريات والحقائق.
إننا في زمن موت النظريات وولادة الحساسيات، وفناء الإيديولوجية وانتهاء الحضارات لتندمج في حضارة إنسانية واحدة، إننا نطرح كل هذه الأسئلة على شعراء جدد معاصرين عبر طرح قصائده أمام مرأى العالم، أمام قارئنا ليرى العالم من نوافذ هذه القصائد التي يبرهن بها الشعراء على رؤية للعالم ومن أي زاوية يرونه.
وهذا الشعر وتلك القصيدة.