الرئيسية | أخبار | ديوان “أنا لا أحد” للشاعر محمد العياشي

ديوان “أنا لا أحد” للشاعر محمد العياشي

الموجة الثقافية

 

صدر عن مؤسسة الموجة الثقافية  ديوان الشاعر محمد العياشي “أنا لا أحد” ، ويأتي هذا الديوان كإضافة جديدة في بناء صرحه الأدبي والشعري الذي يناهز ثلاثين عاما من الإنصات العميق لنبض القصيدة. وإن كانت القصائد المختارة في هذا الديوان تنتمي إلى فضاءات مختلفة، فإنها من جهة، تحافظ على نفس صوته المتفرد في الساحة الشعرية المغربية والعربية، ومن جهة أخرى، تبصم الهوية الخاصة للديوان الذي بين أيدينا.

منذ أول دواوينه “منابع الأشواق” و”أطلسيات” اللَّذَين جاورا الرومانسية وانسياب المخيلة، سجل محمد العياشي حضوره كأحد الأسماء القادمة بقوة إلى الساحة الشعرية، خاصة بطريقة اشتغاله المختلفة عن ما هو سائد آنذاك، والتي تولي أهمية بالغة للفضاء اللغوي والموسيقى، في الوقت الذي كان معظم الشعراء وقتها يتجهون زرافات نحو النثر والقالب الغربي. ثم سيأتي عمله الشعري الثالث ” وحي البيضاء” الذي بدأت تتشكل معه أسئلة وجودية وقلق داخلي من قبيل الاغتراب والمنفى.

“أزهار نيتشه” الديوان الرابع للشاعر، سيؤسس لمرحلة جديدة في مساره الإبداعي، وستبدأ ملامح مشروعه الشعري المتفرد تتضح شيئا فشيئا. ربما سيرى غير المطلع عن قرب على تجربة محمد العياشي، مع عمله ذلك، أنه أحد أهم من يزاوج اليوم في العالم العربي بين الحداثة في أفقها العالمي، وبين الهوية والتراث الضارب في أعماق التاريخ، بين الفلسفة والشعر، لكن سرعان ما سيتبين للقارئ أن الشاعر محمد العياشي لا يزاوج بين الكلاسيكية والحداثة، ولا بين التراث والتلاقح الثقافي، خاصة مع ديوانه “المشي على الماء”، بل هو مخلص للحداثة حتى النخاع خارج مفهومها الزمني، إذ كرس حضوره كحفيد للمعري.

تشبيهي للشاعر محمد العياشي بمعري الزمن المعاصر، لا تكتسيه أية مبالغات أو انزلاقات عاطفية، بل هو تتبع موضوعي وإنصات دقيق لمتنه الشعري. محمد العياشي هو داخل الزمن الذي يعيش فيه، يكتب بهمومه، وأسئلته، وإكراهاته، وأحلامه، وواقعه اليومي، لكنه خارجه، يسافر بكل سيولة بين الماضي والمستقبل، يمنح للقصيدة كل حريتها وتحررها، ولكنه في نفس الوقت يجعلها ترافق بكل حرية الموسيقى الشعرية الباذخة وكأننا في العصر الجاهلي أو العباسي، إنه يجعلنا نسافر عبر الزمن عبر قصيدته التي تتجاوز كل الأنساق وكل الأنماط. في حين اتجه الشعر المغربي والعربي الحديث إلى ما وصل إليه في كل بقاع العالم، بكل إيجابيات الأمر وسلبياته، إذ نرى أحيانا، عند بعض الشعراء، تقليدا أعمى لبعض القوالب والأساليب والصور الشعرية، وإقحامها إقحاما في المتن العربي على سبيل الموضى، نجد الشاعر محمد العياشي، يرسم طريقه الشعري الخاص بكل تباث وكل مسؤولية جمالية، متخذا من المعنى ومن الشكل رديفين لا يكون الواحد منهما إلا بالآخر.

“أنا لا أحد” هو استمرار للنفس الشعري الذي يكرس من خلاله الشاعر حضوره المتفرد في خريطة الشعر العربي المعاصر. الديوان يعمق الأسئلة الوجودية الأبدية للإنسان: من أنا؟ إلى أين أذهب؟ لماذا أنا هنا؟ والأكثر إرباكا من ذلك : هل من جدوى ؟ محمد العياشي أو معري الزمن المعاصر، لا يَغْرَق ويُغْرِقُ معه المتلقي فقط في بحر من الأفكار التي تطبع الوجود الإنساني المعاصر كالتشاؤم و العبث، ولكنه يرمي له بحبل نجاة كل مرة يلقي به في بحره. إنها لعبة لانهائية حيث يتبادل فيها الشاعر والمتلقي الأدوار، رغم أن محمد العياشي هو من يدير خيوطها. فكلما ألقى بقارئه في أعماق اليأس رمى له بالأمل، وكلما أخذه من يديه إلى غابات الحزن، أسقط بين يديه فاكهة الفرح. الديوان الذي بين أيدينا هو مرآة مائية ترسم صورة العالم بعيدا عن الأحكام الجاهزة، والإيديولوجيات العقيمة. كل شيء، لدى الشاعر، يظهر ويختفي بشكل غير ثابت وغير يقيني، فالعالم متأرجح بين الصفاء والضبابية، بين الوضوح والغموض، بين الحضور والغياب، بين الوجود وبين العدم. كل شيء قابل للسؤال، وكل شيء إلى زوال.

نقرأ من الديوان :

غموض

صَديقي إذا الإيمانُ كان مُضَلِّلِي
سآخذُ بالتّجريبِ في سبُلي الكُفْرا
إذا لم تكُ اليُمْنى تَجُودُ عَلى فمِي
عطاءً سأقصِيها وأسْتخدِمُ اليُسرَى
وقد زادتِ الأيامُ مَعرِفتِي بِها
غموضًا وأهْدتنِي لهَا مرْكبًا وعْرا
فَلا تبتئسْ، كن قطرَةً تبعث الحَيا
وإن حُوصِرتْ بالصخْر حطّمَت الصخْرا
أزلْ ظَمَأَ الأيامِ بالمَاءِ سَلْسَلًا
وإمّا اعتصرْتَ الخمْرَ فاجترعِ الخمْرا
أزلْ جلدك الضاحي وعانقْ علَى الهوى
حبيبك حتى تَبلغَ الأَضْلعُ الكَسْرا
ولا تحتفلْ إلا بقمْحكَ وارْعَهُ
وإن تأته طيْرٌ فلا تطْرد الطيْرا

ولا تثقنْ في البدْرِ فهْو مخادعٌ
وقد خاب في مسْعاه من عشِق البدْرا
لياليك لا تمْضي لحالِ سبيلِها
وعاشرْ بها شيطانها وليكنْ جهْرا

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.