الرئيسية | شعر | الشعر يقود إلى الإيمان بالإله | محمد علي الرباوي

الشعر يقود إلى الإيمان بالإله | محمد علي الرباوي

محمد علي الرباوي (المغرب):

 

     أنتم تسألون: “لماذا القصيدة؟”، وأنتم تريدون شيئا آخر، وهو الشعر. أي تقصدون من سؤالكم: لماذا الشعر. ذلك بأن الشعر، في أكثر اللغات، فن قائم على قواعد. تندرج تحت هذا الفن أشكالٌ شعرية عديدة، هي في تراثنا الشعري العربي: القصيدةُ، والأرجوزةُ، والمزدوج، والمسمط، والمخمس، والموشح…. كل هذه الأشكال مارسها أجدادُنا، مذ العصر الجاهلي، إلى العصور الأولى من الحكم العربي للأندلس، حيث اسْتُحدث الموشح. ظلت هذه الأشكال حاضرة، من غير أن تتصارع في ما بينها، إلى أن ظهر شكل جديد، منذ مدرسة أبولو، إلى نازك الملائكة. واتخذ له أسماءً عديدة. فمن النقاد من سماه الشعر الحر، ومنهم من سماه الشعر الجديد، ومنهم من سماه شعر التفعيلة. وأنا أسمي هذا النمط الجديد بالقصيدة الحرة.

     أما بعد… فأقول جوابا على “لماذا الشعر” ما يلي:

     الإنسان عندي كائن شاعر. كينونتُه تتحقق بالشعر. يستنجد بالشعر، حين يبكي موتاه، فيصوغ أقوالا على مقاس نغم حزين، وبسيط، في موسيقاه، يقوم في الغالب على الارتجال. فينفس من خلاله، إذ يعبر عن أوجاعه، ويتخفف منها. ويدعو من يشاركه البكاءَ إلى الدخول في حضرته، فتشعر بأن من يسمع الإنشادَ يتطهر من آلامه، بدخوله في نوبة من البكاء الجميل. حين يفرح الإنسان، يستنجد بالشعر. ويدعو المستمع؛ ليدخل معه، به، إلى عالم النشوة، والحلم. فالشعر للإنسان ضرورة كضرورة الحلم. وقد أكد العلم أن الإنسان، إذا حرم من الحلمـ فقد روحه. فكذلك الأمر، إذا حُرم من الشعر، فقد الروحَ، وظل الجسدُ تقيلا عليه، يكبله، ويرميه في الهاوية.

     ستقولون: هذا يخص الشاعرَ، أو من اختاره الله ليكون شاعرا. وماذا عن الإنسان الذي لا يقول الشعر؟ أقول الإنسان الذي لا يقول الشعر، وجب عليه، ليكون إنسانا، أن يشكل بداخله ثقافةً خاصة. جذورهذه الثقافة متأصلة فيه منذ ولادته، لكن ينميها فيه كلما تقدم به العمرُ؛ ليبقي منجذبا للشعر خاصة، وللفنون عامة.

     الشعر في حضارتنا خاصةً يتميز بكونه بُراقا يحمل الشاعر، ويحمل كذلك من له ثقافة شعرية، إلى السماء. إنه الطريق المستقيم الذي يربط الإنسان بخالقه. الشعر، والثقافة الشعرية، ترققان الوجدان، وهذا يجعل الإنسان مستعدا لتقبل كلام الله. تعرفون أن عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، وهو الرجل القويُّ الغليظ الشجاع الذي بمجرد سماعه سورة طه، وهو الذي خرج ليقتل محمدا صلى الله عليه وسلم. فلما وصل إلى قوله تعالى: “إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إلاهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي”، حتى قال: “دلوني على محمد”.  هذا القوي، يحمل قلبا رقيقاـ مزودا بثقافة شعرية جعلته يلين إلى ما سمع، ويدرك أنه كلام مختلف عما ألف.

     هكذا أرى الشعر. فهو الذي، بقراءته، أو بكتابته، يحقق كينونتي. وهو الذي يقودني إلى الإيمان بالإله.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.