الرئيسية | فكر ونقد | لأنهم لا يقرؤون التحليل النفسي… | إدريس كثير

لأنهم لا يقرؤون التحليل النفسي… | إدريس كثير

إدريس كثير

 

“الإشباع الجنسي هو قبل كل شيء مسألة خاصة و شخصية”

الطوطم و الطابو (1913)

” التحليل النفسي علاج ضد الجهل . لكنه لا يستطيع  شيئا  ضد الحماقة “

جاك لاكان

هناك من يضع فرويد في مصاف العلماء الكبار اللذين حققوا اكتشافات عظمى تعد بمثابة ثورة كونية كما فعل كوبيرنيكوس و غاليليو مع “دوران الأرض” وكانط مع “النزعة النقدية” و فرويد و اكتشاف”قارة اللاشعور”.

و هناك من يعتبر فرويد أكبر كذّاب مزوّر و مدّعي لا يمت للعلم بصلة. كما أكد ذلك ميشال أونفري في كتابه “غسق الإله “سنة 2010 ، و “الكتاب الأسود للتحليل النفسي” كتاب جماعي من تنسيق كاترين مائير ينتقد التحليل النفسي ما بعد فرويد  2005 و قبلهما كتاب “ضد أوديب” لدولوز وغاتاري 1972، منتقدا للروابط العائلية وسط البنيات الرأسمالية.. وهناك أيضا السخرية السينمائية من التداعي الحر و إشكالية العلاج كما جسدها وودي ألان..

لكن عندنا العديد منهم لا يعتقدون في تحليلات فرويد و لا في تأويلاته.. فقط لأنه يهودي صهيوني (سيسغموند  شلومو  فرويد؟) يؤسس تحليلاته في نظرهم على قاعدة الغلو في المسألة الجنسية  والدوافع الغريزية (الليبيدو).

من هؤلاء ثلاثة أزواج من أهم الفاعلين السياسيين في بلادنا و من حاملي تصور ديني إسلامي تم تكييفه وفق البلاد والعباد. أزواج أسرها العشق و الحب و مارسته بهذا القدر أو ذاك من الوضوح والشرعية القانونية و الدينية.

يقال المغربي حين تنمو ثروته يجّدد فراشه . ويجد لذلك مبرره الشرعي عن طريق الفقهاء إن لم يلجأ إلى الطلاق أبغض الحلال رأسا.

 ما يشجع على هذه ” البغضاء” وعلى تعددها الدين نفسه. لذا إن كان من إصلاح ديني في الموضوع يجب أن يبدأ من الأصول. لم يعد من المعقول في شيء تعدد الزوجات لكن يمكن الإخلاص لواحدة أو الارتباط المفتوح بأكثر من واحدة. الحالة الأولى بعقد الحب أما في الحالة الثانية تلبية لليبيدو.

تتأسس إشكالية الجنس في الفكر الديني على مفاهيم أخلاقية (الفضيلة- الرذيلة /الصلاح – الفساد /الطهارة – الفاحشة…) وعلى تشبيهات بلاغية (الحرث /الزرع..) و على الإتيان (أنا شئتم .. قبولا ودبورا…) وعلى الخرافة (الشيطان /الغواية /الحور…)

بهذه الترسانة المفاهيمية ما قبل الفلسفية و التحليل النفسي لموضوع الجنس يقارب هؤلاء سلوكاتهم وميولاتهم  و عليها يبنون مواقفهم ..المتجاوزة حضاريا طبعا.

صحيح لقد اعتمد فرويد على الأسطورة (أسطورة أوديب ملكا) ونحت منها مفهوما نفسيا (عقدة أوديب) لكن ليست الأسطورة هي الوصف العلمي (التحليل النفسي) للمرض. مثلما أن أبوللو (إله الفضاء في الأسطورة) ليس هو سفينة الفضاء الأمريكية، أو كرنوس (إله الزمن في الخرافة) ليس هو آلة قياس الزمن الفيزيائي… إنها مسميات وتشبيهات وتيمنات.

 للأسف هؤلاء لا يقرؤون و لا يحترمون الاختلاف ولا ينصتون.

إلا أن الواقع لا يرتفع.. سواء أكان في ساحل المنصورية أو في كواليس الحزب أو تحت قبة البرلمان أو في حرمة الفص…  فهو ليبيدو متنطع  حرون، جامح.. لا يرحم.

هل من تخفيف أو علاج  لهذا الجموح الليبيدي؟

أصحابنا لا يقرؤون، و حتى كبيرهم لا يقرأ علم النفس إلا من خلال المعتقد الديني، لذا فهم نخبة سياسية “غير مثقفة” بالمعنى الحداثي للكلمة لا تملك ما هو مشترك لدى الإنسانية بل ترفضه وتدينه باسم الدين.

و في أحسن الحالات تفصل العلم و قواعده و نظرياته عن الإيمان والمعجزات والخوارق على الطريقة الرشدية لكن بإحالات على ابن تيمية فالإنسان لديهم مفوض (…) للبحث و الاجتهاد فيما هو إنساني، إن كان يعاني من مشكلات نفسية فله الدعم النفسي ( الإيمان والصلاة والذكر : (وهي أسباب إيمانية) و إن كان يعاني من اضطرابات نفسية فما هي مدّتها و حدّتها و مدى تناسبها و أداءها (وهي أسباب موضوعية). و يميزون بين المرض النفسي (وهو من تخصص الطب النفسي) وبين مرض القلوب أو النفوس (وهي شهوات يستزلها الشيطان للإنسان)..

“عزازيل” هذا الكائن الخرافي هو مهزلتنا في هذا الاستحقاق الأخير الآيل إلى نهايته.. وهو المفهوم الخرافي الذي عوضه مصطلح الليبيدو.

ليبيدو لا يميز بين الغلام والفتاة وإلا بما نفسر البيدوفيليا الشائعة وسط الفقهاء هل هي بهاء أم غواية عزازيل؟ و في أي واد يهيمون؟ يحبون الإست ويشترطون الغلمان ولا يعترفون بالمرحلة الشرجية كما فسرها فرويد .

الذين أحطوا من قيمة  فرويد فعلوا ذلك بهاجس العلم  أو النقد الفلسفي واعتبروا التحليل النفسي تحليلا لسيرة فرويد الذاتية وهو فلسفة أكثر منه علما وشككوا في قدرته العلاجية: “رجل الذئاب، الصغيرة دورا، رجل الفئران، الرئيس شريبر، هانس الصغير .. كلها حالات مرضية لم تعالج عكس ما ادعاه فرويد”. ( م أونفري ). أما أصحابنا فيرفضون التحليل النفسي بمقولات ما قبل علمية أو لا فلسفية.. لذا كثرت زلاتهم..

لا يمكن لتحليلات فرويد أن تشكل لدينا اليقين، لكن ما هو يقيني فيها هو تحميل الإنسان مسؤوليته فيما يفعل و ما يقوم به.

هل الإنسان مسؤول عن أفعاله أم لا ؟ هل هو مسير أم مخير ؟ سبق للمعتزلة أن خاضت نقاشا وسجالا في الموضوع ومن حججها العقلية قولها إن الإنسان يتحمل مسؤولية أفعاله لأن الله أمرنا بالفعل فلا يجوز أن يقول لنا في أمره افعل ونكون نحن ممن لا يستطيع الفعل. فهذا محال.

ترى بين أن يتحمل الإنسان (العبد) مسؤوليته و أن يكون في خّل منها، ما هو الحل؟

هناك من يقترح القسم. يقسم المشتبه فيه باليمين المغلظة فنصدقه و نبرئه.

و هناك الجهة الدعوية المتورطة في جزء من هذه الكبائر تنصح النساء بالكف عن إثارة الرجال بالعطور و الألبسة المنمقة و تلح على الرجال بالامتناع عن الاختلاء بالنساء (حتى لا يكون الشيطان ثالثهما..).

و هناك جهة ثالثة اقترحت حلا موضوعيا فريدا من نوعه، ربما بدون وعي منها، حين جلبت لنا العديد من الدمى الجميلة و الرقيقة ووفق الخلقة التي نشتهي  وهي كائنات صموتة طيعة خجولة وفوق هذا وذاك لا تحيض و لا تبيض، كل مواصفات المرأة “المثالية”.

أمام كل هذه الاقتراحات نوصي من جهتنا بقراءة  فرويد و م كلاين و ج لاكان و فرانسواز دولتو و ف كاتاري و م صفوان ….

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.