الرئيسية | فكر ونقد | فعل الحكي وعلاقته بسرد القصيدة في الشعر العربي: مدخل نظري | د.عادل بدر

فعل الحكي وعلاقته بسرد القصيدة في الشعر العربي: مدخل نظري | د.عادل بدر

د. عادل بدر:

 

indexتشعب مصطلح السرد إلى صيغ مختلفة لها دلالات مختلفة، فقد ظهر السرد، والسردية، وعلم السرد وسواها ولا نريد سوى الإحاطة بالدلالة الواضحة لمصطلح السرد الذي أثبتته المعجمات المختصة، ودار في أغلب الدراسات الرصينة، فالسرد هو كل ما يخضع لمنطق الحكي والقص الأدبي ويتعلق السرد بوصف الأحداث أي الأفعال ومن يقوم بها في القصة وقد أطلقه جينيت على: الفعل السردي المنتج وبالتوسع على الوضع الحقيقي والتخييلي الذي يحدث فيه ذلك الفعل، والسرد ليس سمة في القصة فقط ،إنما هو سمة في الخطاب اللغوي كاملا ، وقد ارتبط  مصطلح السرد بالحكي، خصوصا في الأشكال غير الروائية ، والبحث عنه هو بحث عن الحكي فيها، ويقوم الحكي على دعامتين أساسيتين:

   أولاً : أن يحتوي على قصة ما ، تضم أحداثا معينة.

   وثانياً:  أن يعين الطريقة التي تحكى بها تلك القصة، وتسمى هذه الطريقة سردا، ذلك أن قصة واحدة يمكن أن تحكى بطرق متعددة، ولهذا السبب فإن السرد هو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بشكل أساسي.

وتستوجب الحكاية بواسطة الكتابة ساردا يسردها، كما تستوجب قارئا يقرأ ما يسرده السارد. وبذلك لا تصبح مجموعة الأحداث التي وقعت هي الأهم في العمل السردي، بل كيفية روايته: كيف يسرد السارد الحكاية؟ وهذا ما لا يجعل العمل حكاية وحسب، بل هو خطاب أيضا، على أن النظر في العمل الأدبي من حيث هو خطاب أو حكاية، لا يعني الفصل بينهما، إنما هو منهج تقيمه الدراسة على المستوى النظري، إذ لا وجود للحكاية إلا في خطاب، ولا لخطاب سردي إلا في حكاية.

   ولما كانت الحكائية مقولة كلية ثابتة تضم شبكة من المقولات الفرعية كلما توفرت في أي عمل أمكننا وسمه بأنه ينتمي إلى جنس السرد، فكيف تتحقق الحكائية، وما العناصر الثابتة الدالة عليها؟

وتتحقق الحكائية من خلال تحقق العناصر الآتية في الإنتاج الأدبي:

  • فعل أو حدث قابل للحكي.

  • فاعل أو عامل يضطلع بدور ما في الفعل.

  • زمان الفعل.

  • مكانه أو فضاؤه.

    تتداخل هذه العناصر مجتمعة وتتراكب في مجرى العمل الحكائي مشكلة حكائيته، أي: انتماؤه إلى جنس السرد. ويمكننا النظر إلى كل عنصر من عناصر الحكائية في ذاته باعتباره” بنية كلية” تضم بنيات جزئية في مستوى من التحليل، ويمكن أن يُبحث في مستوى آخر عن العلاقات التي تربط بين مختلف هذه البنيات.

   هذه الفكرة تقودنا إلى بحث قضية هامة من قضايا الشعر خاصة، وهي علاقة الشعر بالقصة، دراسة الجوانب السردية داخل النص الشعري ، وهنا يجب التفرقة بين السرد والحكي، فإذا كان الحكي شكلاً من أشكال السرد ، فإن السرد ليس كله حكيا ، السرد نظام في الأداء اللغوي يجب البحث عن قوانين أكثر عمومية له ، وبخاصة أن كلمة السرد نفسها في العربية تعني: تقدمة شيء إلى شيء تأتي به متسقا بعضه في إثر بعض متتابعا ، وسرد الحديث ونحوه يسرده سردا، إذا تابعه ، وفلان يسرد الحديث سردا، إذا كان جيد السياق له وإذا كان السرد هو علم يبحث عن تشكيل نظرية النصوص السردية،فإن الحديث عنه داخل الشعر يفضي إلى طرق جد معقدة؛ تجعل السرد يطرح العديد من الأسئلة التي تخص علاقاته العمودية والأفقية.

   وهنا لابد من الإشارة إنه لا تعارض بين غنائية الشعر، واعتماده على تقنيات السرد، فمهما بلغت من الغنائية فهي بشكل من الأشكال تحكي قصة، أي وراء هذا الغناء، وهذا النظم اللغوي قصة كاملة. إن دراسة نسق واقتصاد الحكاية يبيِّن لنا أن القصيدة هي حكاية تعرض بشكل محدد ومنظَّم الإيقاعات.

   وللوصول إلى تحليل قصيدة  الشعر على أساس أنها قصة تروى، يجب الرجوع إلى منطق عام يحكم عناصر القصيدة، وهذا المنطق هو طريقة سرد الأحداث وعرضها، ولا تخلو أية قصيدة  مهما كانت من هذا العنصر القصصي، فقصيدة امرئ القيس يتبدَّى المفصل القصصي بها عند “وقد أغتدي والطير في وكناتها”، ليسرد لنا قصة من قصص الصيد، والمتنبي في قصيدته “واحر قلباه” التي يتقرّب بها إلى سيف الدولة هي وصف لمسار قصصي عبر حياة الشاعر، وقصيدة “تأوب طيف من سميرة زائر….” لمحمود سامي البارودي تحكي حياة وأحداث الشاعر في “سرنديب” إلى غير ذلك.

   ومن خلال هذه الأمثلة الشعرية وغيرها يتأكَّد أن وراء كل قصيدة قصة هي “المثير” أو الدافع لها، ونلاحظ أن عناصر القصة في قصيدة ما هي المحرّك الأساسي للشعر ـ وحتى القصائد المفرطة في الرواية والغنائية، كقصائد عمر بن أبي ربيعة، أو قيس بن الملوح، أو خمريات أبي نواس، أو زهديات أبي العتاهية- كلها تحكي قصصاً من نوع مختلف هي قصص العشق.

وقد استخدمتُ آليات ومفاهيم وإجراءات علم السرد، الذي وجدتُ أنه ينظم بشكل صحيح دراسة آليات السرد في الشعر عبر مظاهر الزمن، الشخصية، الرؤية، وتمظهرات السرد داخل النص الشعري الحديث، فالبحث ينطلق من مفهوم سردي بآلياته واستيعاب الشعر نفسه لآليات نوع آخر واستيعابه في تشكلات نصية يطمح هذا البحث إلى استجلائها. ،لكن هذا لا يمنع من اعتماد الشعر على ظواهر شعرية في الأساس تحولت إلى آلية سردية ؛كظاهرة التحول الأسلوبي أو الانحراف السياقي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.