الرئيسية | فكر ونقد | عن الكتابة عند عبد الله زريقة: نحو الكوني في الشعر | عبد الواحد مفتاح

عن الكتابة عند عبد الله زريقة: نحو الكوني في الشعر | عبد الواحد مفتاح

عبد الواحد مفتاح:

 كاتب وناقد مغربي

كاتب وناقد مغربي

هل صحيح أن نهاية جنازة شاعر هي بداية عرس قارئ .. لا مجاز ولا مناص من الانفلات..

الوضع هنا أن القارئ العربي كيفما كان يبقى المتن الشعري أبعد النصوص التي يتناولها. ونادر هم الشعراء الذين سووا تجربتهم الشعرية ببحت واجتهاد واستطاعوا ترسيخ قدمهم على خارطة الشعر المغربي.. عبد الله زريقة واحد منهم زريقة الذي أثث لتجربته الشعرية بعيدا عن الزعيق العام في استثنائية وتواضع لا افتعال فيه، ابتداء من ديوانه: رقصة الوردة والمرأة، مرورا بزهور حجرية –تفاحة المثلث– فراشات سوداء- سلالم الميتافيزيقا- إبرة الوجود– حشرة اللامنتهى؛ وكل الأعمال الشعرية والنثرية التي نحتها في صخرة الإبداع الكوني والمغربي.. رسخ رؤيته للشعر كوسيلة للتفكير والوصول إلى المطلق، فهو شاعر يكتب بالمعنى ليصل إلى الكلمة.

الكلمة هنا سؤال عال لتيمات : الكتابة /الموت/الجمال/السؤال:

تيمات ترافقها طفولة الانتباه، أما الجوهر فسطر شعري مقتنص ومُشتغل بإمعان حر وتأمل يفيض.

تَحضر السريالية، كأسلوب ومدرسة يمكن تجاوزها بسهولة، فما يقترفه زريقة ..هو كتابة لا شيء أخر.. كتابة رقيقة يمكن أن تحبط خطة أي سؤال مبني للمجهول.

وتعتقل قارئها، داخل إيقاع يتأسس على التفاعل والمجاورة، بفعل شرنقة القراءة التي هي هنا كتابة ثانية بالضرورة، أمام قصيدة تربك الصمت ولا ترخي ضفيرتها أمام قراءة لمجرد العادة.

بنغمة خاصة يكتب عبد الله زريقة -المنتمي عضويا لبلاغة الهامش- قصيدته غير حافل بالشكلانية في السطر ولا تُلهيه غنائية الكلمة عن جوهرها، في صقل عميق للفكرة الشعرية بعيدا عن أي إيقاعية تقليدية. يؤثث لدفئه الشعري الخاص، دفئ لا يتزيّ بمساحيق الكتابة العمومية، وإنما يقشر فعلها مثل برتقالة ثرثارة المعنى.

وجهها للشمس وقلبها حرقة السؤال وحبه.

خمرة القراءة هي ما يطالعك أمام هذا المتن /البئر حيت الورقة تراب والكتابة زهور لا تفرج عن زينتها إلا أمام قارئ متمرس يسبر أغوار ما يتدلى من فتنة فادحة.

فتنة القراءة حين تجد ما تقرأ

والكتابة حين يختفي المارة.. ينتفي المهرجون

وتجد وحدك

أمام نص .. مسيج بضراوة القمح

سلالم سلالم

نحو الكوني في الشعر .. اللامرئي في السؤال

الهامشي واليومي احتفالا وارتفاعا نحو ما يليق من حياة

الكلمات كمثرى .. وزن على إيقاع الخفيف من أيامنا / العميق من أسئلتنا

حروف تتقلب في لزوجة معنى بياض كالشمع ، لكن لمادا الشمع وحده بياض لا رماد بعده .

تيمات وإشكالات عديدة في قصيدة الشاعر عبد الله زريقة اللغة التي تشبه تلعثم اللون في لوحة تجريدية.. غرابة تبلل الرموز العليا للإنسانية.. تدفق في غير اضطراب.

سنفونية تحاصر السماء.. أغنية كونية تتزين بشهوة الكلمات، ماء وفقط يموج أحصنة الإيقاع والإيقاع شعر يمحو البيضاء بالسؤال.

هل صحيح أن حاجتك إلى مرآة يقود إلى العمى؟

الشعر عكس ذلك؛

لا مجال لعري ما ، الجمل الشعرية هنا امتلاء المعنى وفيضه.

غير هذا أن الشعر والسؤال، يحضران وجها واحدا لا يكتفي بمداعبة أخيلة الماوراء، بقدر ما ينخرطان كأحد أشكال الإنتاج الفلسفي في تعدد تقنياته وآلياته، فعبد الله زريقة القادم من الدرس الفلسفي الصارم، إلى أتون الشعر لا يعرف الشعر إلا شكلا للمعرفة، فليس الشاعر فيلسوفا أخطأ الطريق كما قيل، خاصة ونحن أمام شاعر يدفع بالكتابة إلى منحدر سؤال يطرزه بهندسة البياض.

لوحة تجريدية ليست غير باب لكلمة لم تستحم بعد محمومة بأنفاس اللامكتوب تأتي .. مضواعة ومطواعة تستأسد فوق نهدي ورقة فالكتابة عند عبد الله زريقة كما لم يكتب من قبل.. حرف يتمنع في وضوحه.. الإدهاش أوله وليس الشعر غير ما يسيل من طراوة قصيدة لا تلوي إلا على لا نهائية السؤال والمآل.

النص هنا مفتوح ومغلق والمابين فخمرة تهب القراءة اشتعالها.. هنا معنى يتسلى بنظافة حروفه.. كلمة تستل خنجرا من غمض ورقة تغتال بياضها لا لشيء إلا لتلتهم عين قارئ.

المجاز يشمر عن بياض يديه على مرأى من السابلة ..النص يصير مشهدا عاما.. كبسيط يفتح أول صباحه بسؤال وأغنية.

لن أتكلم عن عبد الله زريقة المتحصن داخل أصالة بحته ونصه في عزلته الإختيارية بعدما داق عدابات السجن والمنافي القهرية كأول شاعر مغربي يسجن من أجل قصيدة

لن أتكلم عن رجل لا يتسلق صورة ليقول كنت هنا.. بعيدٌ عن جعجعات اللقاء الثقافية المغربية الفارغة بإجماع تعددت أسبابه واتسخت.

عبد الله زريقة البعيد قليلا .. والقريب جدا نص يصير إلى أحد أناشيدنا الشعرية العالية الذي يتسع فينا كمنجز يعبئ روافده بأسباب الثراء والمغايرة بعدما بدأ حياته كمناضل سياسي تسكن قصائده أصوات الكادحين وأمالهم في مغرب أفضل

هو المنحدر من جيل السبعينات وأحيائه الهامشية وما اصطلت به الحقبة من رصاص وسجت لم يسلم منه الشاعر والتهمة كتابة الشعر.

الشعر هنا كان حقيقيا ويحاكم الناس من أجله ..كصوت حاد وحقيقي عرفت قصائده ونضاله الطبقي والسياسي كان بارزا وعلامة فارقة تؤرخ لمرحلة مهمة من نضال اليسار المغيب لا يتسع المقام هنا لبسطها وتفصيلها.

أقول بعد هذه الفترة يتحول النص عند عبد الله زريقة إلى الاشتغال على داخله كمتن خاص فريد له ما يميزه ويتمنه داخل خريطة قصيدة النثر العربية التي طالما أتهم النقاد المشتغلين عليها بالتكرار والمشابهة.

عبد الله زريقة الذي لا أستطيع أ أصفه إلا بالوحيد الذي يربي الجبال العالية للمعنى؛ المشتغل على هواجسه الميتافيزيقية، وقصيدته بعيد عن كل ما سواها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.