الرئيسية | فكر ونقد | عتبة النص كمدخل لمقاربة المجموعة القصصية « لعب دوت كوم » لمنى وفيق

عتبة النص كمدخل لمقاربة المجموعة القصصية « لعب دوت كوم » لمنى وفيق

ذ، بوزيان موساوي

 

عند كل مقاربة لعمل إبداعي فني، يطرح سؤال ديداكتيكي بامتياز له صفة “ضبطية” تمليه سلطة وصاية تعنى بالانضباط الأكاديمي:
ـ ما هي المنهجية المعتمدة لقراءة النص ـ المتن، و ما هي مرجعيتها ضمن النظريات النقدية؟
ليس على القارئ المتخصص أو الناقد أن يسمي منهجيته و يصرح دائما و بالحرف بمرجعيات مقارباته و بتمثلاته، و يصف طقوس كتاباته.
طبيعة النص و جنسه و مضامينه و زمكانه و حيثيلته و بنيته و لغته و انزياحاته و كاتبه هم ما يفرض غالبا على القارئ المتمرس منهجة قراءة… 
لما نقرأ المجموعة القصصية التي اختارت لها الكاتبة المبدعة منى وفيق عنوان .com لعب www، ينتابنا ذلك الاحساس بأنه رغم انتماء المتن في شكله الظاهر للأدب الحديث، فهو كما عبر عن ذلك الأستاذ الناقد السيد كمال دليل الصقلي في سياق آخر: “نحن لا نخرج من معالم الكلاسيكية الرائقة، كأن الكاتب (ة) نفسه (ها) و هو يبحث عن الجديد في الشكل، يأبى أن يمنح نصوصه روحا كلاسيكية قصصية، و كأنه (ها) يعبر بذلك عن أصالة تأبى أن تفارق قلمه (ها)، و عن تراث ضارب جذوره في العمق، يأبى أن يفارق جسده”…و هذا هو بيت القصيد الذي من خلال تفكيك نصوص المجموعة القصصية التي نحن بصدده com. لعب .www ، وإرهاف سمعنا لها، و استحضار شواهدها و ينياتها، سنحاول مقاربة إشكالية هذا المقال: كيف استطاعت الكاتبة منى وفيق إنجاح عملية تلاقح نمطين من الكتابة: أن تكتب شكلا و مضمونا قصصا بأسلوب حداثي، و تمنح لنصوصها بفضل لغتها و انزياحاتها “روحا كلاسيكية قصصية” أصيلة تمتع القارئ.
قبل الغوص في تضاعيف هذه الاشكالية، لابد من ورقة تعريف موجزة جدا لقصر الحيز:
منى وفيق كاتبة وصحفية مغربية، صدر لها “نعناع، مسح و موت” مجموعة قصصية عن دار شرقيات ـ مصر، و “فانيليا سمراء”، ديوان، عن دار أزمنة ـ الأردن، و “نيون أحمر” عن دار النهضة العربية ـ لبنان.
وه com. لعب www عنوان المجموعة قصصية التي نحن بصددها صدرت في طبعتها الأولى سنةة 2012 (75 صفحة من الحجم المتوسط) عن دار النشر آفاق للنشر و التوزيع.
تتكون هذه المجموعة القصصية لمنى وفيق من تسعة عشر (19) قصة غير مرتبة في الظاهر كرونولوجيا، و عناوينها وحدها تفرض فراءات متنوعة، منها السيميولوجية التي قد تقاربها من بؤرة “عتبة نص” Seuil de texte ، و منها جمالية التلقي التي تستحضر إلزاما وجهة نظر المتلقي هنت/ الآن و من مواقع محتلفة، و قد تفرض توجه لوسيان غولدمان ببنيويته التكوينية التي قال عنها الناقد المغربي نجيب العوفي: “إن تلاقح المناهج يغني بعضها بعضا دون أن ينفي أحدهما الآخر، فالبنيوية كمنهج في التحليل، لا تنفي المنهج الجدلي، و هي إذ تنصب على تفكيك البنيات و دراسة الأنساق و التحولات، و تحليلها، لا تعدو أن تكون نسقا من أنساق الفكر و بنية منهجية ترتبط بالنسبي…”
و بما أن عنواين قصص مجموعةه com. لعب www قد استوقفتنا لوحدها، نقترح على القارئ الكريم تأملها:
”شرور ملونة”، “صفقة ممسدة”، “إعادة/Live ” ، “طير تهادي الكي”، “ه com. لعب www”، “هذه المسوخة”، “نقط حذف على عجل”، “سياميات”، ” ه و ة ر ل”، ورشة”، “نصف مطهينيين”، “مشجب ضبط”، “نوبات خروج”، “نقرات”، “وقت الظل”، “مشاوير سماوية”، “حديقة شرطية”، “من فرطالمرور”، “حوض للايجار”.

من خلال تفكيك نصوص المجموعة القصصية التي نحن بصددها com. لعب www ، و إرهاف سمعنا لها، و استحضار شواهدها و ينياتها، سنحاول مقاربة إشكالية هذا المقال: كيف استطاعت الكاتبة منى وفيق إنجاح عملية تلاقح نمطين من الكتابة: أن تكتب شكلا و مضمونا قصصا بأسلوب حداثي، و تمنح لنصوصها بفضل لغتها و انزياحاتها “روحا كلاسيكية قصصية” أصيلة تمتع القارئ.

1

كما أشرنا إلى ذلك في الجزء التمهيدي لهذا المقال، استتوقفنا في قراءتنا للمجموعة القصصية com. لعب. www عناوين مثيرة للانتباه مثل:

“شرور ملونة”، “صفقة ممسدة”، “إعادة/Live ” ، “طير تهادي الكي”، “ه com. لعب www”، “هذه المسوخة”، “نقط حذف على عجل”، “سياميات”، ” ه و ة ر ل”، ورشة”، “نصف مطهينيين”، “مشجب ضبط”، “نوبات خروج”، “نقرات”، “وقت الظل”، “مشاوير سماوية”، “حديقة شرطية”، “من فرطالمرور”، “حوض للايجار”.

و العنواين كما صيغت من طرف الكاتبة في هذه المجموعة القصصية هي في أشكالها و مضامينها “عتبات للنصوص” Seuil de texte المقترحة.

و للتذكير، و هذا هم ديداكتيكي ـ لا يفارق جل مقاربتنا ـ ، نستأنس برأي الباحث عبد المجيد علوي إسماعيلي لما كتب في نفس السياق: (انظر: “عن عتبات النص مقاربة نظرية” لنفس الباحث) ” يمكن اختزال أبرز وظائف عتبات النصوص، نخص بالذكر بالتنصيص على سبيل المثال لا الحصر، وظيفة عناوين قصص المجموعة،

ـ وظيقفة إخبارية: و كل قصص مجموعة com. لعب www”، حاملة لأخبار، ولو بشكل ليس كما عهدناه في تشرات الأخبار أو الكتب العلمية و التثقيفية… رغم أن القاصة أختارت لأحدى قصصها عنوان (هو نفسه عنوان المجموعة):. com. لعب www”،

com. لعب www”، يشبه هذا العنوان في شكل صياغته، وإلى حد بعيد عناوين المواقع الالكترونية الرقمية…و كأنها ستضيف القارئ لفتحه ليجد ضالته من المعلومات و الأخبار.

ـ وظيفة تسمية النص: فالعنوان باعتباره عتبة أساسية ونصا صغيرا داخل النص قد تنتج بعد فراءته ثلاثة ردود أفعال على الأقل من طرف القارئ…إما أن ينفر من النص و لا تستهويه قراءته، خصوصا إذا لم يكن له معنى ظاهر مثل قصى “ه ة ر ل” ،

و إما أن يحاول اكتشاف ما وراء العنوان لارضاء فضوله، كما الحال مع قصة “مشجب ضبط”، أو لانشداده لغرابة عنوان غير مألوف لديه: ربط القاموس الرقمي www.com ينتمي لعالم الرقميات مع المعجم المألوف لكتابة القصص على الطراز التقليدي… أو المتعارف عليه.

ـ وظيقة التعيين الجنسي للمتن، فاندراج النص كمجموعة أو كقصة ضمن سلسلة أدبية معينة (رواية، شعر، مسرحية، قصة…)، تبرز وجوده أو تؤكد انتماءه للانتاج الأدبي…و لولا عناوان الكتاب:

Com .لعب.www مجموعة قصصية

قد يعتبر القارئ الكتاب، مجرد صفحة ويب Page Web،( “وفجأة وعكس المتوقع، تنفتح تلك الصفحة Com.لعب.www ” أو لربما مجرد كتيب للتسلية خاصة بالأطفال…و ما يطعم هذه الفرضية استعمال كلمة “لعب”… وقبل أن نعود لهذى المعطى البالغ الأهمية لمقاربة النصوص، نستحضر هنا، ما انتبه إليه مجموعة من الباحثين المعاصرين الذين فطنوا لأهمية وظيفة “عتبة النص” عامة، و وظيفة العناوين خاصة…و نخص بالذكر الباحث المتألق السيد معتصم الحارث الضوي، الذي أشار ألى حيتيات يقول عنها:

“(…) لقد أخذ العنوان يتمرد على إهماله فترات طويلة، وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته، وأقصاه إلى ليل من النسيان. ولم يلتفت إلى وظيفة العنوان إلا مؤخرا.”

وعلى الرغم من هذا الإهمال فقد التفت إليه بعض الدارسين في الثقافتين: العربية والأجنبية قديما وحديثا، وتنبه إليه الباحثون في مجال السيميوطيقا وعلم السرد والمنطق وأشاروا إلى مضمونه الإجمالي في الأدب والسينما والإشهار نظرا لوظائفه المرجعية واللغوية والتأثيرية والأيقونية. وحرصوا على تمييزه في دراسات معمقة بشرت بعلم جديد ذي استقلالية تامة، ألا وهو علم العنوان(TITROLOGIE) الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم: جيرار جنيتG.GENETTE وهنري مترانH.METTERAND ولوسيان ﮔولدمانL.GOLDMANN وشارل ﮔريفلCH.GRIVEL وروجر روفرROGER ROFER وليوهويكLEO HOEK الذي يعرف العنوان بكونه” مجموعة من الدلائل اللسانية (…) يمكنها أن تثبت في بداية النص من أجل تعيينه والإشارة إلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور المقصود” .

وحتى نبقى مع المجموعة التي اتحفتنا بها الاستاذة منى وفيق، ينتابنا شعور مفاده: الكاتبة لا تدعونا للقراءة، بالمعنى التقليدي للكلمة، أ و كما تعرف القراءة في قواميس اللغة…معها نتذكر نشيد طقولتنا: هيا نلعب !”…

لكن قصص Com .لعب.www لا تحكي ققص أطفال مهووسين بفأرة أكلت قلمهم وشربت حبرهم، وقطعت كراريسهم، إنها لعبد القدر، ذات أبعاد وجودية محضة:

نقرأ في نفس القصة: “و لم تثق الا ثوان قليلة على انتهاء تحميل اللعبة…تشعرين بانسحاب و روحك من جسدك، تضعين يدك عالى فمك ظنا منك على أن هذا سيمنع خروجها الى الأفق…سيخرج موتا تحسينه قريبا….ينتهي تحميل “البحث عن حياة”، وتظهر على الشاشة عبارة: GAME OVER …

و كأن عملية الموت و الحية، و كأن ثنائية مصير الوجود و العدم بيد آلة…هي عملية جد بسيطة و متداولة لدى أطفالنا الذين يعيشون عالمهم الافتراضي بهواتفهم و شرائحهم الذكية…هي مجدر استراحة متعة بالنسبة إليهم، لكنها بالنسبة لنا الراشدون هي قضية وجود أو عدم…

هكذا استطاعت منى وفيق أن تلهينيا كقراء متمرسين وبكفاءة المبدعة المتألقة لننسى صلب الموضوع و ننخرط في لعب أطفالنا…

وهكذا استطاعت أن تبقى تلك المبدعة المتشبثة بأصالة لغة و انزياحات فيها بيان وبديع و صور شعرية جميلة تهديها لنا بكرم طائي… وفي نفس الوقت تحاول الهروب أو التهرب من النمطية التقليدية المعهودة نسبيا في كتابة القصة القصيرة، و كأنها تقول، إن كنت طفلا ففي قصصي ملاذك، وإن كنت راشدا فابحث عما يعجبك…

 

ناقد مغربي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.