الرئيسية | فكر ونقد | سيرة طفولة.. سيرة مدينة : « ديوان لا تسعنا سماء واحدة » ليوسف الأزرق | حسن الرموتي

سيرة طفولة.. سيرة مدينة : « ديوان لا تسعنا سماء واحدة » ليوسف الأزرق | حسن الرموتي

حسن الرموتي:

 

 

لا تسعنا سماء واحدة، الديوان الثاني للشاعر يوسف الأزرق بعد ديوانه البكر- ظلال المسافات – لا تسعنا سماء واحدة صدر عن دار الوطن بالرباط  2012، وبغلاف يحمل لوحة تشكيلية للشاعر نفسه، الشاعر يجمع بين عشقه لجمال اللون والكلمة.. ومنهما ينطلق في إبداع نصوصه الشعرية مانحا إياها شفافية اللون ودلالاته، ورهافة الكلمة وانزياحاتها.  ديوان لا تسعنا سماء واحدة ديوان يستمد الكثير من نصوصه من العودة إلى الذاكرة و ما تختزنه من صور مازالت عالقة في الذهن، خاصة في علاقتها بالمكان الذي يعد بؤرة و تيمة أساسية في هذه النصوص، يحضر المكان – موكادور- ، أو ما يشير إليه،  حيث الأزقة و ساحات المدينة و البحر و الشاطئ و ما يرتبط بها من رمال ونوارس وأمواج وريح وأشجار لاروكاريا والميناء والخبازين والجزيرة وشجر الأركان وغيرها، الديوان سيرة مدينة  تسكن الشاعر ويسكنها. وسيرة طفولة مازالت عالقة من خلال استرجاع لصور الشغب والتسكع في هذا المكان المفتوح ليس فقط على براءة الطفولة بل على خسارات الحاضر..

الشاعر يوسف الأزرق يكتب القصيدة بإحساس الشاعر المكتوي بلهفة و حرقة الشعر، بعيدا عن هذا الضجيج التي تضج به الساحة الشعرية المغربية، شاعر يعيش كما شعراء المميزين الذين يعيشون على الهامش دون أن يحظوا بالمواكبة النقدية التي غدت مليئة بالمجاملة…

يمكن القول إن الطفولة و المكان – المدينة – عنصران هامان في ديوان -لا تسعنا سماء واحدة.. و العنوان برمزيته كعتبة أساسية، هو إشارة إلى المكان، إلى هذا الضيق التي يحسه الشاعر الطامح إلى التحرر والانطلاق نحو أفاق بعيدة ورحبة.. المكان لا يخلق سوى الاختناق لديه  وفي مدينة فقدت بريقها ..يقول:

الملاح القديم : أصبح نفقا تهرب فيه أحلام الفقراء / و القطط الشريدة

ساحة القصبة : لا زالت تتلوى في أحشائها رقصات الجدبة

و ابتهالات صلوات الأعياد المتفحمة

ساحة العطارين: متربصة كما دائما تنتظر فريسة لتواصل الغياب الأحمق

بين الساحة العمومية المتسخة و شارع الضياع

تستمر مخالب الدمار في غزواتها الصباحية  (ص 81)

يكاد هذا النص يلخص ملامح مدينة فقدت بريقها، فقدت زمنها الجميل في عيني الشاعر، ليتحول هذا الجمال الراسخ في الذاكرة إلى صورة مناقضة تماما ، حيث الضياع والدمار والقبح …الأمكنة المذكورة هي من رموز موكادور.. تصبح واقعا يبعث على الحزن و الألم فيغيب الانصهار مع المكان الذي يشكل عادة جزء من الذات الشاعرة، هذا ما يفسره رغبة الشاعر في الهروب من هذا القبح نحو سماء أخرى لا يشاركه أحد فيها.

المكان هنا مرادف للذاكرة التي تسترجع الزمن الجميل، زمن الطفولة في نفس الأمكنة حيث تتغير الرؤية..

لا زلت نفس الطفل الذي كان مشبعا

بالبكاء و الرقص

رغم طول المسافة بيني و بيني

تغمرني الوسائد الخشنة بشحنات من الصدى  (ص 79)

و رغم هذا الضيق و الضجر الذي يجثم على صدر الشاعر كما صخرة سيزيف، فإن الأمل حاضر على غرار الثنائية التي طبعت الشعر المغربي المعاصر ، ثنائية الألم و الأمل في غد مشرق ، يقول :

و المرأة / المدينة تواصل ترقيع قمصان الحزن

بوجه غائب و إيمان قوي بشروق آخر  (ص 85)

البحر و الزرقة تحضر في قصائد الديوان بشكل واضح ، لأن البحر يحتضن المكان ويشكل من جهة أخرى صورة من صور طفولة الشاعر ، فهو مرتع للعب واللهو والتسكع قريبا من الميناء والأسوار والصيادين، والطفولة رمز للبراءة و رمز للملاك :

كلما لاحت أضواء الميناء من غرفتي

أصحب الملائكة لجولتنا اليومية

و نتسكع بين القوارب و ننصت لأحاديث الصيادين

و يحدث كذلك أن ترغب الملائكة في العوم

فتخلع ملابسها الضوئية و تغطس في أعماق الفرح

فيتحول المكان لجنة صغيرة . (ص 59)

و يقول :

تلك الملائكة التي أراها وحدي

و أسهر معها وحدي

و في الفجر أتركها عارية على السرير (ص 58)

البحر بكل جماليته وزرقته و امتداده الذي من المفروض أن يكون صديق الشاعر يبوح له بشكواه، يغدو بعيدا عنه، يصبح معادلا للتيه والخسارة، البحر في الديوان حزين، بعيد يقول :

البحر بكل قامته الفارغة

يدخن سيجارته المليئة بأطياف الخسارة (ص 29)

البحر بعيد عني

سأرسمه على فخدي بلون ازرق فاتح

حتى لا أخرج باكرا

حتى لا تتلوث اللحظات (ص 107)

ديوان لا تسعنا سماء واحدة، ديوان سيرة، سيرة طفولة وسيرة مدينة.. والشاعر يوسف الأزرق من الأصوات الشعرية المغربية التي تكتب بتأن وبصمت وبوعي.. ويحلق بنا في سمائه التي لا تسعه.. سماء الشعر، سماء الحرية، بعيدا عن قبح الواقع …

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.