عبيد لبروزيين
تتسم المصطلحات الواصفة لمختلف أنواع السرد الشعبي بالاضطراب والفوضى، خصوصا في الدراسات الأدبية العربية، إذ يجد الدارس نفسه في أتون ما يطلق عليه بفوضى المصطلح، نظرا لما يلقاه من قلق منهجي في الترجمة، واختلاف توظيفه لدى الدارسين للأدب الشعبي، ولعل ترجمة كتاب “مورفولوجية الحكاية العجيبة” لفلادمير بروب تبين ذلك، وتبرز أهم مظاهر الاضطراب الاصطلاحي في[1]:
-
اختزال كل الأنواع القصصية الشعبية جميعا في مصطلح واحد هو (الحكاية الشعبية) أو (القصص الشعبي).
-
استعمال مصطلحات (الحكايات) (الحكاية الشعبية) (القصص الشعبي) (القصص الشعبية) (القصة الشعبية) (الأساطير) (الأسطورة) (الخرافة) للدلالة على السرد الشعبيى عامة.
-
اطلاق مصطلحات (الحكاية الخرافية) (الحكاية الخارقة) (حكاية الخوارق) (الخارقة) (حكايات الجان الخارقة) (حكاية الجان) (حكايات السحر) (الحكاية العجيبة) (القصة العجيبة) (القصة الخرافية)… على نوع قصصي واحد هو (الحكاية العجيبة).
-
تداول مصطلحات (حكايات الواقع الاجتماعي) (الحكاية الاجتماعية) (حكايات الحياة اليومية) (حكاية الحياة المعاشة) (الأسطورة الاجتماعية) (الحكاية الواقعية) (الحكاية الشعبية) للدلالة على نوع سردي شعبي هو (الحكاية الشعبية).
-
تخصيص مصطلحات (القصص الخرافي) (الخرافة) (حكايات الحيوان الخرافية) (خرافات الحيوان) (المثل الخرافي) للدلالة على نوع قصصي، هو ما عرف في تراثنا بالخرافة.
-
نعت الحكاية المرحة بمصطلحات (النادرة) (الحكايات الهزلية) (الخرافات الهزلية) (الحكاية المرحة).
وأمام هذه الفوضى في استعمال المصطلح النقدي في الدراسات الأدبية العربية، يقترح الدكتور مصطفى يعلى، بدائل للخروج من هذا الاضطراب، وإرجاع الكثرة الدلالية للمصطلحات المترجمة إلى وحدة مفهومية، ويمكن أن نجمل هذه الاقتراحات فيما يلي:
-
القصص الشعبي: جميع الأنواع السردية الشعبية بدون استثناء.
-
الحكاية العجيبة: النوع السردي ذو العوالم العجائبية.
-
الحكاية الشعبية: النوع السردي الشعبي القائم على مفارقات الحياة اليومية الواقعة بأسلوب جاد، ولغاية أخلاقية.
-
الحكاية الخرافية: النوع السردي الشعبي الدائر في عالم الطبيعة بأسلوب رمزي لغاية تعليمية.
-
الحكاية المرحة: النوع السردي الشعبي القائم على مفارقات الحياة الاجتماعية الواقعية لكن بأسلوب مرح يسلي وينتقد.
نعتقد أن طروحات مصطفى يعلى حول الأدب الشعبي بصفة عامة، والتحديد المفاهيمي خاصة، قادر على أن يسهم في بلورة الأسس النقدية لدراسة هذا النوع من الأدب، الذي مازال يعتبر شيئا غير مرغوب فيه، أو ينظر إليه نظرة دونية، وذلك نتيجة تكريس بعض التصورات الخاطئة، كثنائية الثقافة العالمة والثقافة الشعبية.
موضوعة الرحلة في الحكاية العجيبة الأمازيغية “بوعتريس”
تتجه الفلسفة الحديثة إلى التركيز على المفاهيم، حيث انبرى الفلاسفة والمفكرون إلى تحيد المصطلحات من قبيل الدولة، والتاريخ، والتراث، والإيديولوجيا، وما يهمنا هنا هو الرحلة، التي تشرح في المعجم على النحو التالي: “يرحل: رحلا ورحيلا وترحالا ورحلة، رحل عن البلد: تركه، غادره ونجد رحل إلى مكان كذا: سار إليه، انتقل، رحل البلاد تنقل فيها، رحل الجمل شد على ظهره الرحل ورحل له نفسه صبر على أذاه. أما الرحلة وهي مصدر رحل، الارتحال، كتاب يصف فيه الرحالة ما رأى وخبر في سفره، ويقال جمل ذو رحلة: قوي على السير”[2] فالرحلة إذن تعني التنقل في الأرض.
ولما كانت موضوعة الرحلة التي نريد الحديث عنها في الحكاية العجيبة، لابد من تعريفها وتحديدها، يقول فلادمير بروب “يمكن من وجهة نظر مورفولوجية إطلاق اسم حكاية عجيبة على كل تصور منطلق من إساءة (A) أو نقض (B) مرورا بالوظائف الوسطية، ليتوج بالزواج (W) أو بوظائف أخرى مستعملة للنهاية، يمكن أن تكون الوظيفة النهائية الجزاء، انتقام الشيء موضوع البحث، أو بشكل عام إصلاح الإساءة (K) المساعدات والنجاة خلال المطاردة (RS)… إلخ”[3]
ولأننا لا نصبو إلى دراسة حكاية “بوعتريس” دراسة مورفولوجية، فإننا سنقتصر على بعض الوظائف المتعلقة بموضوعة الرحلة، وهي الإساءة (A) والزواج (W) والمساعدة والنجاة (RS)، ولكن قبل الشروع في تحليل هذه الوظائف الثلاث، نقسم الحكاية العجيبة إلى مقاطع:
-
التوازن: وقد سماه فلاديمير بروب المرحلة البدئية، أي قبل مجيء الغول إلى القرية التي تنعم بالأمن والاستقرار.
-
اختلال التوازن: سرقة الغول للفتاة الجميلة، ابنة عم البطل، إذ بينما كان يلعب الكرة ارتطمت بمنزل امرأة عجوز، فخرجت وقالت له: “دو رزو أفلا يليس عمك” “اذهب وابحث عن ابنة عمك”.
-
عودة التوازن: استرجاع البطل للفتاة الجميلة والزواج بها.
موضوعة الرحلة والوظائف الثلاثاء
الإساءة (A): لقد كانت الإساءة التي تعرض لها البطل أمام زملائه هي السبب الرئيس في رحلته نحو الغابة، إذ عاد من الكرة وسأل أمه عن صحة ما قالته المرأة العجوز، وتأكد من صدق كلامها، فعزم على استرجاعها. وإذا كانت الاساءة (A) هي السبب في رحلة البطل من فضاء القرية، والذي يحيل على المحبة والاستقرار والأمان والتآزر والتعاضد، إلى الغابة، المكان الموحش الذي يدل على الرعب والهلاك والاستبداد ومختلف الشرور وأنواع الخطر.
المساعدة والنجدة (RS): لما وصل بوعتريس إلى الغابة وجد بها كوخا، تتراءى له من بعيد أضواؤه، فقصده للمبيت، إلا أنه سيكتشف بأن مستضيفه ليس سوى الغول، بعد أن تعرف على ابنة عمه من خلال أوصاف والدته والعلامة المميزة لها. عزم الغول على أن يفتك به، إلا أن زوجته استمهلته، وفي غفلة منه أخبرها عنه وعن عائلته، فعزما على الفرار صباحا. أعدت الحناء وضمخت بها جميع الأواني لا إلا تتحرك وتوقظ الغول عند هروبهما. ففعلت ذلك لكنها نسيت “المهراز”. وفي الصباح الباكر وجدت رزما للغول الأولى للرعد والمطر والثانية للضباب، والثالثة لفحم يصل مداه إلى مكان بعيد، فركبا معا الحصان وهربا معا.
لقد كانت الرحلة الأولى سببا في الرحلة الثانية التي سيقوم بها الغول، والذي سيأتي إلى القرية كعطار، وبينما تتحلق النساء حوله، يحكي لهن أمرا مضحكا فيميز الفتاة الجميلة بينهن، ويختطفها فيحكم بوعتريس بالأمر إلى أن وجده، واسترجعها للمرة الثانية.
الزواج (W): تنتهي الرحلة بالزواج بين البطل والفتاة الجميلة، وهو ما يتوافق مع ما ذهب إليه بروب من أن النهاية تكون دائما تصحيحا للإساءة.
إن هذه المقالة المختصرة جدا، لا تصبو إلى تطبيق ما جاء إليه فلادمير بروب من دراسته للحكاية الشعبية، بقدر ما تسعى إلى الالتفاتة إلى الأدب الشعبي بصفة عامة، والحكاية العجيبة خاصة، وما يكتنف هذا الأدب من فوضى المصطلح من جهة، وإلى فقدان هذا الإرث التاريخي الأدبي الشفهي الذي لم تعره الدولة من خلال الجامعات ومراكز البحث أدنى اهتمام، وبموت كبار السن الذين تموت الحكايات بموتهم، يفقد الأدب المغربي مكونا من أهم مكوناته.
[1] – مصطفى يعلى، القصص الشعبي بالمغرب دراسة مرفولوجية، المدارس، ط 2، 2001، ص 33-34.
[2] – انظر جبران مسعود، الرائد، معجم لغوي عصري، دار العلم للملايين، الطبعة الثالثة، 1978، بيروت.
[3] – مصطفى يعلى، القصص الشعبي بالمغرب دراسة مرفولوجية، م س، ص: 65.a