الرئيسية | فكر ونقد | الجنس وجماليات المجون في كتابات جورج باطاي -1- : قبل البدء، جورج باطاي الغامض | علي أوعبيشة

الجنس وجماليات المجون في كتابات جورج باطاي -1- : قبل البدء، جورج باطاي الغامض | علي أوعبيشة

علي أوعبيشة

 

كيف السبيل إلى فلسفة جورج باطاي Georges Bataille؟ وهو الفيلسوف الذي لم يترك أثرا فلسفيا -بمعناه الكلاسيكي- لجريمته في حق المعنى، باستثناء السمعة السيئة التي خلفتها كتاباته، ولازمت اسمه كلما ذُكر، فقد لقي سخط الأدباء معتبرين إياه شيخا لسيرة الأدب الملعون ومتابعا لمسيرته، وكاتبا إباحياEcrivain pornographe  مؤلفا لكتب الإثارة الجنسية والمؤلفات الفاحشة، بل و”يخجل النقاد عند سماعهم اسم باطاي (…) فهمّ السّمعة يسكنهم ولن يجازفوا بسمعتهم لمواجهة هذا الثور[1].

كما نبذه جون بول سارترJ .P Sartre واتهمه بالجنون في مقاله “صوفي جديد“، والذي كتبه رائد الوجودية ردّا على كتاب باطاي “التجربة الباطنيةL’Expérience intérieure[2]، وطرده السرياليون من جماعتهم بحجة كونه عدوا للخيال، وغارقا في العالم المعيش، بل ومفكرا ملعونا أيضا Penseur maudit كلها ألقاب وتهم وجهت لجورج باطاي، تظهر جليا الفضيحة التي وسَمت ولازمت أفكاره وكتاباته خلال حياته وبعد موته، لكن لنتساءل: لماذا هذا النقد الشديد الذي تعرّض له باطاي من قبل المهتمين بالفلسفة والآداب، في مقابل الإشادة به من قبل كبار فلاسفة القرن العشرين؟ وإلا فكيف يمكن أن نفهم قول مارتن هايدجرMartin Heidegger عنه بأنه “أكبر العقول النيرة بفرنسا[3]، خصوصا وأن الفيلسوف المبشّر بالكينونة معروف بتعاليه الكبير، إذ من النادر جدا أن يقرّ بتميّز فيلسوف معاصر له، أضف إلى ذلك أنه في العام 1969، أي بعد مضيّ سبع سنوات على وفاته، كتب ميشيل فوكو Michel Foucault: “نحن نعرف اليوم أن جورج باطاي أحد أهم مفكري هذا القرن“.[4]

        هو جورج باطاي، “الرجل المتعطش إلى النشوة الديونيزيسية[5] فيلسوف متميز ومتفرد، ترك بصمته الواضحة في القرن العشرين، حتى ارتبط اسمه بنوع من السحر الغامض والبعد الأسطوري “هذا البعد الأسطوري للكاتب يعود إلى عامل الفضيحة، فجورج باطاي إسم تألّق في عالم الإيروسية والكتابات الإباحية”، كما يعود أيضا إلى عامل السرّية والغموض والتعتيم، إلى حدّ تأسيسه لمنظمات/جماعات سرية كان الغرض منها مقاومة بشاعة الأنظمة السياسية، وكذا التحرر من كلّ سيادة سواء كانت مؤسساتية أم معنوية، علاوة على ازدواجية شخصه، فباطاي، حافظ المكتبة الوطنية بفرنسا، خبير في مجال الهوى، مداوم على معاشرة المواخير، جمع في كتاباته كلها بين الميادين المتناقضة، حتى تلك التي لا تتطابق مع بعضها البعض كالدين والجنس.”[6]

لقد شكلت تجربة باطاي الحيّة/المعيشة جزءا لا يتجزأ من فكره وكتاباته، فقد كتب بجرأة عنيفة عن المجون وعاشه بكل تفاصيله، إذ كان يستهلك نفسه حتى كاد أن يبلغ الموت عام 1934 “من كثرة الشرب والليالي البيضاء والمضاجعات[7].

غير أن باطاي الذي تأثرا كثيرا بنيتشه ومفهومه عن القوة، ومحاولا الانتصار له من خلال مفهومه عن السيادة، لم يكن يملك من الجرأة ما يكفي لينشر كتاباته الماجنة باسمه، فقد نشر “حكاية العينhistoire de L’Œil [8] عام 1928 باسم مستعار هو لورد أوش Lord Auch في طبعة سرية من 134 نسخة مصحوبة بثماني ليتوغرافيات لأندري ماسون من غير إمضاء، وعاود الكرّة حينما نشر “السيدة إدواردا Madame Edwarda[9]  باسم مستعار أيضا هو بيير أنجليك  Pierre Angelique.

لقد ظل باطاي وفيا لأسلوبه في الحياة الكامن في التناقض وخرق النظام، فاللذة عنده هي المفارقة “Le plaisir, c’est le paradoxe“، بهذا المعنى نفهم إصراره على أن يفكّر في العشق وأن يعيشه بشكل مختلف، أو لنقل بشكل مضطرب، كما لو أنه مرض بأعراض مرعبة، “لقد كان -باطاي- عاشقا للاضطرابDésordre ، الاضطراب كشرط للفكر والشعر والفلسفة”[10].

 

[1] Marguerite Duras, “ Bataille, Feydeau et Dieu”, France- observateur N. 396, 12 Déc. 1957, P.20-21(interview)

[2] Georges bataille, L’Expérience intérieure, Gallimard, 1ere Edition, 1943.

[3]  إدوارد الخراط، من الصمت إلى التمرد، دراسات ومحاورات في الأدب العالمي، سلسلة كتابات نقدية من إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة المصرية 1994، ص: 360

[4]  مجموعة من المؤلفين، جورج باطاي: الجنون المتنقل بين الفلسفة والقداسة، دراسات عربية، بدون تاريخ. ص : 14

 [5] Michel Leiris, « Hommage à Georges Bataille », Critique 195-196, août-sept. 1963, p: 693

 الجنون المتنقل بين الفلسفة والقداسة، ص: 09[6]

[7]  جورج باطاي، القدسي وقصائد أخرى، ترجمة محمد بنيس، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2010  ص: 177

 

[8] Georges Bataille, histoire de L’œil,

[9] Georges Bataille, Madame Edwarda, Gallimard, 1ere Edition, 1941.

[10] Madeline chalon, «Qui étes-vous, Georges Bataille ? », le portique (En ligne), 29 /2012, mis en ligne le 15 décembre 2012, consulté le 03 septembre 2016, URL : //leportique.org/2589

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.