الرئيسية | شعر | الثقافة والميليشيا | مازن المعموري

الثقافة والميليشيا | مازن المعموري

مازن المعموري (العراق):

 

ظهر التداول التمثيلي للثقافة مع منتصف عشرينيات القرن الماضي في العراق والوطن العربي ليؤكد انبثاق عصر جديد بلغة مختلفة عصرية تحاول تنوير المجتمع ونقله الى مرحلة التمدن الغربي بامتياز في ضوء إقامة دولة مؤسسات ومدارس وتعليم غربي مستعار، في حين بقي الفرد العربي متعلقا بتراث ثقيل لا يقبل التراجع، ثم جاءت الايديلوجيا القومية لتزيد الطين بله، فتاخذ من التراث عصبيته الشوفينية وعنفه الذي وسم تاريخنا المعاصر بالكامل، مما حول المثقف إلى نموذج سلطوي لا يستطيع الخلاص من تبعات العرف الاجتماعي لصورة (الأفندي) القديمة ذات الاصول العثمانية المرتبطة بطبقية الموظف والعسكر ، وهذا الموقف خلق نموذج الازدواجية للمثقف بدون استثناء .

ما بعد 2003 قدم لنا انهيار الدولة بشكل كامل، وحلّ مؤسساته العسكرية والأمنية نموذج الميليشيات او العصابات التي ظهرت كبديل حيوي لتمثيل الهوية الطائفية وتدمير البنى المكونة لمفهوم الوطن والدولة القديمة تحت طائل الضغط الوحشي لصورة صدام حسين، فكان الانتقام هو الهدف الوحيد لتلك العصابات التي أمسكت زمام الامور وحازت على قبول المجتمع ورجال الدين الذين شكلوا غطاء شرعيا لانحطاط أخلاقي ساهم في سرقة المال العام وتدمير البنى التحتية والعيش على فتات الوظيفة الوهمية ومعسكرات التدريب والقتل الطائفي لكلا الطرفين (شيعي – سني ) وهي ظاهرة مستعارة أيضا .

كلا الظاهرتين ( ثقافة – ميليشيا ) تنتميان لعالمين مختلفين تماما ، فكيف اجتمعا في مكان واحد مثل العراق ؟ الجواب واضح ، وهو ان الارادات المتصارعة لا تستطيع التعايش ابدا، وما نريده من كلمة ثقافة هو انها تستطيع ان تحول الميليشيا من دلالة (العصابة) الى دلالة (القوة) وهي الغاية الاهم في ستراتيجية العمل التجريبي للشعرية اليوم، بما إننا نمثل هذه الشعرية بامتياز، وأعني الخطاب الثقافي للشعر كقوة قادرة على التأثير في المحيط المكون له، وهنا نكون امام خيارات القوة التي تتمثل في آليات الاعلام الحديثة مثل النت والتصوير والفديو، بصفتها هوية عصر التقانة.

ميليشيا الثقافة نزعة مفرطة لمواجهة الذات عبر الفن والشعر والموقف، لذلك اصبحت خيارا لا يقبل المساومة في لحظة أزمة تاريخية نعيشها يوميا، نختلف مع الجميع كما لو ان الاختلاف سمة شخصية تتحول الى هوية ثقافية في ضوء ممارستنا للشعر عبر اكتشاف أمكنة مزدحمة بالعلامات والحاضر المستعاد من غيبته، نعم اننا نعيش في الغياب رغم حضوره المدمر لفعل المواجهة مع الذات اولا، والمجتمع الضائع ثانيا، فيما يقدم لنا الشعر فرصة للقول وتسويق خطابنا عبر وسائل النت والميديا ، الكلمة لم تعد وحدها قادرة على التواصل اذا لم يكن هناك صورة تتقدم عليها وتُحْدثها كفعل لحظوي مبتكر لخطوة الشعر القادمة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.