الرئيسية | فكر ونقد | الإقامة في الجرح

الإقامة في الجرح

رشيد الخديري *

رشيد الخديري

رشيد الخديري

بأناقة ديكٍ يُصرُّ الشاعر العراقي المقيم بالمغرب خالد الخفاجي على اقترافِ فعل الكتابة عبرَ رصد حالات من الوجع الداخلي، ولعل منجزه الشعري” رؤوس زرق… وجوه سود” الصادر حديثاً عن دار المناهل بالرباط سنة 2012، يمثل تجربةً شعرية تقيمُ في بساتين الجرح العراقي، وتحاولُ أن تقدم نفسها على شكلِ سوناتات لا يطيب لها العزف إلا على الجراح والحنين والغربة، هي تجربة شعرية تتوزع على ثلاثة وثلاثين نبضاً شعريا ما بين العمودي والتفعيلي والشذري والنثري، في أفق بناء عالم شعري عبر حصصٍ من الذاكرة المستعادة.
إن خالد الخفاجي في مجموعته الشعرية الجديدة يسعى إلى الإقامة في الجرح بمعناه الهايدغري، والكتابةُ بهذا الشكل المغاير تروم “تأبيد” ثالوث تيماتي- إشكالي تنبني عليه الرؤى الشعرية، فهذه التجربة يمكن وصفها بشعرية الكشف والمكاشفة والانطلاق من “الآنا” في شموخها وعلوها صوب “الآخر” القابع في زاوية معتمة من الذات، احتدام الداخل والعودة المستمرة إلى النبع، هما ما يوجهان الخطاب الشعري بكل مجازاته وطاقاته الثاوية في الأعماق، قصائد هذه التجربة الشعرية، وإن بدت للوهلة الأولى مهادنة وبسيطة، إلا أنها عصية على القبض، وتُحاولُ أن تحقِّقَ ” اختراقها” الشِّعرِي عبر مُتتاليات تغرفُ من ثنائية الجرح والمنفى.

خالد
غلاف الديوان

في الإهداء الذي خطه خالد الخفاجي كعتبة للمجموعة:” إلى الشهيد العراق.. وطني الذي ضاع بين أهله ولم ينتخ له أحد.. إلى أمي شهيدة الطيبة والحرمان”، أو حين يقول محاولاً استعادة ملامح هذا الوطن:

حفظتك يا وطن/ دموعك/ جروحك/ طيبتك/ غربتك/ خداعك/ وفاءك، لكني لم أحفظ/ فيك/ كم وثن“، ثمة ما يؤشر على بناء درامي، محكومٍ بنفس جنائزي- فجائعي في نقل الصوريات، العراق يحضر بكل رمزيته التاريخية والأسطورية والحضارية، والشاعر المتغرب يحاول لملمة الشتات: شتات الذاكرة الفردية والجمعوية في أفق بناء متخيل شعري قادر على نقل الأحاسيس الجوانية في أكثرها عنفواناً وصدقاً ونداوةً.
للإشارة، فالشاعر خالد الخفاجي من الشعراء العراقيين الذين أخذوا على عاتقهم تحديث قصيدة النثر العراقية في المهجر، وعلى مدار تجربته الشعرية الممتدة عبر ردحٍ من الزمن، حاولَ تأسيس خطاب شعري يتكأ على البناء الدرامي- المرآوي، إضافة إلى انشغالاته المعرفية والجامعية، فهو دارس باحث في العلوم القانونية والسياسية، ويقيم بالمغرب لهذا الغرض، حيث يهيأ الدكتوراه في القانون الدولي، وقد أصدر خالد الخفاجي مجموعةً من الأعمال الشعرية، تنصب في كلياتها حول الإنسان والمرأة والحب والوطن، منها ديوان” هنا.. نسيت دموعي” الصادر عن مطبعة أوفسيت بالرباط، ثم عمله الشعري الأول” طقوس الحزن”.

*ناقد وشاعر مغربي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.