الرئيسية | فكر ونقد | الإرهاب ليس ديني| محمد سعيد

الإرهاب ليس ديني| محمد سعيد

 لقد كان الجاحظ قبيحاً،و لكي يقاوم قبحه كان يكتب عنه..الإرهاب قبيح و قاتل،ليس كقبح الجاحظ،فالإرهاب ليس ديني،ومن أجل القضاء عليه يجب أن نذهب إلى منابعه الأولى في السير و النصوص الدينية المقدسة،بهذا نكون قد محقنا القبح الإرهابي من داخل نسقه الديني،هذا النسق الذي يوظف المشاعر الدينية و العاطفية من أجل الفتك بالأغيار. فالتاريخ يكشف الحقيقة و يمكر بالإنسان كما يقول “فريدريك هيغل”..و ها هو التاريخ يكشف حقيقة داعش و منبعها،و يكشف حقيقة المنضمات الإرهابية و منبعها الأول مند زمن بعيد،فالإرهاب ليس ديني،الإرهاب موجود في المقررات التعليمية التي قرأتها و أناً طفل صغير بالثمانينات مع أقراني،الإرهاب موجود عند فقهاء السلطة و فقهاء الجماعات الدينية،الإرهاب موجود في العقول،فقديما قالوا “رهبوت خير من رحموت” أن تكون رهيباً خير لك من أن تكون رحيماً،إقرأ قاموس العرب إذا لم تصدق،إقرأ المورد و المعجم الوسيط لترى بنفسك إذا كذبتني،و لتأخذ المبادرة من أجل بناء مجتمع لا يعرف الإرهاب و لا يعطيه مسوغات و مبررات لحمايته،مجتمع يبني إقتصاده و يبني قيمه من ما أستلب منه مند القدم،مجتمع يعيد صياغة مفهوم التسامح و يعترف ب”حرية الإعتقاد” و يؤسس لأرضية الإختلاف ! لقد دخلنا إلى “الحداثة المفرطة hypermoderne” و نحن غير مستعدين للإعتراف بالأخر المختلف،الأخر الذي هو أنا،فرجعنا إلى الممارسات الوثنية paganisme التي تقدس إلهها و ألهتها فقط،دون الإعتراف للأخر بممارسة طقوسه الدينية بكل حرية و في أمان تام من الإرهاب و الإرهابيين. فيا أيها السمجاء المبقورون،يأيها المغتربون بسوريا و العراق و الجزائر و المغرب..إلى متى ترهبوننا ؟ فنحن لا نؤمن ب”البانتون” حيث توجد الألهة الكاذبة و التماثيل المصورة للجبابرة و الأيونات القديمة،فنحن لا نريد أن نرجع لفترة الجهل و الظلام كما قال المؤرخ “رينهارت دوزي”،بل نريد أن نرجع لظل بيتنا القديم كما بقصة الكاتب المغربي عبد الغني أبو العزم،فالإرهاب ليس ديني إن كنتم تستوعبون. لقد تكلم المسيح عن الحرب و السلم،فأنذرنا من جهة وقوع “حروب و أخبار حروب”،و من جهة أخرى تضمن وصفه لمواطني ملكوت الله قيامهم بدور نشيط في صنع السلام،أي أن مواطنيي هذا الملكوت صانعوا سلام و ليس صانعوا إرهاب،و قد أعلن أيضاً أن أولاد الله هم الذين يصنعون السلام (سفر متى 5 : 9)،فصنع السلام وصية إلهية قبل أن يفعلها الإنسان،و قد صنع السلام فيما بيننا بالمسيح،فلا يمكن أن ندًعي بأننا أولاد الله الحقيقيون ما لم نشارك في صنع السلام أيضاً،فديني أو بالأحرى رسالتي التي أؤمن بها ليست إرهابية. فالتطويبات ليست مجموعة من ثمانية خيارات،بحيث يختار بعضهم أن يكونوا ودعاء،و يختار البعض أن يكونوا رحماء،و يختار أخرون أن يكونوا صانعي سلام،فهي تشكل مجتمعة وصفاً لأعضاء ملكوت الله،صحيح أننا لن ننجح في توطيد يوتبيا على الأرض كما يقول الفلاسفة اليونان إذ كانوا يسعون لتوطيدها،و صحيح أن ملكوت المسيح الذي هو ملكوت البر و السلام لن يصبح مسكونيا (عالمياً) في نطاق التاريخ،و لن تطبع السيوف سككاً و الرماح مناجل حتى يأتي المسيح،و لكن هذه الحقيقة لا تعطي مسوغاً محتملاً للإكتار من مصانع الأسلحة – فهل تمنعنا نبؤة المسيح عن الجوع من السعي إلى توزيع للغذاء بإنصاف ؟ فكذلك لن تمنعنا نبؤته عن الحروب من السعي وراء السلام،إن الله صانع السلام،و يسوع المسيح صانع السلام،فإذا أردنا أن نكون أولاد الله وجب أن نكون صانعي السلام. فالمسيحي هو الذي يؤكد أن ملكوت الله الذي دشًنه يسوع المسيح هو حكم الله الذي يسود فيه السلام و العدل،و أن يسوع نفسه جسًد تماماً في سلوكه الشخصي مُثًَل الملكوت الذي نادى به و أن جماعة الملكوت ينبغي أن تجوع إلى البر و تتبع السلام و لا تنتقم،و لا تكن إرهابية،بل تحب الأعداء،و بعبارة أخرى يجب أن يكون الصليب سمتها المميزة،و أنه عند اكتمال الملكوت سوف “يطبعون سيوفهم سككاً و رماحهم مناجل”،لأنه “لا ترفع أمة على أمة سيفاً،و لا يتعلمون الحرب فيما بعد” (سفر إشعياء 2 : 4)،و كل هذا يعني أن المسيحيين ملتزمون في المقام الأول بالسلام و البر،صحيح أن السعي وراء السلام العادل أكثر تكلفة بكثير من استرضا العدو على حسب المباديء الأخلاقية،و لكن مع هذا يجب ألا نفتتن بالحرب و نمجد الإرهاب فإن كون دينك غير إرهابي،يعني أن دينك أو ما تؤمن به هو رسالة سلام،فالوعي بالسلام،هو أن يعي الفرد بأنه مهما كانت إغراءات العنف،فالعنف ليس حلا لأي مشكلة،فالعنف يولد العنف بشكل لانهائي،”الوعي بالسلام” يتضمن وعيا بما يفقده الإنسان عندما يفقد السلام…فعندما يفقد السلام،فسيفقد أدنى مستويات الثقة تجاه أخيه الإنسان،أي تلك المستويات التي يحتاجها ليستمر في الحياة. عندما ألتزم بثقافة السلام فهذا يعني أن الإرهاب ليس ديني،فهناك دائما ثمن ندفعه،و هو أننا نبذل جهدا مضنيا في عدم الإستجابة لإستفزازات و في اللجوء إلى الوسائل المشروعة في الرد على من يستفزنا،لثقافة السلام كلفة علينا أن نحتسبها إذا قررنا الإلتزام بها،فعندما يشتد الظلم و العدوان،يصبح العنف مغريا،”ثقافة السلام” هي الرفض المبدئي للعنف حتى عندما يكون العنف مغريا. المهماتا غاندي كان بطلا من أبطال “ثقافة السلام” لأنه أصر على السلم حتى عندما كانت جميع الأصوات تنادي بالعنف…”ثقافة السلام” هي العطاء وسط جيل لا يعرف سوى الإرهاب،لذلك فديني دين سلم و ليس دين إرهاب.

محمد سعيد : عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية (مدى)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.