الرئيسية | ترجمة | آكيلينو دوكي “شاعرٌ لا ينتمي إلى حاضره” | تقديم وترجمة: جعفر العلوني

آكيلينو دوكي “شاعرٌ لا ينتمي إلى حاضره” | تقديم وترجمة: جعفر العلوني

آكيلينو دوكي

تقديم وترجمة: جعفر العلوني

يُعتبر الشاعر والروائي الإسباني آكيلينو دوكي Aquilino Duque اليوم، من أواخر الشعراء الإسبان الذين عاشوا فترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية بكل تفاصيلها، وظلوا على قيد الحياة.

ولد آكيلينو دوكي في أشبيلية في عام 1936م، درس الحقوق في أشبيلية، ثم تابع دراسته في كلٍّ من أميركا وبريطانيا.

عندما بدأ آكيلينو بنشر أعماله الإبداعية، كان الشاعر الكبير خوان رامون خيمينز، الحائز على جائزة نوبل للآداب، لا يزال على قيد الحياة، كذلك كان بعض أعضاء مجموعة الـ27 الشعرية الشهيرة، من أمثال رافائيل ألبيرتي ولويس ثيرنودا وبيدرو ساليناس وخيراردو دييغو وداماسو ألونسو. كان هؤلاء العظماء مرجعية آكيلينو دوكي في أي عمل إبداعي أراد أن ينشره. قام خيمنيز بمساعدة آكيلينو على نشر قصائده في مجلة (Aljibe). كانت علاقته مع رافائيل ألبيرتي قوية جداً إلى درجة أنهما لم يتوقفا عن تبادل الرسائل الأدبية والكتب، بالرغم من بعد المسافة بينهما، والخلاف في الآراء السياسية. كانت علاقته قوية جداً مع الشاعر بيثينته ألكسندر الحائز هو كذلك على جائزة نوبل. كان ألكسندر بالنسبة للشاعر آكيلينو مركز النظام الشمسي للشعر الإسباني في تلك الفترة.

أمضى آكيلينو دوكي الربع الأول من القرن المنصرم أكثر أوقاته خارج إسبانيا، في المنفى؛ أولاً نتيجة عمله، وثانياً بسبب رفضه للنظام الدكتاتوري، تحديداً في روما، هناك حيث مشى في شوارع روما مع ألبيرتي وتحدثا عن الشعر والحب وعن المدن.

غير أنَّ آكيلينو دوكي يعيش اليوم منفى آخر، عزلة داخلية، نتيجة إصراره الجميل على الدفاع عن أفكاره التحررية والجريئة، لذلك نراه اليوم شاعراً مهمشاً بعيداً عن المؤسسات الحكومية وعن الجوائز الأدبية، بالرغم من نيله الجائزة الوطنية للأدب عن روايته الشهيرة “الزي الأزرق” 1975م. فقد نالت هذه الرواية شهرة عالمية وترجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية، إذ تعدُّ وثيقة حرب شاهدة على مآسي الحرب الأهلية الإسبانية، استطاع الكاتب أن يعبر عنها من خلال قصة حبٍّ بين شابين إسبانيين.

يعدُّ دوكي، في العموم، كاتباً غزير الإنتاج، فقد نشر ما يقارب الخمسين عملاً إبداعياً بين رواية وشعر ودراسات أدبية وسياسية، وأخرى متنوعة.

“نعيش في عالمٍ تسيطر عليه إمبراطورية الكذب، يقود الحاضرُ الماضي على هواه، لذلك، نحن الكتّاب، علينا أن نراقب الواقع عن قرب، لكي نقول للأجيال القادمة من أين أتينا، وإلى أين نخاف أن نذهب لمجرد تقليص مشاكل وجودنا على كذبة كبيرة تدعي السياسة”. يلخص آكيلينو دوكي هذه الأفكار المهمة وغيرها في كتابه المهم “تعبنا من كوننا أحراراً”.

يبدو لنا الكاتب آكيلينو دوكي اليوم، متشائماً أكثر من أي وقت مضى، فقد عرف كثيراً من الأنظمة السياسية، وكرسَّ أعماله للكتابة عن الحقب التاريخية المختلفة، لكنه ينظر إلى ما نعيشه اليوم من فسادٍ كوني على أنه السبب الرئيس في تدمير أجيالنا القادمة. فالكاتب نفسه كما يعبر في كتابه “انتحار الحداثة” يقول: “السلطة تخرّب، والسلطة المطلقة تخرب بطريقة مطلقة، وبالتالي فإن السلطة الديمقراطية أيضاً تخرب بطريقة ديمقراطية. وبهذا المعنى، أستطيع أن أعرّف الديمقراطية على أنها دين العالم الذي لا يعرف الدين”.

بالنسبة لأعماله الشعرية، فقد كتب دوكي العديد من الأعمال الشعرية التي اعتبرت في إسبانيا استمراراً لشعر مجموعة الـ 27 الشعرية، ويعود ذلك كما قلنا سابقاً، نتيجة معاصرته لشعراء النخبة في إسبانيا من أمثال خيمينز وألكسندر وألبيرتي. نذكر من بين أعماله الشعرية على سبيل المثال لا الحصر: (شارع القمر، ثلج الوقت، من كلمة إلى كلمة).

هذه المختارات الشعرية التي نترجمها من الإسبانية هي من ديوان “شارع القمر”.

 

•عناق

 

جسدُكِ ساعة رملٍ.

سأشدُّ حزام خصرك لكي

لا ينفذ الوقت..

 

•انتظار

 

انظروا إلى ألمي

حبيبتي لم تأت البارحة بسبب المطر الغزير

لم تعبر أزهار الدلفي المتواجدة على ضفة النهر

جبيبتي التي لديها حصانٌ يعبر أقاصي التلال

وأعماق الأنهار!.

 

•كم الألم ضروريٌّ؟!

 

أنت التي تهربين إلى الألم، اسمعي:

من الضروري البكاء من وقت إلى آخر

من الضروري أن تروي قلبك

 لكي لا يجف كالشجرة

المطر الذي تعتبرينه لذتك، يقول لك هذا

المطر الذي ينظفك من الخطيئة.

 أنت التي تهربين إلى الألم،

ألا تعرفين كم الألم ضروري؟

أعرف جيدا أنك ترغبين بشدة إحياء القلوب التي قتلتها

 ولكن الحب الذي ينظر خلفه

لا يرى سوى تماثيل الملح التي يصنعها البكاء.

 

•تشمّس

 

تفيضك القوة

وتنقصني الإرادة

الحرب التي تطلبيها مني

لا أريد أن أمنحك إياها.

بين بيتي وبيتك

الموت والحياة

المساء والصباح.

 

•سيرة ذاتية

 

كنت سعيداً على مقاعد الدراسة

سعيداً في ثكنة الجيش وفي الجامعة

كنت مسروراً بشهور الصيف الجافة

 سوى بئر ماء في ذلك الفناء.

وإذا واجهت انكساراتٍ عرفت كيف أمحيها مع الزمن.

سافرت بقطارٍ معلقٍ على أنهار

بين غاباتٍ ومصانع،

 و ببواخر،

 بين القنوات والمدن البحرية.

كانت حياتي زرقاء كالبحر، بيضاء كالثلج

وكيف لا؟

مررت بساعاتٍ صعبة

من تلك التي تثقب الروح

 ويصعب ردمها بالندم.

 

•أغنية و احدة

 

أيها القلب القادم من زمن آخر

 لا تتوقف:

فأنت موسيقى من شفاه آخرى،

 وردة أولى،

حبٌّ بعيد لأشياء مضت.

هل الحياة ذكرى غير منتهية،

 طريق شاق وصامت لا يمر فيه أحد

ولا ينبت على جوانبه أغصان جافة

 لطيور لم تولد بعد؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.