الرئيسية | سرديات | وارد الجسر | أشرف أحمد غنيم
لوحة للتشكيلي المغربي عادل حواتا

وارد الجسر | أشرف أحمد غنيم

أشرف أحمد غنيم (فلسطين):

 

بعد بضعة أيام ، رأت أختى الشابة تربيعتها المشغولة بالخرز الغالى والترتر ، فوق رأس إحدى بنات العزبة ، فقهرها الحزن ، ولم تستطع البكاء ، وراح صمت الافصاح يلف أمنيتها ، وقالت : “جمعت من أجرتى فى الحقول لأحضر بها فى الأفراح والمناسبات ، وها هى……..” .

تتوشح ظلمتى الخلاء ، أنا هدير شبح شيطان الظلام يملأ الكون ، أحسست لابد رفع استعداد حشود شدة القسوة ، حتى يصدقوننى ، أضربهم بالخيزرانة بعزم قوتى ، ألسعهم ، لطع حروقها لا تعرف الأمكنة .

ساعدنى اختفاء ظلمة القمر ، وقهر يحجز ضوءه رغبة خلف السحب ، شيطان الظلام مايزال يمتطى براح الفراغ ، أطيح بالخيزرانة يمينا ويسارا على رقع جلودهم ، جوانب وجوههم ، يجرون عن شمالى ويهربون أمامى ، أتحرك خلفهم ، أدفعهم على أتربة الطريق ، يثيرونها فرار الشوارد ، تلون وجودهم بلون الغبار ، تخرج من نفسى البقعة السوداء ، التى تحيل بينى وبين الحزن على آلآمهم عند براءتها لو توسع كويهم بنار الجمرات الحارقة ، هل أتحول إلى رحمة الإنسان وشفقته فأضيع ردى الأعوام ، يردها قلبى لتنفث العتمة أرجاءه من جديد.

غشيتنى رغبة الهياج ، تشتيتهم بضراوة وسرعة المردة ، كلما يلتفتون وراءهم ، أزداد عنفا ويتلعثم رذاذ أفواههم ، فاجأنى أحدهم وتسلل خلفى ، أرتكب معه الحماقات الوقحة ، لأبدو قاطع طريق شرس ، مثل الوارد من عدم الرؤية الذين ينفضون الشر الخامد تحت التراب ويلعقون دماء القتلى فوقه .

حاول أحدهم اخراج المحمول ، هويت على ذراعه الممدودة داخل سيالته ، قال أحدهم له :

– ليس فى العزبة شبكة ، إنها قبور الليل .

يجرى معهم تجاه الدور المدفونة فى أحضان الأرض ، خلف الضباب ، منضما لكتلتهم ، لا يستنجد بأحد من العزبة ، سوى يقول :

– عزبتنا ملآنة بالوارد ، قتل أناس كثيرين .

ثم يتذكر المشردين :

– تحت الجسر ، غطس العِرض عشرات البنات .

يستصرخ الآخرين أحدهما :

– لا يبدو على عزبتكم طلوع العفاريت منها .

فأزيد الضرب عليه ، وترانى الحرائق يزداد اشتعالا تراب مخامد مواقدها ، أطاردهم عاليا على أطراف قدماى الحافيتين ، وأنخفض على ركبتاى بين الحين والحين …

كلما اقتربت ثلاثتهم ، أضرب بلا هواده الهواء ، ترنه آهات الوجع ثور الرياح الصريع ، أجاهد تحسين تقنيات العنف والقسوة ، وتنويعاتها حين تنادى ابتكار تحت الثرى على الإثنين الأخرين ، أتقن حقيقة البطش والطغيان قدر إستطاعتى ، وصمت المارد فى فم عصاى ، لن تنبت المعجزة إلا ثعابين تيه الليل، وهم يقولون : فاجأنا خلف أكوام السباخ العالية ، الجرن المطل على بيوتات العزبة الرانية للحقول البعيدة و بضعة شوارع تنتظر حرصها استقبال البرد ، لحقوا بها فارين إلى جهة دارنا ، شققت الحقول والترع ، كقفزات ثعلب برى مطارد ، وصلت شارع بالقرب من خلف دارنا ، يفقس الظلام شاب فيجرى وارئى ، يخطف فوق رأسى غطائى ، (التى ما تعب سهر الليالى عليها )، يصرخ :-

– رجل على رأسه تربيعة النساء .

ظللت أجرى بأقصى سرعة ، خفت أضربه ، عسى يلتقف الخيزرانة ، أصير تحت مرماه ، أو يستنهض العزبة المرخى رقادها هذه الوسادة الشتائية .

وصلت زقاق يفضى إلى الحقول ، سأصعد بيتا ، أقفز على عرق خشبى ممدود إلى سطح زريبتنا ، أنفض الشيطان عنى ، عندما أسمع جلبتهم أنزل فاركا عينى ، أعب كوب الزير الراقد فوقه أول درجات السلم ، نظرت إليهم بعين واحدة ، ألملم شتات نفس النائم ، أكثر التثاؤب…..ومداعبة البراعيث فى مبتدأ زياراتها الذى لم يأت.

– ماذا أعادكم؟؟ ….. لما عدتم؟…. من ردكم هل الليل الباطش عتمته؟؟ أم طلع عليكم أحد…!!!!!!!!!…..

ونفضت نفسى ، وانتفخت بتزايد…”فى المنطقة بأكملها يحسب لنا ألف حساب”.

حبسوا صمت الخوف وارتعاشاته فى قدور صدورهم المنهكة .

كم يرعبنى ويهدم جدران شجاعتى الانتظار ، مؤكد رأت أخت الشاب التربيعة على رأس أختى ، أترقب دقات الدار ، والجدران ترجف ، وسقف القش يضحك داخلى ، أنظر لإبن أختى الكبيرة ، لو اخترت أماكن على أجسادهم لسقوط بطشى أو تلطفت فى أذيتهم ، لكشفنى أحدهم ، بطرفى أمنعه النظر ناحيتى تارة وأخرى أتابع الباب ، أتذكره يقول وهم عائدون كالطرائد :-

– أجرى يا ولد ، إنه خرج من تحت الجسر .

– ظللنا ننظر خلفنا يا خالتى ، الغريب أن العفريت لم يستطع دخول العزبة .

– قلت لكم يا ولدى الوقت متأخر ، والنهار له عينين .

يربتون حروق الضربات وسخونتها عليها تبرد ، وأعينهم منكسة .

حين خضنا غمار النوم على سرير واحد ، أستمع إلى آهات اصابات الكوى من أعماقهم ، ويحين قول أحدهم :-

– رغم أننى أدركت أن المارد بدأ ينهج … ظللت أجرى .

– لا أدرى لماذا لم يهدأ عبد العزيز إبن أختك عن الجرى لحظة .

– كلما حاولت…..تشتد ضرباته .

– لو امتنعنا يا عبد العزيز عن الجرى لأخفناه ، ولرجع تحت الأرض … وواصلنا طريقنا .

وفى الصباح قرر أحدهما تقديم شكوى إلى المركز ، غشيتنا الدهشة وقلنا :

– لا أحد يشتكى العفريت!

خاصة إذا أراد مثل هكذا بكم أن يحتفل………….

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.