الرئيسية | سرديات | هل أستحق الحب؟: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

هل أستحق الحب؟: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

” ابتدأت حياتي مع المرض العقلي في سن الثامنة عشرة. لا أعرف كيف دامتني الأفكار السوداوية والرغبة في الموت. كت تلميذة متفوقة وكان لي أصدقاء كثر. كان والداي مطلقان. أمي لم تشف من صدمة الطلاق وكانت كل يوم  تجتر ذكرياتها التعيسة. كانت تعيسة في بيت أبيها, تزوجت من أبي لتهرب من البؤس لكنها وقعت في بؤس أكبر. تزوجت من أبي لتهرب من مدينة الريش التعيسة حيث كانت تقيم. بدا لها الرحيل إلى الرباط مناسبة لحياة أفضل. أبي أذاقها الويل بسبب بخله وغيرته الشديدة. معها كنت أتقاسم لحظات الشكوى والأنين. لم تعانقني, لم تحدثني عن متاعبي في المدرسة. كانت تفكر في نفسها فقط, في آلامها الخاصة. نشأت في بيت كئيب وموحش. لم تكن لي أية رغبة في الحياة ومن أين تأتي تلك الرغبة؟ “

 هكذا شرعت نبيلة في حكايتها ونحن في منزل إكرام بحي المحيط بالرباط. حكت  كيف تحولت حياتها إلى جحيم بعد تشخيص مرضها العقلي. الأطباء أكدوا لها أنها تعاني من فصام ثنائي القطب اللعين.  كانت تأتي إلى لقاآتنا مع إكرام. نتحادث في أمور شتى. كانت ممتنة أننا أنا وإكرام نحترمها ونعاملها كشخص سوي فيما الآخرون يسخرون منها ويستغلونها خاصة الرجال الذين ينامون معها ويتركونها بعد ذلك.  كانت تعيش مع أختها المتزوجة بحي العكاري. تعرفت عليها عند الحلاق, كنت أسرح شعري فيما كانت هي تعدل تصفيفة شعرها القصير جدا.  قبل شهر من ذلك اللقاء الأول كانت قد حلقت شعرها تماما وقطعت شرايين يدها اليمنى. وجدتها أختها غارقة في الدماء. جاء رجال الإسعاف ونقلوها إلى مستشفى ابن سينا حيث عولجت وحولت بعدها إلى مستشفى الرازي للأمراض العقلية بسلا.

بقيت شهرا بالمستشفى وسمحوا لها بالخروج حين وقعت أختها على ورقة إخلاء المسؤولية. عادت بها أختها إلى البيت تحرسها كل لحظة لكي لاتعيد محاولة الإنتحار. خبأت السكاكسن والمقصات والأدوية. لم تعد تعرف ماتفعله أمام بؤس أختها. كانت نبيلة تحب أختها كثيرا. تحكي لنا عنها وعن زوجها الطيب الذي لم يشتك يوما من إقامة نبيلة معه.

في بيت إكرام تشخص لنا نبيلة حواراتها الداخلية. كل عالمها الداخلي يدور حول أمها, تتحدث عن جمالها وعن أحلامها في حياة زوجية سعيدة لم تنلها.  تقلد أمها وهي تحكي عن متاعبها وتستلقي على الأريكة وهي غائبة في عالمها الداخلي. أي ألم كان يجعل أمها تبقى مستلقية طيلة اليوم بل ولأيام؟ تعتني نبيلة وأختها بكل شيء من تسوق ونظافة وأكل. كانتا مسؤولتان عن أمهما. لم تعرف نبيلة الطفولة واللعب فقد دخلت عالم الكبار منذ سن السادسة حيث تعلمت إشغال الغاز وطبخ البيض المسلوق. حين تذهب عند أبيها تسلط عليها زوجة أبيها نار الجحيم. تعايرها بأمها المجنونة وتضربها حن يغيب أبوها. كان تساؤلها مرا وقاسيا: هل أستحق الحب أنا التي لم أنعم بحب أهلي ؟ هل يحبونني الآن وأنا مريضة ونصف معتوهة؟ لست طفلة مثالية, لست الطفلة التي يتمنى الجميع أن ينجبوها, أنا لعنة على أسرتي وعلى نفسي فكيف أشفى من هاته اللعنة؟ كانت تقول  أنهاستكون أحسن حين ستموت لن يخجل من وجودها أحد .

حاولت نبيلة أن تستمر في الدراسة بعد أزمتها الأولى لكنها فشلت, عجزت بسبب أعراض المرض وصعوبة التركيز. توقفت حياتها عند الثانية ثانوي حيث مرضت وبقيت في مستشفى الرازي ثلاثة  أشهر.

كنا نعرف أننا لن نشفي نبيلة وربما لاشفاء لها على المطلق لكننا إكرام وأنا كنا نحس أنها حين تكون معنا تفكر أنها كائن يستحق الحب. لاتستطيع أن تطمع في حب رجل أي رجل سيحب امرأة مريضة عقليا؟  كنا نواسيها ونفهمها هي التي لم تنعم حتى بحب الأم . كانت أمامنا امرأة جميلة مختلفة وكانت سعيدة بذلك لذلك فتحت لنا عالمها الداخلي وتطلعنا إلى ألمها المرير. فهمنا معها مامعنى أن تتسائل إن كنت تستحق الحب. كانت جرحا مفتوحا على أسوء تساؤل إنساني: هل أستحق الحب فيما أمي لاتحبني؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.