الرئيسية | سرديات | من غير ميعاد | وائل سعيد

من غير ميعاد | وائل سعيد

وائل سعيد:

 

أبلَغتْها في التليفون بتعبِها الشديد ، من فترة وهي غير مُنضبطة – حياتياً – رغم أن الحياة كما هي دون زيادة أو نقصان .

لم يزل زوجها يسافر إسبوع ويأتي إجازة أربعة أيام، أوقات لا تتذكر أين يعمل ، أوقات لا تشعر بغيابه أصلاً ، تحس بأنها غير متزوجة . لا يربُطها شيء بتلك الجدران المحيطة .

منذ متى وهي تسكن تلك الجدران ؟ وحدهم الصغار الأربعة من يبلغوها، تعرف من عمر كبيرهم أنها هنا منذ عشر سنوات دون زيادة أو نقصان . مثل الحياة .

بما أن زوجها مسافر تستطيع ترك العيال مع أمها .

  • هو جوزك عندك وللا ….

  • نايم من إمبارح . هو دايماً بيقضي العيد في النوم .

  • والأمورة فين

  • عند ستها . تحبي تخرجي ؟

  • وجوزك !!

  • عادي يا بنتي .. أنا غيرك خالص ..

 

هل هي فعلاً غيرها ؟

لو نظرنا علي حياتها سنجدها غير منضبطة هي الأخرى، لكن السبب عندها زيادة ونقصان فتراتها الحياتية . إذن بالنسبة للحياة ليست كما هي.

2 – زوجها لا يسافر لا إسبوع ولا غيره منذُ أن عرفته ، ساعـات تكون إجازاتهبالأيام

يقضي معظمها نائماً ، كما أنها علي علم بمكان عمله … بهذا يكون ” زوجها ” غير”

زوجها ” !

3 – بالنسبة لموضـوع الجدران .. تعرف جدران شقتهم عن ظهر قلب ، بنياها طوبة

طوبة كما يقولون ، لا يؤرقها سوى ضيق الشـارع ، تريد رؤية السماء من البلكونة

ولو مرة من أجل ذلك فتحتها علي الصـالة ؛ أزاحت جـدار الطرقة لعل البراح يعرف

طريقه لشقتها . لكن في العمـوم : تتحايـل علي ذلك الشعور – بالتوافق –  ومن ثمْ

تعرفمتي دخلت هذه الجدران .

أخيراً : بنت واحدة قصاد عيالها الأربعة .. يبقى ألف حمد وشكر لك يا رب .

  • عرفتي إن أنا غيرك خالص .

  • طب وجوزك ؟

  • مافيش مشكلة . جوزي متجاوز . يمكن ينبسط كمان ..

حَسَدتها علانية ؛هي طوال عمرها كده ، لا يحدها أحد أو يهمها شيء .

من باب – العين – خَمست هي الأخرى علانية وقالت أن هذا كان مع نفسها في الماضي ومع زوجها – المتجاوز – الآن ، لكن أمام الناس وأمام ابنتها ليس هناك مفر من الحواجز ، والقيود .

  • يعني هنخُرج ..

  • نخُرج .

 

هكذا أغلقتا التليفون وقامتا إستعداداً للخروج ، زوجة النائم – المتجاوز – دخلت الحمام مباشرة لأخذ ” دُش ” ثم خرجت مبلولة في بشكير . ولعَت علي القهوة ولمت هدومها من دولاب حجرة النوم وخرجت تلبس في الصالة .

أشعلت سيجارة من علبة زوجها متناوبة إياها مع قطع الملابس والطفاية ، إبنتها الوحيدة بحكم العيد عند سِتها من أول امبارح تلعب مع تجمع بنات وصبيان العائلة .

تستطيع شرب سيجارة أخرى مع القهوة ثم تٌعطر فمها ببختين ” برفان ” وتحتاط بلبانة ” سمارة ” من العلبة في النيش ، الذي يحرص زوجها علي تجديدها كلما خلصت ؛ وسيلتها الوحيدة التي تستعملها كلما سمعت باب حجرة الصغيرة يُفتح وخطوات ابنتها تتجه للحمام .

قطعت ورقة نتيجة من علي الحائط وكتبت للنائم كلمتين { حبيبي . أنا نزلت شوية هقعد مع سحر علي الحرية . الأكل جاهز في التلاجة . هتوحشني } .

وضعت علبة السجائر عليها وتركتها فوق الترابيزة ، السجائر أول شيء يبحث عنه الزوج بعد الصحيان ، أخذت بعض – اللبانات – في شنتطتها ثم أغلقت باب الشقة متجهة في هدوء إلي مقهى الحرية بعابدين .

أكيد ” سحر ” لم تزل تعافر مع العفاريت الأربعة وتفكر في شيء غير مُكلف رشوة لأمِها من أجل استضافتهم .

في أحد أركان ” الحرية ” طلبت واحدة – إستيلا – سُخنة ، مؤكدة علي لزوم سخونتها كما يطلبها زوجها كلما خرجوا دون الصغيرة .

الآن / هي خارج – حدودية – منطقة سكنها الشعبية ، النساء من حولها يُدخنَ ويشربن الشيشة دون حرج ؛آينعم لسنا كنساء العشوائيات ، لكنها أيضاً ليست كتلكم النساء .

لولا حظ وضيق رزق زوجها ؛ كان زمانها تسكن أحد المناطق الراقية . لا يحدها أي تصرف .. علي الرغم من وجودهؤلاء العشوائيين؛ لكنهم موجدون في شكل خدمي ، استعطافي ، تكون هي الهانم وهم المنتظرون . حيث لا حدود . لا مُسآلة . ولا حتى نظرة جانبية مُقززة !

مع الزجاجة الثانية طلبت حجر ” تفاح ” ، زوجها – المتجاوز – يعرف حبها الشديد للتفاح / عندما اشترى ” شيشة ” صغيرة ، انشرخت في النهاية ففصلوا قلبها عن – قٌلتهِا – الزجاجية وحطوا في الأخيرة وروود بلاستيك ؛ أحضر حجرين فارغين وباكويّ معسل واحد زغلول والثاني تفاح ، بصت الصغيرة علي رسمة التفاحة فأبلغها بابا ( أصل ماما بتحب التفاح ) ، ولأن الصغيرة لا تحب – التفاح – مثل ماما صدقت أباها .

 فيما لم تُصدق أم ” سحر ” أن مجيئها علي غفلة بالعيال بريء وأنه فقط من أجل رؤيتها !

كانت – لسه – عندها من يومين، أثناء أحد الحوارات بينهما أوشكتا على التشابك بالأيدي، يجوز جاية تصالحها، يمكن. لكن يمكن ازاي وهي بنتها . عجناها وفضحاها ، وتعرف أنها بنت حرام مُصفى .. بنت أمها يعني.

بنت أمها كانت عند حُسن الظن، استغلت جهلها بالتكنولوجيا الحديثة في بيتهم وأخذت تلعب في تليفونها المحمول وتّقلب في النغمات، مرة واحدة اعتدلت علي الكنبة وتكلمت مع مجهول : وعليكم السلام .. فينك يا بنت الكلب .. إيه .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. آه .. آه .. عارفاه طبعاً .. خلاص ساعة بالكتير وأكون عندك .

فعلاً بعد ساعة كانت تدخل من باب مقهى الحرية .

  • سحر ..

ندَهتها من رُكنِها .

  • بإعجوبة صدقِت إن عندِك مُصيبة ولازم أجيلك ..

  • يا ساتر يا رب .. مصيبة إيه ، الله يخرب بيتك ..

بعد السلامات والذي منه جلست قبالتها وشدت ” لاي ” الشيشة ..

  • أنا كل اللي حرقني العشرة جنيه ..

  • عشرة جنيه !

يظهر أن أمها لم تكتفي بكيلو البسبوسة المحشية ؛ رأتها ” سحر ” وقتها غير مرتاحة لهذه الرشوة ، طبقت عشرة جنيه – خمستين – في إيد أمها ( للعيال يا ماما لو عازوا حاجه )!

جلست تلتذ بالبسبوسة وحطت العشرة جنيه في صدرها تاركة العفاريت تخبط في بعض ، بينما شدت ” سحر ” بكل طاقتها دخان التفاح فطلبت صاحبتها واحدة – استيلا – سُخنة مؤكدة علي لزوم سُخونتها .

  • إشمعنى سُخنة يعني ؟

  • أصله دايماً يطلبها لنا سُخنة .

  • هو مين .

  • جوزي ..

  • كمان بيشَربِك بيرة !

  • أعوذ بالله من عنيكي .

مش قولتِلك .. محظوظه من يومِك !

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.