نازك الملائكة
ذهبتْ ولم يَشحَبْ لها خدٌّ ولم ترتجفْ شفاهُ
لم تسْمع الأبوابُ قصةَ موتها تُروَى وتُوَى
لم ترتفعْ أستار نافذةٍ تسيلُ أسىً وشجوا
لتتابعَ التابوت بالتحديقِ حتى لا تراهُ
إلا بقيّةَ هيكلٍ في الدربِ تُرعِشُه الذِّكَرْ
نبأ تعثّر في الدروب فلم يجدْ مأوىً صداهُ
فأوى إلى النسيان في بعضِ الحُفَرْ
يرثي كآبتَه القمرْ.
والليلُ أسلم نفسَه دون اهتمامٍ، للصَّباحْ
وأتى الضياءُ بصوتِ بائعةِ الحليبِ وبالصيامْ،
بمُواءِ قطٍّ جائعٍ لم تَبْقَ منه سوى عظامْ،
بمشُاجراتِ البائعين، وبالمرارة والكفاحْ،
بتراشُقِ الصبيان بالأحجار في عُرْضِ الطريقْ،
بمساربِ الماء الملوَّثِ في الأزقّةِ، بالرياحْ،
تلهو بأبواب السطوح بلا رفيقْ
في شبه نسيانِ عميق
*** *** *** *** ***ْ
من «قرارة الموجة» نازك الملائكة – ١٩٥٧
نازك صادق الملائكة (بغداد 23 آب – أغسطس 1923- القاهرة 20 حزيران – يونيو 2007) شاعرة من العراق، ولدت في بغداد في بيئة ثقافية وتخرجت من دار المعلمين العالية عام 1944. دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت من قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن-ماديسون في أمريكا وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت. عاشت في القاهرة منذ 1990 في عزلة اختيارية وتوفيت بها في 20 يونيو 2007 عن عمر يناهز 83 عاما بسبب إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية ودفنت في مقبرة خاصة للعائلة غرب القاهرة.
يعتقد الكثيرون أن نازك الملائكة هي أول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي. وقد بدات الملائكة في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل طاقه وعبد الوهاب البياتي، وهؤلاء الأربعة سجلوا في اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث