ما الشعر؟ | عيسى الشيخ حسن
عيسى الشيخ حسن:
قلم المُطلق يدوّن الجمال والحرية والموت، ورطة الحياة في لعبتها الأزلية مع الموت، شهر نيسان فاتحاً ذراعيه لغواية الصيف، زبدة اللغة بين يدي طفل، نهار يعبر وحيداً في خريف غريب. الشعر انهماك المجازات في تجميل الغامض، و توتر اللغة في ترجمة الألم، الصعوبة بوصفها قنطرة إلى الواضح، والغروب بوصفه برزخاً بين لونين، و” آخر دمعة للكون”. ارتجاف موجة في عين سمكة، و موقد نار في شتاء. الشعر لعبة الوَلَه بين الفضول والألم، خيط الإبرة في ثياب وسادة هبطت للتوّ من حبل الغسيل.
الشعر؛ العيد والوعيد، القمر والذئب، الرغيف و السوط، دموع بطل متوّج يسمع نشيد بلاده، رحلة حزمة حطب فوق ظهر فلاحة، الشعر آهة مقرور، و بهجة تنّور في الخامسة صباحاً، أكفّ الباكستانيين المغتربين في وجه هلال أول الشهر لحظة الغروب قارئين الفاتحة، الشعر ما بقي من ريش العصفورالهارب من قبضة صيّاد، الدينار الفالت من جيب مثقوب يتدحرج على أمالي القرن الخامس الهجري.
الشعر قوس احتمالات اللغة تتدبّر خطاب الطغاة. وجع السحابة وقد تلاشت على كتف الجبل، ذات الجبل ” طماح الذؤابة” في دفتر طالب الثانوية، ذات الجبل صديق المطاريد والمغامرين في رواية فتحي غانم. الشعر؛طفولة الضوء في حضن العتمة، إجفالة الظبي في فلم وثائقي، وردة الموسيقا تتبرعم في حضن المشاهد الأخيرة من مسلسلات عربية، الصفحة الأولى من روايات نجيب محفوظ، الضحكة في عيون قراء روايات كازانتزاكي و كونديرا، صوت مدرّس يقرأ نصّاً للمتنبّي وينسى أنه مدرس ويتماهى بالنصّ. النهايات تستحمّ بالذكريات، النهر شاهداً تراكم الحجارة الهشّة، سوار امرأة يغفو في يدها على مرأى من لص وعاشق، عربات الدرجة الثالثة تعاند المكان و ظلال الأنفاق العابرة، جمهوريات الأمل في حديث المعارضين، و لثغة الحمل في كلمة الديكتاتور، منظور هندسي لا يتقنه طلاّب كليات الهندسة، وجع استثنائي تحذفه الطبيعة في جوف الكلام، حوار بين عينين لحظة وداع، طيور القطا في أول الصيف على بعد فخّ وسنبلة، دفتر طفل أتقن للتو كتابة حرف الألف والرقم1.
الشعر ( فلتر) تعبر من خلاله الزوابع إلى الغابات بوصفها نسائم، و ( شاشة) تكشّر فيها الوحوش كأنها غزلان ترتع في فضائية لاتعنى بالأخبار العاجلة. فريق البرازيل عام 1982بين يدي الشاعر سانتانا، معزوفة بصرية مذيلة بتوقيعات تذوب على شاشات الأسود و الأبيض.
الشعر؛ نظرات ماجدة الصبّاحي البلهاء في أفلام الستينات، صفحة وجه محمود مرسي في أدوار البطل المهزوم الحزين ، حارس الفضيلة، كلمات الزير سالم على لسان سلوم حداد، العشق الفلسطيني الفقير في التغريبة الفلسطينية، الشعر أن تدسّ المرثيّة في أذن أجيال لم تتقن الصعود، وأن تجرّ الملحمة إلى جيل لا يجيد الصهيل، الشعر أن نشرب و نهرب ونعرب ثم نكتب على مهل كلمتين للبنت التي عذبت الولد، الشعر لمسة الأعمى لعكازه ، و نظرة الأصمّ لأولاده، الشعر طلقة اليقين تفلت من بارودة صيد فتصيب غيمة .
الشعر؛ الكلام الذي أعوز اليتيم ليستعيد أباه، والكتاب الذي نسيه طالب سنوات، ليعود إليه مستعيداً عشرات الإملاء واصفار القواعد، الشعر الحذف بوصفه تطهيراً، والإضافة بوصفها غلافاً.
الشعر؛ انتظار اللغة في حضرة أولاد مشاغبين، وعشاق ممسوسين، و عابري طريق نازحين إلى السماء.
عيسى الشيخ حسن ما الشعر؟ 2016-02-13