الرئيسية | أدب وفن | الفن | تشكيل | لوحة “العشاء الأخير” لدافنتشي بين قواعد الفن وغموض الجماعات السرية | محمد سعود

لوحة “العشاء الأخير” لدافنتشي بين قواعد الفن وغموض الجماعات السرية | محمد سعود

محمد سعود:

 

محمد سعود(قد يبدو هذا المقال مقلقا كثيرا للكثيرين وصادما أحيانا، ولكن الكثير من الأحداث موجودة في الكثير من الوثائق والكتب القديمة قبل ظهور شفرة دافنشي والكأس المقدسة).

لوحة “العشاء الأخير” تعتبر من أهم أعمال الفنان الإيطالي ليوناردو دافينشي إلى جانب لوحته الشهيرة “الموناليزا”، رسم هذه الجدارية عام 1498 بحجم 460 × 880 سم، جدار حُجرة الطعام داخل دير القديسة “ماريا ديليه جراتسيه” في ميلانو بإيطاليا، استغرق فيها وقتا طويلا دام أربع سنوات، وتعرضت للإتلاف السريع نتيجة استعمال مواد غير مناسبة للرسم الجداري، وحاول أن يجسد فيها ردود أفعال الحواريين حين قال لهم المسيح “الحق الحق أقول لكم أن واحدًا منكم من سيسلمني” ( يوحنا، الإصحاح 13 :21)، ورسم دافنشي 13 شخصا في أوضاع مختلفة، وهو الرقم الذي ارتبط بالشؤم عند المسيحيين، لعلاقته بعدد الأشخاص الذين حضروا هذا العشاء، وإن كان الرقم في الحقيقة يرتبط بالخيانة بدل الشؤم. وهذا الرقم لا يقتصر على الديانة المسيحية بل نجد ما يقابله عددا ومعنى في الديانة الإسلامية أيضا في الآية “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)، فعدد الكواكب والشمس والقمر يساوي الرقم 13، وهي الآية التي ارتبطت بخيانة أبناء يعقوب لأخيهم يوسف، وفي اليهودية نجد سفر “إيستر” الذي يتحدث عن المجزرة التي كان سيتعرض لها اليهود في اليوم الثالث عشر على يد الفرس”. وتعود جذور التطير بهذا الرقم إلى ما قبل ظهور المسيحية، فملك مقدونيا فيليب الثاني تعرض للخيانة والقتل بعد أن نصب لنفسه تمثالا أضافه إلى تماثيل الآلهة الاثنتي عشر .

وتتميز لوحة “العشاء الأخير” بالدقة في علم المنظور، وكذلك التوزيع الدقيق للشخوص حيث تم تجميعهم على شكل ثلاثي، أي في المجموعة الكبيرة نجد مجموعات صغيرة تتشكل من ثلاثة أشخاص، إضافة إلى النوافذ الثلاث في الخلفية والمستطيلات الست والثلاثين المشكلة من عيدان السطح التي تحتمل القسمة على ثلاثة أفقيا وعموديا، وشكل المسيح الذي يتوسط اللوحة على شكل مثلث، والفراغ الموجود بينه وبين “يوحنا” الذي يشكل أيضا هيئة مثلث مقلوب، وهذا ما يتماشى مع فكرة التثليث في الديانة المسيحية. ويبقى الفراغ الموجود بين المسيح و”يوحنا” هو مصدر إلهام “دون براون” في روايته شيفرة دافنشي ” هذه الرواية التي حققت مبيعات خيالية تجاوزت 60 مليون نسخة وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي أثار الكثير من الجدل ومنع عرضه في الكثير من البلدان على اعتبار أن ما ورد في الرواية والفيلم يتنافى مع الديانة المسيحية، ويرى براون في روايته أن هذه اللوحة تحمل الكثير من الرموز والشِفرات التي وظفها دافينشي في هذه اللوحة وكذلك في لوحة الموناليزا، ويثبت أن “دافنشي” كان ينتمي للجماعة السرية “فرسان الهيكل” هذه الجماعة التي كانت تمرر مجموعة من الرسائل المشفرة في المخطوطات والتي تم تفكيك يعض منها، قد وظفها دافنشي في هذه اللوحة باعتباره عضوا في المجموعة، وهذه الرسائل الغامضة نجدها أيضا عند الفنان الفرنسي “نيكولا بوسان ” في لوحته “رعاة أركاديا” les bergers d’Arcadie والشخص الجالس على الجانب الأيمن المسيح ليس “يوحنا” بل هي “مريم المجدلية ” وحسب ما نراه في اللوحة فإن ملامح الشخص هي ملامح امرأة، رغم التحاليل التي أثبتت أن دافينشي كان قد كتب تحت صورة كل شخص اسمه، وأن الاسم المثبت هو يوحنا، وهذه السيدة التي رافقت المسيح بعد أن خلصها من الشياطين السبعة لازمته طيلة حياته وهاجرت إلى جنوب فرنسا بعد صلبه حاملة معها أسراره ورزقت منه بابنة اسمها سارة، ولازال نسلها مستمرا إلى حد الآن في سلالة سرية، وحظيت مريم المجدلية بمكانة كبيرة وصفها هيبوليتوس برسولة الرسل Apostola Apostolorum، وكانت تعرف عن المسيح ما لم يعرفه الآخرون، وإذا نظرنا إلى اللوحة نجد يد “بطرس” وكأنها تهم بذبح مريم، وقد ورد في إنجيل توما ما يفيد أن بطرس لم يكن يرغب في أن تبقى مريم معم. “قال سمعان بطرس لهم: “لترحل مريم عنا لأن النساء لا تستحق الحياة”. فقال يسوع: ” أنا سوف أقودها لأجعلها ذكرا حتى تصبح هي أيضا روحا حيا يشبهكم أيها الذكور، لأن كل امرأة تجعل نفسها ذكرا ستدخل ملكوت السموات” (القول 114 من إنجيل توما). إضافة إلى يد تمسك بسكين أسفل “يهوذا” وإن كانت هذه اليد تبقى مجهولة لأن لا تتناسب مع أي شخص في اللوحة، وهذا ما يزيد في غموض هذه اللوحة، كما أن الكأس التي شرب منها المسيح لا تبدو في اللوحة وهي أحد أهم عناصر هذا العشاء، وهي المعروفة بالكأس المقدسةSANGREAL. هذه الكأس التي أثارت الكثير من الكتاب ومن بينهم “ميشيل بيجنت” وهنري لنكولن “و “ريتشارد لي” في كتابهم المشترك الذي حقق أيضا مبيعات خيالية “الدم المقدس.. الكأس المقدسة” وكان مصدر الهام “دون براون” في كتابه “شِفرة دافنتشي”، ويرى هؤلاء المؤلفون أن السيد المسيح كان متزوجا وينتقدون كل المسيحيين الذين يضفون على المسيح صفة الألوهية” المسيحي الطيب القلب، يجد أنه أهمية السيد المسيح الأساسية تكمن في الرسالة التي أراد أن يوصلها، ولن يفيد المرء، أو الرسالة، أي شيء إن كان السيد المسيح عازبا، ولن يخسر، ولن تخسر، أي شيء إن كان متزوجا” ص 24.

فالكأس المقدسة التي لم يرسمها دافنشي في الجدارية قد أخفاها في الفراغ الموجود بين المسيح ومريم المجدلية وهي على شكل V وأن قصة الغريل (أي الكاس المقدسة) موجودة في كل شيء حولنا، لكن ليس بطريقة مباشرة، فعندما قامت الكنيسة بتحريم الحديث عن المنفية مريم المجدلية، كان يجب أن يتم تناقل قصتها وأهميتها عبر الأجيال لكن بطريقة غير مباشرة وأكثر تحفظا.. طرق تعتمد على التعابير المجازية والرمزية ” (الفصل الواحد والستون ص 291. من كتاب شِفرة دافنتشي) ورغم الخيال الواسع الذي يتمتع به دان براون والطريقة الممتعة التي صاغ بها روايته في الاعتماد على فك الكثير من الألغاز، فإن بعض تحاليله تنافي الصواب فالموناليزا الذي يعتقد أن اسمها مستمد من الإله آمون والإلهة ليزا، ليرمزا إلى نوع من الكمال الذي يتحقق في المزج بين جمال الذكورة والأنوثة في لوحة الموناليزا التي ليست رسما لا لرجل ولا لامرأة، فإننا بعودتنا إلى اسم اللوحة نجد أن دافنشي لم يطلق هذا الاسم بتاتا على هذه اللوحة التي تعلق بها وحملها معه أينما حل وارتحل، ومن أطلق فعلا هذا الاسم على اللوحة هو جيورجيو فاساري بعد نصف قرن تقريبا من رسمها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.