الرئيسية | سرديات | فـوبيــــــــا | آمنة علي

فـوبيــــــــا | آمنة علي

آمنة علي:

 

سـلامنا عناقٌ، ومشينا بـوح شفيــف ، واعتراف بالهـوى جديد وانعتــاق من الكلام، هناك ما يقـول الكلام، وهنالك ما يخبـئ الكلام، وهناك صمـتٌ يتحدث بكلمات تقـال في فضـاءٍ فسيح ، من خطوات كثيرة لأقدام كثيرين حولنا ومعنا، أنت وأنا، يسيرون.

تتصاعد الحروف والكلمات إلى الأسماع، وتعلـو، تتـلاشى شيئـًا فشيئــًا في امتـداد الفـراغ فوقنـا، ويسحبنا صمتنا رويدًا رويدًا من حيث لا نعي ، ويأبى أن ينطلق بيننا كلام، أي كلام.

أتلهى بالأرض المـرصوفة بالحجارة المتعرجة الإنحناءات، الناتئة وأتساءل عن السر الفني في كونها هكذا ؟  تبرز تحت الأقدام السائرة عليها : ألـم توضع من أجـل المشي عليها أصلاً ؟ واتأنى في السير عليها بحذائي ذي الكعب العالي ، أتلفت ناحية الأشجار المحاذية إذ يلتف الطريق، أنظر إلى ورقها واخضرارها شمالي وأنت إلى يميني، كي أهرب منك، وأتمنى أن يطول صمت بيننا ، أنظر للجهة الأخرى بين حين وآخر نحو الشجر لكني لا أراها بل أراك.

تلفته كان يقول لها ائتني إذ نزلا كل في طريق، هي على الدرج العادي وهو على السلم الكهربائي كانت تخاف استعمال هذا السلم مثله رغم أنها صعدته للمرة الأولى في حياتها لما كانا معا في السوق التجاري الذي كان حديثا في ذلك الوقت ، قالت له :

–  أخافه

اجابها :-  لن تخافي معي،

 وأمسك بذراعها اليسرى لأول مرة  ووضع ذراعه اليمنى خلف ظهرها قريبـًا من خصرها، وصلا الطابق الثاني بسرعة واستغربت خوفها الذي انتهى منذ ذلك الوقت،

         في مطار مدينة ” جدة ” الكبير صعدت السلم وحدها بعد ذلك بأيام وتذكرته ، تمنت لو كان برفقتها ،  كانت واثقة من أنه يسمع على البعد أمنيتها، ويتمناها أيضـًا.

عادت تخاف السلم من جديد لم تعرف لماذا ،لمعت في ذهنها فكرة :

 –  صحيح، لماذا لا أسال طبيبـًا في الأمر؟

استغرق سؤالها صمتـًا طويلاً ، لعلها لا تنسى أن تسأل لدى زيارتها القدمة للعيادة.

أسرعت قليـلاً لأجل أن تلحق به وهو يبطئ من خطواته لتلتحق به،

ينتظرها ويسيران

تحني رأسها قليلا مبتعدة عن أغصان تقترب من رأسها ، لا تستظل بالشجر الوارف الظل تستظل به في هذه الظهيرة وتقول :-

يا أجمل الصباحات في عمري،  يا كل بداية بيضاء في خاطري، يا أعذب الاوقات، هذي التي تمر علينا ونحن معا بلا سفر ولا ارتحال أو فراق.

رجت الطريق أن تطول وطالت وابتسمت.

الرضا فقاعة كبيرة تغلفها، وتحمل قلبها نحو الفضاء، لا تبالي بالشمس فظلها قريب وهو الذي دائما قريب لكنه الآن أقرب. ها أنت قربي جدا مثل ما أنت شيء من روحي، لكنك تَلمس وتَرى وتُحس، أنا لا أعي ذلك الا من خلال هؤلاء الآخرين حولنا الأصدقاء القريبين، قبل أيام شدتها صديقتها للصعود إلى السلم الكهربائي في “المول” غضبت، قالت :أنا حقاً أخافه ولست واهمة وكأنما كانت تؤكد لنفسها ذات الكلام،شعرت بغصة وقالت:

ربما لو كان معي لاختلف الأمر، لن أسأل الطبيب شيئاً، مادمت وحيدة الى الآن فإني وكما تقول قراءاتي الطبية سأعاني الكثير.

أصواتهم، صوت خطواتهم تجعلني أدرك انك هنا معي،  قربي، وبجانبي كي نمشي ونتوسل الدرب أن لا تنتهي، أن تطول وتطول ،لا لنقول شيئآ بل لنسمع الصمت فــينا يقـول شيئا أوحتى لايقول فعلى مدى سنوات طوال، قلنا قليلا ولكن للاحساس فينا لسان على البعد دائما كان يقول، فإذا ما التقينا لم نصدق أننا معا فيعترينا صمت غريب ،لا ننهره كي يكف بل يصبح آمرنا، فيحلو له ما يفعل ونبقى هكذا صامتين لكن الآخرين قالوا أشياء كثيرة تجعلني أختبئ طويلاً ، فهل باح الصمت بحبنا وللصمت لغة يفهمها أصحابنا – المشكلة- أنهم يفهمون.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.