الرئيسية | سرديات | طريق الملح : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

طريق الملح : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

كنت في طريقي إلى قرية إملشيل سنة 2001 في رحلة جمعوية، كنت ضمن شبكة جمعيات مدنية محلية ودولية وكانت مهمتنا تزويد إعدادية إميلشيل بمعدات إلكترونية. انطلقنا من مدينة الراشيدية عبر كلميمة وتنجداد وتنغير ووصلنا إلى ليغورج نتودغا ” شلالات تودغة” توقفنا بعد ليغورج بكلمترات في منطقة خالية تماما. استهوانا صمت المكان. كنا نرى من بعيد نخيل قرية قريبة لكننا فضلنا الخلاء لكي نتأمل قليلا.

حططنا الرحال وأخرجنا طعامنا: سندويتشات لحم ودجاج وجبنة بلدية وزجاجات بيرة وكوكاكولا. جلسنا على الأرض كما يروق لأصدقائنا الأجانب المبهورين بنمط حياتنا وسلوكنا.  الأجانب يحبون جلسة الخياط أي طي الساقين تحت العجيزة لأنهم لم يعرفوا تلك الجلسة في المسيد ولم يعرفوا خيزرانة الفقيه. لم يعرفوا ماعرفناه من أنطلوجيا الطاعة والخضوع تبدأ من الجلسة المقيدة حتى التفكير المصادر. المهم كنا لطيفين مع أصدقائنا الأجانب، أصحاب نعمة الكمبيوتر علينا. نحاول قدر جهدنا تعريفهم بعاداتنا في الجلوس والقيام وأشياء أخرى.

كنا نأكل حين رأينا قافلة جمال تتقدم نحونا. كانوا يحملون أثقالا لم نتبين مامضمونها. تقدم إلينا رجلان ملثمان. ألقيا علينا السلام وسألانا من أين أتينا وإلى أين نذهب. حكينا لهما عن رحلتنا من أجل إيصال معدات تكنولوجية إلى إعدادية باميلشيل. قالوا أنهم هم أيضا أتوا من نفس القرية وانهم ذاهبون إلى تنغير لمقايضة الملح الذي معهم بالثمر والتوابل. استغرب الأمريكان وسألوا

–              مقايضة؟

–              أجل

–              بدون مال؟

–              أجل

استغربنا أن تكون المقايضة لازلت موجودة. سألناهم وأجابوا أن أجدادهم كانوا يفعلون ذلك وهم يتابعون تقاليد أسلافهم. جلس الرجال الخمسة قربنا. تشاركنا في الأكل، أعطيناهم قطعا من السندويتشات وأعطونا قطعا من خبز البصل والشحم. خبز حار جدا لم نستطع بلعه. مددنا إليهم الكوكا والبيرة. أحدهم أخذ قنينة بيرة. ضحك فبانت أسنانه الصفراء التي لم تعرف الفرشاة إليها طريقا

قال

–              خمرة، كحول؟

أحسسنا بالحرج، ربما أجرحنا حساسيته الدينية بهذا المشروب. أجابه المهدي

–              بيرة قليل من الخمرة فقط

أجاب الرجل

–              أحب البيرة، شربت منها في ليغورج. سكرت سريعا ورمى بي صاحب المحل خارجا.

بدا لنا متسامحا فيما قطب صديقه حاجبيه وصاح

–              هذا حرام، البيرة حرام

توجه إلي بالكلام ” كنت المرأة الوحيدة في القافلة الجمعوية”

–              كيف يمكنك أن تسافري هكذا مع رجال لكل هاته المسافة ثم أنت تلبسين لباسا غربيا هل لك أهل؟

لم أعرف بماذا أجيب، أجل لي أهل ورجال عائلة غلاظ لكنني ألبي نداء الوطن وحاجيات أبناء القرى النائية وربما أطفال هذا المواطن نفسه.

لم أشرح له بواعثي الوطنية. اكتفيت بالنظر إليه وأنا استغرب من هذا المواطن الذي يعيش في القرون الوسطى ، يقايض الملح بالثمر ويلبس دربالة يحسبها ملابس ويكشف عن أسنان لم تغسل يوما. كيف له أن يحاسب امرأة تتطوع للمساعدة على فك العزلة عن قريته؟

نظرت طويلا إلى الرجال الزرق في لباسهم وفي فكرهم الخارج من القرون الوسطى وأنا اتسائل كيف يمكن لمغربين بكل هذا الإختلاف أن يلتقيا، مغرب الكومبيوتر ومغرب الملح. كيف لهذين العالمين أن يتعايشا ويقتسما خبزا وملحا وبيرة؟ إلى أين يذهب المغربان ومن منهما سينتصر؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.