الرئيسية | أدب وفن | الفن | سينما | سينما- سرديات للإنسانية -3-: متلازمة جود ويل هانتنج “Good will hunting” | محمد رمضان – مصر

سينما- سرديات للإنسانية -3-: متلازمة جود ويل هانتنج “Good will hunting” | محمد رمضان – مصر

محمد رمضان – مصر

 

يمكن أن يحمل المثقفون وخاصة الناقدون  للأمركة” قدرا كبيرا من التحقير لهوليوود وأفلامها، أو قل التوجس من النظرة الأمريكانية للأمور، بعضهم بدافع سياسي، آخرون بدافع فلسفى وآخرون يرون أن هوليوود هي سينما تجارية في المقام الأول والأخير، لذلك فهي لا ترقى في نظرهم إلى أعمال السينما الأوروبية وخاصة الفرنسية منها، بالطبع وجهة النظر السابقة بها قدر لا بأس به من المعقولية، لكن الحكم المطلق هو ما يعيبها، فهوليوود لها أفلام جديدة وقديمة مميزة وتتميز بقدر كبير من النضج السينمائي والبعد عن التجارية، ومخرجون كثيرون أفضلهم على المستوى الشخصي مثل وودى ألان وتارتيينو وكيوربيك ، الفيلم الذى أحاول أن أقدم قراءة فيه اليوم هو أحد تلك الأفلام الهوليودية، التي تشمل جملا حوارية تستخدم كثيرا في حياتنا اليوم، فالحوار من أفضل ما ميز الفيلم، ولعل هذا يفسر فوز كاتبي السيناريو (مات ديمون، وبين أفليك) بالأوسكار عن الحوار وليس عن دورهم التمثيلي داخل الفيلم، وبالطبع وجود ممثل بحجم روبين ويليامز، الذى فاز بالأوسكار عن دور أفضل ممثل مساعد، والذى أكن له تقديرا خاصا واحتراما كبيرا، ولا أذكر أنى حزنت على انتحار أحد بقدر ما حزنت عليه..

الفيلم يمثل  نقطة تحول شخصية بالنسبة لي حيث شاهدته لأول مرة وعمرى 12 عاما، وكانت نقطة البعد بالنسبة لي عن مشاهدة أفلام الحركة لجان كلود فان دام ، وستالونى والتعامل معها على أنها السينما، كان الفيلم بمثابة شرارة التعريف بأن هناك ما يسمى حوارا جيدا في السينما وليس فقط مجموعة من الكاميرات التي تطارد مطاردة بالسيارات في صحراء أريزونا . سوف أحكى لكم ليس عن الفيلم وإنما عن التجربة الشخصية مع الفيلم، تلك التجربة الإدراكية التي يمكن أن تلخص في أن السينما يمكن أن تكون هي معجزة الحياة، تلك الشاشة القادرة على أن تمنحك السعادة أو تجلب لك الكآبة، والتجربة الشعورية المختلفة مع كل فيلم جيد تشاهده، والقدرة على الاستمتاع بالحياة من خلال السينما.

 في أول مرة شاهدت فيها الفيلم  احترت في ترجمه  الاسم ، والذى ترجمته في البداية على أنه (صيد جميل وجيد) لكن  الترجمة الصحيحة ( جيد يا ويل هانتنج )، أخذت أسير في الشارع كلما قال لى أحدهم شيئا أقول (جود ويل هنتنج). هيا بنا لنلعب الكرة .. جود ويل هانتنج..   هل ذهب لدرس الرياضة اليوم ؟! جود ويل هانتنج، ثم أستكمل  حديثي عادة، يمكن أن تسمى هذه حالة نفسية باسم متلازمة جود ويل هانتنج.

كنت فرحا جدا بالفيلم لدرجة أننى بدأت أعيش في شخصية ويل هانتنج التي جسدها مات ديمون، أذهب للمدرسة وأنا أدعى الذكاء الخارق، حتى مسائل برهان  الهندسة الصعبة في الإعدادية كنت على إيمان عميق أنها سهلة جدا، حتى ولو لم أستطع حلها. بالطبع  قد نختلف حول جمال او روعة الفيلم  وبمنطق (بس دا فيلم عادى) ، لكن بصراحة شديدة أرى الفيلم من أفضل ما شاهدت وأكثر ما شاهدت متعة تأثيرا في حياتى الخاصة، لا أتذكر منذ شاهدته للمرة الأولى أنه مر علي عام دون أن أشاهده مرة أو مرتين، حينما حصلت على جهاز كومبيوتر جديد كان أول فيلم أضعه على الهارد ديسك.

كان النقاش حول الفيلم مع أحد شاهده حتى الآن مصدر كبير للسعادة بالنسبة لى.

شاهدت كثيرا بعده، بداية من أفلام هوليود، وحتى سينما ببرجمان وتاركوفسكى، كل هذا لم يمنع أن أظل مصابا بمتلازمة  جود ويل هانتنج ، أكاد أجزم لو أنى شاهدت الفيلم نفسة الآن لأول مرة سوف أقف في منتصفه قائلا  لنفسي (هذا فيلم جيد لكن لا وقت لى الآن ! )، الحبكة المعروفة  مسبقا، صراع الإنسان مع ذاته، مع حيوانيتة، الصراع بين الإنسان وذاته، بين البوهيمية والالتزام هو شيء مكرر كثيرا في الأفلام، وحتى أنه دارت حول الموضوع فلسفات بأكملها.

لا يبدو الأمر بالنسبة لى الآن يستحق أن يشاهد أو يقرأ عنه، فكلما كثر الكلام عن موضوع  فمن المستحب أن تنأى بنفسك عنه … لكنى حتى الآن أعانى تلك المتلازمة، متلازمة جود ويل هانتنج.  للخلاصة لم يكن به شيئا مميزا لأراه الآن لكن منذ عشر سنوات كان أحد مسببات السعادة لى، والسؤال الآن هو لماذا نتوقف عن الاستمتاع بتلك الأشياء الصغيرة حينما نكبر ؟!

يمكن أن نقول أن السعادة تعنى البساطة أو العكس صحيح، فقدرتك على الاستمتاع بتلك التفاصيل الصغيرة لحياتك اليومية حتى ولو كانت روتينية هي التي تمنحك السعادة، فيلم جيد، كوب من القهوة جيد . أعتقد أن المشكلة في أننا نأخذ الحياة على محمل الجد حينما نكبر، حتى أننا في ذروة الجد نفقد القدرة على الاستمتاع بالجمال، والشعور بالسعادة. مشغولون نحن بالتعرف على أنفسنا وعلى الآخرين.. مشغولون  بالحياة  بكل تفاصيلها التى تبعث على الكآبة، يبقى تحويل تلك التفاصيل وخاصة الصغيرة منها لأشياء تبعث على السعادة هو من أهم أولويات الإنسان، بل وهدف أسمى في وجهى نظري..

وكما قال كافكا  ” هناك قوه كامنة .. ولكن تحت أى حجر .

أعتقد أنه كان يقصد بالقوة السعادة.

good-will-hunting-oral-history-2

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.