الرئيسية | سرديات | سلطان الليل: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

سلطان الليل: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

كنا نسكن بيت قائد قديم بازرو وكان هو يسكن البراكة التي في الحديقة. كان الجميع يسمونه في آزرو بسلطان الليل. كان متزوجا من امرأة تصغره بثلاثين عاما. تزوج قبلها مرات كثيرة وأنجب أطفالا كثيرين.أنجب من زوجته الأخيرة ابنتين. كانتا شقيتان ولا تقعدان في مكان. كانتا دون العاشرة وكان هو يبدو كجد لهما.

كنا نسمع حكايات كثيرة عنه منها أنه كان غنيا بل في مثل غنى قارون. كان يملك أحياء كاملة في آزرو قبل أن يقضي القمار على كل ممتلكاته. كان في طلته الكثير من الهيبة: هيبة الزمن الماضي التي ظلت آثارها بادية عليه. كانت زوجته تخدمه بإخلاص وحب. كان يبدو كأنها تحبه أو تهابه. ملابسه دائما مكوية ويضع ربطة عنق رغم أنه لا يعمل. كانت زوجته واسمها فاطمة تضع له كرسيا أمام البيت. يقعد عليه وينتظر أن يمر أناس يعرفهم ليتصدقوا عليه أو يعيدوا إليه دينا عليهم. في الزمن الماضي كان يقرض الجميع ولا يفكر في إثبات للقرض كوصل الأمانة او الشيك أو غيره هكذا يقال أن جزءا كبيرا من ثروته ضاع على شكل ديون. كانت فاطمة تقول أنه لو استرد ديونه من الناس لبنى بيتا وفتح محل تجارة. كانا يعيشان على أمل ان يرد إليهم الناس ديونهم. تظل هي تحكي عن زمن سلطان الليل الذهبي حين كان يملك قيسارية الذهب التي في مركز المدينة. حين كان يملك فيلا وخمارة وشاليه في إيفران. تزوجته لصيته ذاك ولأنه قال لها أنه سيسترد أمواله من الناس ويعيشان عيشة كريمة. مرت الأيام والسنون ولا ديون عادت وصارت فاطمة تخدم في البيوت وراح هو يستعطف الناس أمام البيت طيلة اليوم. كان الناس يعطونه القليل وقليل منهم بدا أنه يتذكره. لم يعودوا يتذكرونه. هم هكذا الناس لئام لا يتذكرون من تهاوى وتردى. مرت السنون وفاطمة تحكي لابنتيها عن المجد الماضي وعن ثروات أبيهما الذي لابد أن يسترجع يوما ماله وهيبته وسط الناس.

لم يكونوا يمتلكون جهاز تلفاز لهذا كانت البنتان تأتيان عندنا للتفرج. تستقبلهما أمي بفرح وتضع أمامهما خبزا وزبدة وكأس شاي. تقول البنتان كل مرة بصوت واحد :

– هاته آخر مرة نأتي عندكم للتفرج. أبي سيسترد ماله وسيشتري تلفازا كبيرا وثلاجة كبيرة.

– كانتا تحلمان وكانت أمهما تغذي الحلم وأنا أصطنع التصديق لكي لا أصدمهما في حقيقة الإنسان الذي لا يعرف الأمانة ولا يرد الدين. أبوهما ليست له أية حجة ولا ورقة تثبت حقوقه. كان يقرض بناءا على الكلمة والأمانة بين المدين والمستدين كلمة لم تعد تساوي شيئا في عالم الغدر والخيانة.

سلطان الليل كان ما يزال يؤمن بنقاء الإنسان وكل يوم يستيقظ وكله ثقة أنه سيسترد ماله. زوجته تشتغل عند الناس وتحلم أن سلطان الليل سيوفر لها عيشا كريما ذات يوم. البنتان غادرتا المدرسة لغلاء الكراريس وهن يحلمن واثقات أن أباهما سيشتري تلفازا وثلاجة. كانت الأسرة كلها تعيش عالما موازيا، بديل الواقع، شيء أقرب إلى الخرافة دون أن تستطيع أن تقف على حقيقتهم: حقيقة التردي الاجتماعي وحقيقة حقارة الناس. ذنب سلطان الليل أنه آمن بالإنسان وأعطى ماله بدون وصل وذنب فاطمة أنها تزوجت سلطان الليل بناءا على وعد وذنب البنيتن أنها تشاركان والديهما في حلم بعيد.

لأشهر ظل سلطان الليل يجلس أمام البيت في كامل أناقته. يسلم عليه البعض والبعض الآخر يتجنبوه وقليل من يدسون في يده ورقة من عشرة دراهم أو بعض القطع النقدية. انتهت إقامتنا في ازرو ورحلنا باتجاه ايفران تاركين سلطان الليل لسلطنته أمام البيت، تاركين الطفلتين لحلم التلفاز والثلاجة. هل ستتشبتان بالحلم أم أن المدينة ستبتلعهما في جوفها حيث الدعارة والتسول أفقا وحيدا لبنات بدون ديبلوم ولا مال؟ هل ستستمر تلك الأسرة بالكذب على نفسها أم أنها سترفع الحجاب على ماهية الإنسان القاسية: الجحود.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.