الرئيسية | فكر ونقد | جولة في “سيدة الياسمين” للشاعر محمد محضار| محمد محقق

جولة في “سيدة الياسمين” للشاعر محمد محضار| محمد محقق

محمد محقق:

 

الوقوف أمام الصرح الشعري للشاعر محمد محضار لا يخلو من لذة وجمالية. فشعره يتضمن وعيا جماليا نتعرف من خلاله على ذاتيته ومتخيله، وإحساسه بالجمال والجميل. وهو انعكاس لأحاسيسه وتفاعله مع الكون. الشيء الذي يضعنا وجها لوجه، أمام  التجربة الشعرية لمحمد محضار.

سيدة الياسمين

إن حلاوة الشعر، وسحره لا يعرف سرهما إلا الشعراء. حيث يتلمسون ومضاته في الكون. ومحمد محضار واحد منهم، يقتبس هذه الومضات، ويحولها إلى شعر يرضي به نفسه، ويرضي نزعة نفس المتلقي/ القارئ.

إنه يعرف كيف يضعنا أمام عتبة الشعر لنلج عالمه الجمالي، ونجالس الحس والجمال، كي يشتعل داخلنا كقراء، ومتلقين. إننا نستضيء بهذا النور الشعري البديع.

إنه أمام استضاءتنا هذه، يكشف محمد محضار عن شطحاته الشعرية الجميلة، الساحرة. الشيء الذي يجعلنا ندرك معانيه بالتماهي، والمحو، والمكاشفة. فنجزم أن رؤاه الشعرية في هذه ديوانه (سيدة الياسمين) تمتح من تجربة عاطفية، وإنسانية ورومانسية مشحونة بالحب والعواطف، والعشق، والحسرة.

وبالتالي نطرح سؤالا: هل الشاعر في (سيدة الياسمين) يكشف عن الإنسان فيه؟.الإنسان العاشق، والمحب للحياة؟. غير الراضي بما هو كائن وموجود؟.. هل لغته الموظفة طريقة جديدة في الوصف، والعرض والتأويل؟.

إن هذه ديوانه من خلاله يمكننا الوقوف على الحضور الإنساني، والعاطفي، والوصفي، وعلى تجربة محمد محضار الجمالية، من خلال التجليات. وهذا يتطلب منا إنصاتا دقيقا إلى نصوصه الشعرية، عبر البحث، والكشف والسفر في الحب، والإنسان والرؤيا والمعمار النصي.

إن للحب لذة لا مثيل لها. جنة دنيوية. فمن هي يا ترى هذه التي في مشيها نعومة الهديل؟. وكيف يقدم محمد محضار الصورة الشعرية؟.

إن الشاعر في (سيدة الياسمين) يؤكد على الصورة، والموسيقى والإحساس والوجدان، والمخيلة. إنه يكشف لنا في مجموعته الشعرية حبه للجمال وللإنسان. ولكن هو كشف فيه فتنة تغري ،وتلهي وتعذب. وقد ابتدأ فيها بالوصف، وانتهى فيها بالتقريع واللوم، والحسرة.

ومن خلال قصائده، نقف على صدق رؤية محمد محضار، وكيف يبني تصوره الخاص للحياة والإنسان والعلاقات. كما نقف على متخيله الشعري داخل موضوع خصب، ألا وهو الحب والعلاقات والتضامن وغيرها  من الموضوعات الإنسانية، حيث أصبغ عليها كثيرا من الدلالات، والصور. الشيء الذي يدفعنا إلى الاعتراف بتأثير القصيدة النزارية عليه، وأثر عبد المعطي حجازي، وفاروق الشوشة، وصلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، وصالح جودت،ومحمد بنيس وغيرهم من الشعراء الكبار.

كما نتبين منها – أيضا- تجربته الذاتية التي عاشها ويعيشها، والتي يظهر أنها كانت ولا زالت حافلة بالحب ، والمؤانسة، والعشرة الطيبة.

إن في هذه المجموعة الشعرية (سيدو الياسمين) نشيد حب حسي طافح بالجمال. وأغنية تنعم بالشوق الجسدي، والتبجيل اتجاه الحياة.

ولا تخلو صورة المرأة من شعره… والمكان المؤنسن، ليصل من خلالهما إلى الصورة المثالية، والجمالية للمرأة والمكان بصفة عامة، وليعود بنا إلى رومانسية كانت ترى في المرأة الملاك،والمكان  الجنة، والبشر داخل عذرية لا حدود لها.

والشاعر محمد محضار يؤمن في قرارة نفسه: “أن الفن بما في ذلك الشعر، له هيكله الخاص، ومحرابه المستقل عن الأخلاق والمنطق، والدين. فاللذة والمتعة الجمالية التي نحصل عليها من الشعر هي وحدها مبرر وجوده، وقانون المنفعة والطهارة لا يسري على الفن والشعر” (نذير العظمة- مجلة الموقف الأدبي- العدد 27 تشرين 2006).

والملفت للنظر هو أن الأوصاف التي أوردها عزت الطيري للمرأة في قصيدته، تمتح من الموروث الشعري، والمخيال الشعبي. حيث توحي هذه الأوصاف بجماليات جسدية، وحركية، أعطاها شعر الغزل بعدا فنيا وجماليا كبيرا. يخاطب العين، ويحرك الفني والجمالي، والعاطفي والحسي في النفس من خلال الجمالي المضمر في الصور والحركات.

وأثناء قراءتنا لهذه المجموعة الشعرية، نجد أن الشاعر محمد محضار اعتمد تناصا تطلب منا استحضار نص غائب، والذي يبين نوعية العلاقة التناصية التي تقيمها القصيدة معه كنص واقع في مجاله الحواري.

إنه يركز في تناصه على التلميحAllusion الذي يعتبره: ” فعلا لغويا وثقافيا مؤسسا لعملية الكتابة التي لا تعترف بالحدود الأجناسية” (عبد القادر بقشى: التناص في الخطاب النقدي والبلاغي، أفريقيا الشرق، 2007، ص: 11).

إنه يساهم في خصوبة النص، وتوالديته. ويساعد في تأويليته. الشيء الذي خدم الأسلوبية الأدبية للقصيدة.

إن محمد محضار من الشعراء المغاربة الحداثيين. ينتمي شعريا إلى جيل الألفية الثالثة. ملتزم بنظام القصيدة العربية الحديثة النثرية.. والقارئ لشعره يجد اهتمامه الشديد بالصورة واللغة الشاعرة.

وقصائده تجمع بين الموسيقى واللغة والفكرة والصورة. الشيء الذي يخلق فيها وحدة القصيدة، ذات الجمالية العالية. إذ يمكن تقسيم كل قصيدة إلى فقرات. كل فقرة تتناول فكرة أو صورة شعرية. معتمدا على دلالة لغوية، وذلك بتوظيف قاموس معجمي سهل/ ممتنع، واضح جلي، لا غموض فيه، يمتح من واقعه المعيش. لكن خلجات اللغة النفسية معقدة لما تعرفه نفسية الشاعر من معاناة،وحس وألم، وتعبير عن هذه الأحاسيس المعاشة:” فالشعر كظاهرة تعبيرية في حياة الإنسان، يبدأ بسيطا- كغيره-  ثم يتعقد تدريجيا بتعقد حياة إنسان الظاهرة نفسها، فيتضاعف مضمونا من ناحية المعاني وأبعادها اتساعا وعمقا. ويتكاثف شكلا من ناحية الأساليب وجودتها لغة وصياغة، من ناحية انتقاء الألفاظ ودقة وصفها ورقتها، ورتابة موسيقاها. وبهذا كانت لغات الأمم وآدابها في مرحلة بداوتها وجاهليتها أقل ألفاظا وابسط محتوى“(نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص: 91).

صحيح، أنه لا يمكن لنا أن  نفهم الشعر إلا إذا استوعبنا خطابه،وفهمنا نظامه،ووقفنا على بنيته..ويلعب الشاعر دورا كبيرا في تحقيق وحدة الشعر وفنيته.

والشاعر محمد محضار استطاع في وقت وجيز ان يقدم لنا باكورته  الشعرية الاولى (سيدة الياسمين) لنقف من خلالها على تجربته الشعرية.

وإذا ما تأملنا بالإضافة إلى ما قلنا سابقا،اللغة وانماط توظيفها في شعره.. فإننا نخرج بنتيجة، وهي أن محمد محضار يعي ان لغة الشعر تعتمد على تحرير لطاقاتها الصوتية والتعبيرية، وتوجيهها جماليا، توجيها يدهش المتلقي، ويخلخل أحاسيسه ومشاعره.

ويمكن لنا ان نميز عدة أنماط في توظيف اللغة في شعر محمد محضار، ويمكن أن نقول تجاوزا ،أن لغة الشعر عند محمد محضار يدخل جلها ضمن الاتجاه الوجداني… يقول في قصيدته (موسم الرحيق):

يا روعة التوحد

في رشف الكأس

المعتقة

يا صحوة القلب

في رسم الخطى

الشاردة…

أعبر إلى زمنك

الوردي

فأقطف ثمر

حلمي اللذيذ

ففي هذا المقطع نلمس فيه الروح الخطابية التي يؤسسها النداء والتقرير والإخبار،والتي تعمل على تحريك دلالة القصيدة.

ونجد في (سيدة الياسمين) المزاوجات اللفظية،حيث يتحول الشعور بالذات ،واضطراب الأنا إلى ظاهرة لافتة..

– الجملة الشعرية عنده:

يمكن تعريف الجملة الشعرية بأنها وحدة تقدم معنى تاما في ذاته.والجملة الشعرية التي يوظفها محمد محضار، ذات أثر أسلوبي في نسيج القصيدة عنده.. وذات غايات تأثيرية..

وعندما نتمعن هذه الجملة المستعملة نجدها تتسم بالقصر،حيث ر تتجاوز في مجملها ثلاث كلمات..كما في قصيدته (جراح الماضي)، والتي يقول فيها:

أيها الآتي

من زمن الذكريات

ينكأ جراح الماضي

بعد أن جفت عبراتي

وسلا قلبي وذاتي

بعد أن سكنت آهاتي

وتناسيْتُ عذاباتي

وتأملنا لهذه الجملة الشعرية، يجعلنا نخرج بانطباع، وهو أن محمد محضار تمثل جملته الشعرية تجربته الوجدانية والفنية، ولو أن هذه الجمل يغلب عليها الذاتية او الطابع الذاتي.. ويطل منها  صوته الشاعري.

وهذه الجملة الشعرية يغلب عليها الجملة الفعلية، والتي تدل على تلك الديناميكية التي تحرك وجدانه، وتعمل على اصطخاب أحاسيسه وتموجها.. ويتحول الفعل في هذه الجملة إلى مولد إيقاعي.. ومحرك انفعالي.. ومن ثمة تصبح القصيدة عند محمد محضار تنمو وتتقدم من خلال حركة الفعل وتناميه، حيث يؤدي الفعل وظيفة جوهرية في القصيدة تتجلى في شكل تواصل ينشأ بين الفعل وبقية عناصر البنية.. فيقوم الفعل بإقامة ترابط عضوي جدلي بين الأشياء والذوات.. ومن ثمة يدفع حركة الجدل وما يعقبها إلى الأمام،فيؤسس المرتكز الذي يقوم عليه ذلك الترابط،كما في قصيدة (رحلة حزن)، والتي يقول فيها:

أضم حزني تحت جوانحي

وأرحل إلى جزر الصمت

أضم ألمي وشتات ضياعي

بين نياط قلبي الكليم

ثم أبحر في محيط التيه

لا غد انتظر بزوغه

فجره

لا أمل أنتظر طلوع

شمسه..

فالفعل يمثل القادح الذي تتوالد منه القصيدة..والفعل هنا(أضم- أرحل- أبحر) يتمثل في ذلك الفعل الحركي المشكل للحركة الديناميكية للقصيدة كلها من بدايتها إلى نهايتها..

هذا غيض من فيض…من خلاله حاولنا مقاربة تجربة محمد محضار الشعرية..وهي جديرة بالقراءة والنقد والسؤال..وأتمنى ان يفسح لها الزمن قراءات اخرى لاستجلاء فنية شعره وجماليته…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.