الرئيسية | سرديات | تناسخ: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي| حنان الدرقاوي

تناسخ: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي| حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

لم تكن حفيظة الجدادي تعرف لماذا حياتها مليئة بالمحن, زيجات متعددة وطلاق وفقدان العمل. كلما وجدت عملا واستقرت فيه يحدث شي يجعل مشغلها يطردها. اشتغلت بدكاكين الموضة في اغدال بالرباط. اشتغلت في مانغو وكول وبيمكي. اشتغلت كحارسة وكموظفة حسابات لكها فقدت شغلها مرات عديدة.
كانت تحمل هم إبنها الذي لايزال صغيرا. عادت للعيش مع أمها في بيت هاته الأخيرة في تمارة. عجزت عن البحث عن العمل وصارت تقضي يومها في قضاء حاجيات أمها التي توفر لها الأكل والشرب. تنهي شغلها وتدخل غرفتها وتغرق في التفكير في حياتها. لم تكن أمها تحادثها إلا من أجل الأشغال الومية. كانت بينهما مسافة كبيرة بفعل طبع أمها الموحش. امرأة غامضة,صامتة وقاسية في أقوالها. لاتتوانى على معايرة حفيظة بسبب فشلها المتكرر. لم تكن حفيظة تعرف كيف تخرج نفسها من حلقة الفشل والدمار. اعتقدت أنها هي السبب في كل مايحدث لها. لو كانت امرأة حقيقية لاستطاعت الحفاظ على أزواجها. لو كانت بنتا حسنة لأحبتها أمها. لو كانت أما حقيقية لما ابتعد عنها إبنها المراهق. بدأت الأفكار السوداء تطاردها. تتخيل الموت: موتها, موت أمها وموت ابنها. أفكار تضغط عليها. يتلوى جسدها من الألم . تنام على سريرها وهي منكمشة كطفل في بطن أمه.
منذ سنوات وهي تعيش في بيت أمها. كانت تخاف أن تموت أمها ويأخذ منها إخوتها البيت. سيرثون ضعفها وسيبيعون البيت وتنتهي حياتها على الرصيف. إخوتها حاقدون عليها منذ القديم حين كانت المفضلة عند أبيها. يعاملونها بقسوة وقد ضربوها مرات عديدة.
كات تصلي كل فرض وتصوم لكنها كانت تشعر بأن الإيمان لايكفي, ربما يلزمها علاج لكن من أن تأتي بثمن معالج نفساني؟
سيطرت علها الأفكار القهرية وصارت تكلم نفسها. ذات يوم اشترت زريعة وحمصا من عند صانع الزريعة. انهت القرطاس وفتحته لتكتشف نصا عن ديانة غريبة تتحدث عن التناسخ. قرأت أن الإنسان يبعث في شكل آخر عندما يموت. هناك من يبعثون على شكل طائر أو وردة أو فراشة. فكرت جليا وقالت أنها تريد ان تأخذ شكل طائر في حياة أخرى. استعرضت كافة أنواع الطيور التي تعرف وقالت انها ستكون طاووسا. طاووس ينفث ريشه وينفخ فيه ويعجب به الناس. أعجبتها فكرة التناسخ ووجدت فيها مخرجا من الأفكار السوداوية. عادت إليها حيويتها وصارت تبحث عن عمل وهي ممتلئة بأفكار الطاووس. الطاووس طائر يثق في نفسه وفي جماله وتفوقه على الآخرين. صارت تلبس ملابس جميلة وتضع ماكياجا كاملا. تحمل ملف طلبات العمل وتدق أبواب الشركات والمحلات في الرباط.
بعد شهر وجدت عملا في جريدة. عملت بها سكريتيرة تطبع المراسلات ومقالات الصحفيين. اشترت ملابس كثيرة أوانيقة. كانت أكثر أناقة من الصحفيات أنفسهن. اندمجت مع جميع العاملين في الجريدة. صارت تشاركهم كأس الشاي والقهوة وتتحدث بثقة في نفسها وهي تفكر في الطاووس.
تعود إلى البيت وتقرئ المقال عن التناسخ. بحثت عن مقالات عن الموضوع في النت. وجدت ضالتها في فكرة التناسخ وتماهت مع دور الطاووس. لاحظت أن الآخرين يحسبون لها حسابا هي التي اضطدها أناس كثيروون في حياتها.
اكترت بيتا بحي القامرة وحملت إبنها. تعرفت على شاب صحفي ونشأت بينهما علاقة عاطفية. لم تحكي له عن حياتها كثيرا. قالت القليل عنها. بعد سنة من علاقة حميمية تقدم الشاب لطلب يدها. قبلت به زوجا. عاشت معه حياة سعيدة وظلت تقرئ المقال عن التناسخ كل يوم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.