الرئيسية | سرديات | النداء: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

النداء: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

كانت تسمع نداءات من البعيد وكانت تصدقها, تتبع النداء في الشارع وتفعل ما يهتف لها به العيد. البعيد كان يأمرها بتشطيب شارع الحسن الثاني بميسور. شارع طويل ومتسخ كانت تسهر الشرادية على تنظيفه معفية بذلك عمال الإنعاش الوطني. كنت أراها كل يوم وفي يدها شطابة قصيرة. تنحني على ركبتيها وتشرع في التنظيف. تقضي اليوم كذلك. ننظر إليها نحن الصغار ونزداد افتتانا بالجنون في مدينة كثر فيها المجانين. ميسور مدينة في شرق الوطن لاتذكر في الأخبار ولا في قصاصات الصحف. مدينة كنا نختلق فيها الفرح ونبدع أفكارا لكي نستمر في الحياة التي يود أهل العاصمة أن لاندخلها ولانراها ولانستمتع بها. لا أندية, لاسينيما, لامسرح لاحياة فقط نشاهد زهرة وباقي مجانين المدينة. نراهم وهم يبدعون حياة على هامش الحياة في ميسور التي هي على هامش الهامش. مرات كثيرة فكرت في أن أكلم الشرادية, أسألها عن سرها في تنظيف شارع طويل. كنت أرى ركبتيها وقد أدميتا لكنها تستمر في الخضوع لأمر غريب. كم من العقلاء في المدينة؟ من منهم فكر يوما في تنظيف متر واحد من شارع الحسن الثاني أو شارع آخر؟ هل الشرادية هي المجنونة أم أن الذين يرمون أزبالهم في الشوارع هم الهبل؟ مجانين آخرون يجب إيداعهم في المستشفى. تثور الشرادية في بعض الأحيان وتسب الجميع, تنعتهم بالمتسخين وبالمعتوهين. إقترب منها ذات رجل ربما كان يريد أن يؤذيها, أن يضربها. انتبهت إليه وضربته بالشطابة على رأسه, سقط أرضا وبقعة من دم أحمر تحيط به. قتلت الشرادية التهامي الوردي بضربة من الشطابة. أتى رجال الدرك للقبض عليها. كانوا ثلاثة متحلقين حول مكان الجريمة. حرزوا المكان وغطوا جثة التهامي . رفضت الشرادية الذهاب مع البوليس طلبت طلبا – دعوني أنهي تنظيف الشارع لم يقيدوها. تركوها تفعل. جثت على ركبتيها ونظفت الشارع. ألقت نظرة أخيرة على منجزها. ضحكت وصاحت – الشارع الآن نظيف يمكنكم أن تحملوني إلى أي مكان تريدون ذهبت الشرادية مع البوليس وسمعنا فيما بعد أنها رحلت إلى برشيد في مستشفى الأمراض العقلية. هل هناك شارع يحتاج إلى تنظيف في تلك المدينة؟ بعد رحيلها اتسخ شارع الحسن الثاني ثانية وظللنا نحلم بمجنونة تعوض الشرادية. كنا قد يئسنا من الإنعاش الوطني وبدأنا نحن إلى شطابة الشرادية القاتلة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.