الرئيسية | سرديات | الفضيلة (قصة واقعية ) : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

الفضيلة (قصة واقعية ) : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

صيف 1984

  كنت أعيش في آزرو و أتعلم الخياطة في ورشة بوشرى العيادي. كانت الورشة مركزا لتجمع نساء كثيرات. ورشة أنيقة وصاحبتها ابنة قائد أيام الاستعمار حافظ على منصبه بعد الاستقلال في إطار منطق غريب أهدى خونة البارحة مناصب كبيرة.  الورشة يعرفها الجميع.

في الورشة تحكي النساء عن أزواجهن وعشاقهن. لكل سيدة حكاية وهن يبادرن إلى الحكي دون أن يطلب منهن ذلك. غالبا ما يقعدن لساعات في الورشة مسافة وشوشة وبحث عن النصائح للاحتفاظ بالزوج أو الحبيب.

كانت تأتي إلى المحل شابة فاتنة تلبس ملابس فضفاضة وتضع خرقة على رأسها. لم نكن قد تعودنا بعد على الحجاب الإيراني. كانت النسوة يلففن رؤوسهن بخرقة لكن يتركن الأذنين والعنق عاريين. كان حجاب الفتاة مثار اهتمامنا. كانت تأتي مسرعة وتنصرف مسرعة. كان هناك دائما أخوها بانتظارها.

كانت تبدو دائما مرتبكة لا تعرف ماذا تريد. تختار موديلات جريئة ثم تقلع عن رأيها وتختار موديلات محتشمة وتطلب من الخياطة أن تضيف الطول. يجب للثوب أن يغطي الساقين. كانت تسرع كي لا تغضب أخاها. لم نتمكن يوما من إبقائها  ولو قليلا في المحل لنسمع حكايتها، حكاية فاتنة تغطي مفاتنها.

ذات يوم اقترحت عليها بوشرى كأس شاي. ذهبت لاستئذان أخيها وعادت وهي ترتعد. قالت أن أخاها لا يريدها أن تتأخر في المحل لأن هناك نساء سيرتهن سيئة يدخلنه. لم تجب بوشرى وعدنا إلى عملنا.

كانت للفتاة جارة اسمها لمياء تشتغل حلاقة وكانت تأتي لتفصيل ملابسها في المحل. سألناها عن الفتاة وحدثتنا أنها من أسرة محافظة جدا. إخوتها رجال أشداء يحرسونها ويمنعونها من الخروج وكل فسحتها هي أن تذهب إلى الحمام البلدي أو عند الخياطة. كان إخوتها من صنف مسلمين جدد يلبسون لباسا يسمى باللباس الأفغاني. يبقون اللحية طويلة ويقصون الشارب. قالت الحلاقة أن هؤلاء هم الخوانجية. كانت أول مرة أسمع لفظ الخوانجية. شرحت لنا الحلاقة أنهم المسلمون الجدد والفرقة الناجية من الأمة.

كانت الفاتنة وعرفنا أن اسمها حياة تعيش منعزلة بعد أن غادرت المدرسة. تلبس حجابا وتقبع في بيتها بأمر من إخوتها الثلاث الذين يحرسونها ويمنعونها عن الأعين. قالت لمياء أن الفضيلة خاصة فضيلة النساء يجب أن تحرس من العالم الخارجي، قالت وهي منتحبة أنه لو كان لها إخوة يخافون عليها لما هربت من لقباب قريتها لتقذف بنفسها في أتون الدعارة قبل أن تفتح محلا للحلاقة. كانت تدخن سيجارتها بعصبية وذات يوم قالت أنها هي أيضا ستضع حجابا وطلبت من بوشرى أن تطيل ملابسها.

مرت الأيام ولم تعد لمياء تأتي إلى المحل وسمعنا فيما بعد أنها تزوحت من أحد إخوة حياة وصارت قابعة في البيت. أغلقت محل الحلاقة الذي حكم زوجها بأنه مكان للرذيلة.

ذات يوم وكان المحل غاصا بالزبونات جاءت حياة وهي معروقة وتنتحب. أجلستها بوشرى وأعطتها شايا وطلبت منها أن تحكي لها ما يحدث. قالت وهي شبه غائبة عن الوعي

–              يافضيحتي، إنني حبلى

–              كيف حدث هذا وأنت لاتخرجين من البيت؟

ارتعدت فرائص حياة وواصلت الإنتحاب وشد شعرها قالت وهي متضرعة

–              إنه أخي، أخي يعاشرني كزوجة منذ أن كان عمري اثنتا عشر سنة ، كان يضاجعني ويهددني بالموت إن أنا تكلمت

— اخوك الخوانجي؟

–              أجل أخي الذي يصحبني إلى المحل ويرافقني في كل مكان . منذ سنوات وأنا أحتمل وأصبر عل الله يجد لي مخرجا. ضيع بكارتي ولم أستطع الزواج وها أنا اليوم حبلى من أخي الذي يتظاهر بالفضيلة وهو وحش. اليوم سأهرب إلى أي مكان وأعيس حياة بائسة. كيف يمكنني أن أربي إبن زنا وزنا محارم فوق هذا.

هدأت بوشرى من روعها. مدتها بعنوان صديقة لها في مكناس وصارحتها أنها تشتغل راقصة في بار لكنها ستعتني بها. هكذا صارت حياة المحتجبة الفاضلة راقصة هي الأخرى في كاباريه بالرباط بعد أن أنجبت بنتا منحتها لأسرة ميسورة في مكناس وفتح أخوها صالة للرياضة يدرب فيها أطفال آزرو على فنون القتال  ويعلمهم الفضيلة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.