الرئيسية | سرديات | العابرون: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

العابرون: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

كان عرسا غير اعتيادي. دعاني اليه عبد الرحمان. لم يشأ أن يحدثني عن الأمر في الهاتف. طلب أن نلتقي وسط المدينة. كان يوشوش في الهاتف خائفا من أن هاتفه مراقب منذ أن أعطى تصريحا لقناة أجنبية.
التقينا في مقهى وتحادثنا عن عرس صفاء ونبيل, عابرون جدد. هكذا يسمون بعضهم البعض. مسلمون اختاروا التحول إلى المسيحية. دفعني فضولي إلى التعرف عليهم وحضور اجتماعاتهم في فيلا بحي بيتهوفن بشاطئ تمارة. لم تكن لدي اية رغبة في الإلتحاق بهم لكنني كنت أحب اجتماعاتهم وقداس يوم الأحد. كنت ولاازال مولعة بالمؤمنين رغم عجزي عن الإيمان, أحب أن أعرف كل شيء عن الأشكال الدينية. أحب طرائقهم في العيش وكيفية صنعهم للمعنى في الوجود. سؤال المعنى هو السؤال الفلسفي الأساسي لدي, كل شيء يدور حول سؤال المعنى وكيفية صنعه إذ أن حضور أو غيابه هو الذي يحدد طريقة العيش. حين يحضر المعنى تكون الحياة جديرة بالعيش وحين يختفي يترصد الجنون الإنسان وقد ينتهي إلى الإنتحار.
كان المعنى الذي يصنعه العابرون هو أن يمارسوا عقيدتهم بحرية. لكنهم لايستطيعون إلى ذلك سبيلا. كانوا خائفين من بطش السلطة ومن بطش المجتمع.
التقينا في عرس نبيل وصفاء. كان هناك إبراهيم الذي ترأس القداس. لم يكن قسا بل عابرا قديما. لم يكن لهم قس . كانوا يقتسمون الكتاب المقدس: كل إثنين يقرآن في نسخة. التوفر على الإنجيل صعب إذ تتم مصادرته في البريد أغلب الأحيان.
لم يعلقوا الورد على الباب لكي لايثيروا الإنتباه. الموسيقى كانت هادئة. كانوا يقرأون من سفر الثوبة الذي يتحدث عن بركات الرب لأورشليم وإرجاع مجدها ويتنبئ عن يوم الرب العظيم وعطية الروح القدس الذي يحول برية قلوبنا المحطمة إلى فردوس الله المثمر.
احسست بنبضات قلوبهم وهي تلحق بآايات الإنجيل. أحست بروحانياتهم العميقة. بعدها غنوا ترانيم هادئة تصف حياة السيد المسيح وأتباعه وإمكانية الخلاص والقيامة.
كان صوتهم عميقا يعلن عن الأروع في الإنسان, سعيه إلى معرفة الكمال ونزوعه الى الجمال بالتسامي على الغرائز. كان نبيل وصفاء سعيدين كطفلين. كان الورد يحيط برأس صفاء وكانت بركات الرب تحيطها وسط أصدقائها. كان الحفل أيضا مناسبة للوداع فصفاء ونبيل كانا سيهاجران في الغد إلى أستراليا. سيهاجران لأنهما لايعيشان بحرية في المغرب. يودان الإعلان عن عقيدتهما وحضور الصلوات في الكنيسة. تم عرسهما بدون حضور الأهل من الجانبين. أم نبيل تبرأت منه حين صارحها بدينه الجديد أما صفاء فقد ضربها إخوتها حين اكتشفوا أنها اعتنقت المسيحية. كان مؤلما لهما أن لاتحضر أسرهما العرس لكنهما كانا يبدوان سعيدين بزواجهما المبارك. لم أعرف لماذا يؤذيهم الآخرون؟ لم يؤذوا أحدا ولم أفهم لماذا يطاردونهم؟ هل يمكن يوما أن نحتفل بالآخر, بالمختلف ولا نحقد عليه؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.