الرئيسية | فكر ونقد | الطفولة المقموعة في رواية “ارواح ظامئة للحب” للكاتبة العراقية صبيحة شبر | قحطان جاسم

الطفولة المقموعة في رواية “ارواح ظامئة للحب” للكاتبة العراقية صبيحة شبر | قحطان جاسم

قحطان جاسم (دنمارك):

قحطان

قحطان جاسم

الكتابة مهمة صعبة وشاقة والاصرار عليها يكشف عن شجاعة لدى الانسان، خصوصا في مجتمعات ترتبك فيها الاحوال والافكار والسلوكيات, يُشترى ويباع فيها كل شيء. ولهذا ارى ان رواية صبيحة شبر ” ارواح ظامئة للحب” الصادرة عن دار ضفاف، الشارقة عام 2015، هي كتابة شجاعة بغض النظر عن المستوى الفني الذي حققته الرواية او طبيعة الافكار التي طرحتها

    تواصل الكاتبة صبيحة شبر الكتابة منذ صغرها واصدرت العديد من المجاميع القصصية والروايات. ورغم الصمت الذي يكاد يكون مطبقا حول ادبها وما قدمته من جهد في هذا الاطار ، فقد سعت مخلصة لنفسها لمواصلة الكتابة بشجاعة. وتتلخص هذه الشجاعة في انها ، تحاول بغياب حوارات نقدية حول ادبها وما يتضمنه من ايجابيات او اخفاقات، التي لا يمكن لأيّ أديب ان يزدهر ويتطور ويكتشف اخطائه وحسناته بدونها، ايجاد مكانة لها في عالم الأدب. انه اصرار اسثتنائي يحتاج الى صبر لا حدود له، لا يعضده الا الاخلاص للكتابة والايمان به.

    تعالج الرواية عالم طفولة” بسمة” وعائلتها ، والمحيط الذي عاشت فيه قبل ثورة 14 تموز ، والتناقضات الاجتماعية والاخلاقية التي تهيمن على عقلية أب بسمة وعائلتها . فرغم ان أب بسمة، تدخل مدرسة الكتاتيب وتتعلم قراءة القرآن ، ثم يسمح لها الدخول في المدرسة ،الا ان ابيها العامل، الذي يرتبط بالحركة الثورية آنذاك، ويحلم بعالم جميل خال من الاستغلال والظلم، يبقى مع ذلك مشوش الافكار والسلوكيات. فادراكه اونظرته الى الاخلاق وموقفه من سلوك ابنته في حالة شد وجذب… وهذا التناقض يكشف لنا طبيعة العلاقات الاجتماعية القائمة وطريق التفكير النابعة منها.

    تحاول الرواية من خلال التركيز على طفولة بسمة، ان تكشف لنا بعض الاشكالات التي تواجهها الفتاة في مجتمع شبه مغلق. تعيش الفتاة في عائلة كبيرة ، الاب يعمل عاملا ، والام ربة محاطة بافراد كبار اخرين من العائلة. الاب متناقض في سلوكه فهو من جهة خانع الى التقاليد العامة المحيطة به، وخصوصا النظرة المتخلفة الى الفتاة، الا انه من الجهة الاخرى يسعى ان يكون منفتحا تجاه طفلته، ويمنحها بعض الحرية ، طالما هي تتمسك بالحدود المرسومة لها. فحين يكتشف الاب ان الجارة الارملة اعطت بسمة آلة موسيقية فانه يغضب قائلا :” هل تريد ان تعلمها ومنذ الآن قلة الادب وسء الخلق ، وعلى الغواية” ( الرواية، ص.35). في نطاق عائلي كهذا فان السيطرة والمراقبة على السلوك لا يقتصر على العائلة، فقط بل ويتجاوزه الى العمة والجد والجدة ،ويمتد حتى الى الجيران. نلاحظ كيف ان العمة تحاول مرات عديدة ان تقيد حركات بسمة؛ عندما تلعب مع صديقاتها، او حين تطرح اسئلة فضولية، او تحاول ان تتطلع الى عالم الكبار. حتى حين تتعرض بسمة الى الضرب و تحاول ان تدافع عن نفسها تنهرها العمة قائلة لها: ” كان يجب عليك ان تسكتي، البنات لا يضربن الاولاد، سوف يقولون انك قليلة الادب !” (الرواية، ص. 71) . على هذا النحو نرى ان الاخلاق هنا تعني بنظر العمة واخرين، بما فيهم أم بسمة ، إذعان الفتاة الى قوانين الكبار ومفاهيمهم وعاداتهم المكتسبة، التي تتحكم بها نظرة ذكورية استعبادية.

    من خلال بسمة نكتشف أيضا حالات اخرى لقمع الطفولة حيث تتزوج صديقتها حليمة التي لا تكبرها الا بسنوات قليلة، يقوم اخوها المعتل عقليا بقتلها بحجة الشرف. (الرواية، ص.120). كبرت حليمة يتيمة مع امها واخوها المعتل عقليا، ولذلك كانت بنظر المجتمع غير متربية لانها تربية ام وليس اب. نكل بها عماد ابن الاقطاعي فاغواها واستغلها وفعل بها ثم تركها . لم يعاقب عماد على فعلته بل تم بدلا عن ذلك معاقبة حليمة ،إذ قام البعض بتحريض اخيها المعتل عقليا، فقام بطعنها حتى الموت.( الرواية،ص.120-121)

    بسمة كانت تطرح اسئلة كثيرة ، فهي طفلة ذكية ، الا ان الاسئلة تكون احيانا دخيلة على عقلية طفلة بمستواها، الى درجة انها تطرح سؤالا: ” أبي لماذا نجد بعض الناس لا يملكون الطعام الذي يحتاجون ، والبعض الآخر يملك امولا كثيرة؟ ( الرواية، ص.123)

    تنتهي الرواية بحدوث ثورة 14 تموز التي تعني ” تغيير في الاوضاع ومنح العاملين مكتسبات ما قامت به ايديهم من اعمال ، والمساواة بين الناس في التمتع بالحقوق والخيرات (الراواية ، ص. 163). كما يجيء على لسان أب بسمة.

    الرواية تدلل عموما على قدرة الكاتبة بالتواصل السردي والقدرة على قص الاحداث وخلق صيرورة خاصة تدور حول ثيمة واحدة.. لكن القاريء يفتقد شيئا من الديناميكية سواء في بناء شخصيات الرواية والتعمق شيئا في سايكولوجية اشخاصها او خلفياتهم و عمق الاحداث وتفاعلها ونموها ، ناهيك عن لغة الرواية الوصفية التي بقيت عند سطح الاشياء والموضوعات . كما ان هناك بعض الاطالة غير المبررة خصوصا في الفصول الاخيرة التي لم تضف شيئا لثيمة الرواية، التي تعالج غياب الحب والقمع الاحتمعي والتربية المتزمتة والنظرة المتخلفة للفتاة..

    مع ذلك، فقد بذلت الروائية صبيحة شبر جهدا لا ينكر لتقديم عمل ادبي يعالج قضية كبيرة ومهمة، ربما كان من الافضل ان تتناولها في اطار اكثر معاصرة لزمننا ..خصوصا ان هذه القضية ما تزال حاضرة في حياة مجتمعاتنا رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت عليها. وبهذا تكون روايتها بمثابة مساهمة لاضاءة هذه القضية الانسانية المهمة ادبيا.

——————-

    صبيحة شبّر، أرواح ظامئة للحب، الشارقة ، دار ضفاف، 2015

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.