الرئيسية | سرديات | الزهر الموحش : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

الزهر الموحش : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

كان في كل مرة يراها يريد أن يحادثها عن هاته الزهرة الموحشة التي نبتت بداخله. كان في كل مرة بعد الحب ينتظر أن تتلوى بين ذراعيه أن تسطع في عينيها تلك الرغبة الغريبة التي تبعث بها النساء عادة في المغرب. كان يريدها أن تقول : “ابق معي أريدك رجلي مدى الحياة”. لم يكن يجد تلك الشعلة في عينيها. كانت نهمة في الحب ولكنها لا تنتظر شيئا آخرا. غريبة في أطوارها. كان بها ذلك الخجل الذي في نساء القرى. شيء من خفر الفقراء ومن نبلهم حين لا يطلبون شيئا.

كان يعرف أنها هي هي امرأته: ذكية وجميلة. كان يحلم بحياة مشتركة معها. ستتم دراستها وأكيد ستصبح جامعية مثله سيتزوجها وتكون زوجة رائعة تطهو له مأكولاته المفضلة.

كانت بها كل الخصائص متحررة دون سفه، متفوقة دون غرور. كان ينصت إليها وهي تتحدث عن بورديو وكيف التهمته دفعة واحدة، كتاب تلو الآخر.ينصت إليها ينتظر لحظة الغرور. لم تكن مغرورة. كانت غير قادرة على الغرور فقط تأتي إلى بيته. يقضيان أجمل الأوقات. لاتتعب من الحب مثلة ومن القراءة.

كان بها شيء من نبالة الفقراء التي يتحدث عنها كامو’ نبالة  الذين يولدون بدون ملعقة ذهب. كان يحب فيها أنها تنتزع النجاح إنتزاعا وكان يحترم فيها هذا

في سنوات دراسته بباريس عرف فرنسيات كثيرات. لم يستطع أن يتآلف مع الفرنسيات وتحررهن الذي أخافه.

حين راها في المدرج في قميصها  الأزرق لم تكن أنيقة كان بها شيء من الجمال الموحش ذلك الجمال المستعصي فكر أنها من الجبال الأمازيغية

حين طلبت الكلمة لم يكن بها خوف . شرعت في انتقاد مضمون الدرس. كان  قد حدث الطلبة عن المساواة وكيف تؤسس لمتجتمع ديمقراطي وقدم نموذجا لفرنسا منطلقا من فكر الأنوار وأهمية المساواة . أخذت الكلمة وقالت أن المساواة هي فرضية فقط هل حققت فرنسا المساواة فعلا؟  ألا يستمر النبلاء في الوجود من خلال الرأسمال الرمزي وأهمية الإرث الثقافي الذي يرثونه من عائلاتهم؟ هل المجتمع الفرنسي بطبقاته الغنية ومؤسساته نموذج للمساواة؟ ثم ما رأيك في تحليلات بورديو في هذا الشان؟

نظر إليها وهو لا يعرف إلى أية هوة ستقوده هاته الجبلية بيير بورديو هو محور درس للسنة وهاهي تقوده إليه من أول حصة

كما قادته إلى بورديو قادته إلى السرير أول مرة. سحبته بأصابعها التي  بدون طلاء  من المائدة الى غرفة النوم.

في البيت لا تتحدث كثيرا تختفي تلك الطالبة المتوثبة لتترك المكان لامرأة الرغبات. عاش معها قصة عاصفة يمتزج فيه الحب بالسوسيولوجيا. كانت جنية في التحليل والبحث.

صار مرتبطا بها, لا يستغني عن وجودها في البيت والمدرج. استمرت علاقتهما سنة كاملة قبل أن تختفي. كانت قد حصلت على الإجازة وكان ينتظر موعدا مناسبا ليتقدم لخطبتها, أقنع أمه الشريفة الإدريسية بأنه سيتزوج بنتا من طلبته من خنيفرة.

انتظر أن تأتي إلى بيته كما المعتاد. لم تأت, لم تتصل في المحمول. لم تسرل رسالة.

ذهب إلى الحي الجامعي السويسي حيث تسكن. التقى هناك صديقتها. سألها عنها وقالت أنها رحلت إلى فرنسا حيث ستعد الماستر في السوربون, حصلت على منحة ورحلت.

سار على غير هدى, كيف أمكنها أن ترحل بدون أن تعلمه وكل الحب الذي أظهرته له, كل القبل؟ كل العناق؟

تلقى رسالة بعد شهر تخبره انه كان مغامرة لذيذة في حياتها, ربما لو بقيت لتزوجا وأنجبا مثل باقي الناس. كانت تفضل البحث العلمي لهذا اختارت الهجرة ودخول مغامرتها. حدثته عن حياتها في باريس التي عاش فيها هو نفسه من أجل الدكتوراة. تريد ان تسير في نفس الطريق. قالت له ” لا تنتظرني لن أعود”

ضم الرسالة إلى شفتيه وفكر أنها كانت زهرا موحشا في حياته, زهر لم يستطع تهذيبه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.