الرئيسية | سرديات | الحرام: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

الحرام: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

 أبريل 2009

كانت “سميرة” ذاهبة إلى المغرب حين اتصلت بها أختها اللعينة. أخبرتها أن “إيطو” إحدى قريباتها اشتكت لها قبل سنوات من زوجها. قالت أنه يغتصب أبنائها وههم أبناؤه أيضا. قالت أن الجميع يعلم بأنه اغتصب خادمتين من بينهما ابنة قريبة للعائلة. قالت أختها أنه عليها أن تتصرف لتعرف كنه الموضوع.

في المغرب انتظرت سميرة أن تزورها “القربية” وأن تعرف منها ما يحدث بالضبط لكنها لم تأتي لرؤيتها. كانت قد انعزلت عن الأسرة بأكملها. لم تتمكن “سميرة” من الذهاب عندها. فكرت “سميرة” أن تحادث أباها في الموضوع لكنها ترددت، ثم عزمت أمرها. أكيد أن أباها سيهب ضد هذا الأمر الجلل وسيقيم الدنيا ويقعدها ليكتشف الحقيقة وليتم إنقاذ الأطفال ومعاقبة الأب المجرم. أبوها رجل التعليم المحترم الذي لم يرتشي في حياته أبدا. أبوها المثقف، النزيه الذي أفنى حياته في خدمة التربية ودرس علومها وتفقه فيها. لن يترك أطفالا يتعذبون. يمكنها أن تعهد له بالأمر وسيتكفل به أبوها البطل.

في اليوم الرابع من زيارتها دخلت على أبيها في غرفته. استسمحته في الحديث وسمح لها. حكت له الموضوع وقالت له وهي متوسلة أنه يجب عليهما معرفة كنه الأمر. نظر إليها أبوها نظرة صارمة وقال:

  • كل شخص حر في أن يتصرف في أبنائه كما يشاء.

لم تفهم في البداية فكررت ما قالته ورد عليها الموظف النزيه :

  • “كل شخص حر في أن يفعل بأبنائه ما يريد”. أوضحت له بأن الأمر يتعلق بشبهة زنا محارم واغتصاب طفولة لكنه ثار في وجهها.

  • ليس لأنك تفرنست ستجلبين لنا المتاعب هنا.

أصيبت بالصمم والخرس، كانت أمها واقفة فسألتها رأيها فردت:

  • أبوك على حق كل واحد حر في أبنائه.

  • يا أبناء الزنا، هناك اغتصاب لأطفال ولصبيات في مقتبل العمر وهذا ما تجيبونني به.

تاهت وداخت وانهار العالم من حولها، كل قناعاتها انهارت، كنت تؤمن بأبيها، بنزاهته وبصفائه. تذكرت كل ليالي الاجتماعات النقابية في بيت أبيها وكل الالتزام بقضايا المقهورين الذين دافع عنهم.

تحادثت مع إخوتها وأسروا أنهم يعرفون أن الأب المشتبه به اغتصب إحدى القريبات. حلفت عمها على القرآن وأقسم أنه يعرف بالاغتصاب. سألتهم لماذا لم يفعلوا شيئا وأجابونها متفقين ـنهم صمتوا لكي لا يفضحوا البنت. البنت أتت خادمة عنده وعادت بعد الاغتصاب إلى قريتها حيث تعيش الفقر وذل الاغتصاب والعار.

لم يكلمها أبوها بعدها كلمة واحدة. قال لها وهي تغادر البيت ” مع السلامة يا الشريفة” قالت له وداعا ولم تتكلم بعدها كلمة واحدة. حادثت قريبة صحفية لتتكفل بالأمر وبالتحقيق فيه وفعلا وصلت إلى أحد الأطفال، أكبرهم. حادثته واعترف بالاغتصاب وبضرب أمه له لكي يصمت. وصف بدقة ما يفعله به أبوه. اتفقت مع الولد أن تعود في الغد لتحمله إلى الشرطة والطبيب. اتصلت بسميرة وقالت لها أن تطمئن أنها وصلت إلى الولد وسيحل المشكل. اتصلت سميرة بجمعية “ما تقيسش ولدي”. بدوا أنهم سيتحركون.

مر يومان واتصلت بها الصحفية لتخبرها أن الولد اختفى تماما و أنها لم تجده حين عادت في الغد. سألت عنه في المدرسة وقالوا أنه غائب منذ أيام. أقفلت القضية من كافة أبوابها وحتى الجمعية لم تتحرك. كان هناك أطفال يقتلون ولم يتحرك أحد. شعرت سميرة بذنب وتقصير شديدين. تقول لنفسها أنه كان عليها أن تخطف الأطفال وتحملهم إلى الطبيب بدل التعويل على أسرة لا تمتلك مفهوم الحرام. زنا المحارم وتحريم القتل هما الأساسان الأخلاقيان اللذان تقوم عليها الحضارة الإنسانية وهم لم يفهموا هذا.

لم تحل مأساة أطفال قريبتها.

حاولت تناسي الموضوع وشاهدت التلفاز وهي تنظر إليه تسمع فقيها يفتي أن الرجل يمكن له أن يتزوج من ابنته بالتبني، كف يعقل أن يتزوج أب بابنته؟ يقولون أنها ليست من صلبه، هل الأبوة مني وجينات أم أنها العشرة والتربية والمشاركة؟ تسمع فقيها آخرا يفتي بجواز الجماع مع المحارم للمجاهدين وجواز الاستمناء على الصغيرة، هل كان لمجتمع يؤمن بهذا أن ينقذ أطفالا ويحميهم من زنا المحارم الممؤسس؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.