الرئيسية | سرديات | البغية والصوفي | محمود محمد

البغية والصوفي | محمود محمد

محمود محمد

 

حانت صلاة العشاء، بينما كان الصوفي يسير وسط السوق، كان على بعد خطوات من المسجد، إلا أنه أصر أن يقيمها في مكانه لعدم احتماله شوق الانتظار.

كبّر الصوفي وكبر بتكبيرته مئات الاتباع والمريدين وأهل السوق الذين يتبركون بالولي الناسك الزاهد.

عندها ظهرت أمامهم، امرأة شاردة من ضجيج أضواء المدينة، تمشي مثل قطة ترقص على جدار، لا يغطي جسمها سوى شعرها الطويل وبعض سنتيمترات من قماش لا يخفي ما تحته.

مرت من أمام الولي إمام المصلين الذين لعنوها بقلوبهم ولعنوا القدر الذي جاء بهذه البغية إلى مدينتهم الطاهرة المقدسة.

صرخ الصوفي صرخة عظيمة مزقت ثوب السكون صرخة على شكل شهقة وبعدها لاذ بصمت مريب.

استمرت هي في طريقها تدوس على أشواك اللعنات واختفت بجانب مسجد المدينة الكبير في أول زقاقٍ مظلمٍ على اليمين، وما أن اطمأنت حتى ألصقت ظهرها المثقل بالخطايا على حائط المسجد الخلفي، ورفعت عيناها اللتان اختلطت داخل معبديهما الكحل بالدموع، بالبخور، بالرجاء، نحو السماء وهي تقول بصوت خافت:

“لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”

أما الصوفي العاشق المبجل فما زال صامتا، حتى خيم الصمت بجناحيه الرهيبة المهيبة على جميع المصلين المحتشدين وسط السوق، مما اضطر مريديه أن يبرروا للناس صمت الشيخ :

” أن شيخنا لا يبدأ بالقراءة حتى يخرق بنور قلبه حجب النور، ليصل إلى معدن العظمة، ويتعلق بعز قدس الأقداس”

لكن الحقيقة، ببساطة ، هي أن الصوفي نسي سورة “الفاتحة”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.