الرئيسية | سرديات | الأضحية : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

الأضحية : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

 كانت فيروز ابنة نسرين الباهي طفلة في السابعة من عمرها. تعيش في مدينة تمارة مع أمها وأبيها وإخوتها الثلاث. كانت طفلة مرحة وسعيدة. لم تكن تتعب من اللعب ومن الخروج مع أمها وإخوتها. يعرفها الجميع في حي مسرور. تلعب مع صديقتيها  حنان ومها.

كان كل شيء على مايرام في حياة فيروز إلى أن أتى عيد الأضحى. اشترت أمها كبشا من ثانوية الفلاحة في طرق زعير. وضعت الكبش في ساحة الطابق السفلي من بيتها الشاسع. اقتربت فيروز من الكبش. داعبت صوفه وركبت فوقه. سمته عزيز وأطعمته. صار الكبش مصدر متعتها اليومية. تقضي اليوم  برفقته وتوقفت عن اللعب في الشارع. خاطت قبعة له وألبسته إياها.صار صديقها وصارت تحادثه طيلة اليوم.  غسلته بالشامبوان وصبت عليه ماءا كثيرا. كانت تطعمه،  تضع أمامه أطباقا من الشعير وكتلا من العشب الذي تشتريه من بائع في الحي. تصورت حياتها مع عزيز. هو لايغضب مثل صديقاتها. يستجيب لدعواتها في اللعب فينطح الجدار. كان قرناه حادين وكانت تتجنب أن ينطحها. أرادت أن تعلمه بعضا من ألعابها كالغميضة لكن أمها شرحت لها أن الكبش لايلعب،  لس كالكلب صاحت فيروز انها لاتريد كلبا بل تفضل الكبش لأنه دافئ وهادئ.

مرت الأيام وفيروز لاتغادر الكبش إلى أن حل يوم العيد. حضر الجزار وذبح الكبش في السطح. استيقظت فيروز . ذهبـت الى مكان الكبش ولم تجده. بحثت عنه ثم سمعت أصواتا في السطح فهرعت نحوه. رأت الخروف معلقا الى السقف. سألت أمها أين الكبش وأجابتها أنه معلق للسلخ. صرخت فيروز صرخة قوية.

–              هل تقصدين أنكم قتلتم عزيز؟

–              أجل إنه كبش العد ياحبيبتي اشتريناه للذبح،  إنه أضحيتنا

ارتمت فيروز على الخروف، تعلقت به وهي تبكي وتستسمحه. عانقته ومنعت الجزار من السلخ. كان الجزار على عجلة من أمره إذ أنه يذبح لعائلات كثيرة.  صرخت فيروز وبكت بكاءا شديدا. بكاء مزق أحشاء أمها. ظلت تصرخ إلى أن أغمي عليها. حملتها أمها إلى فراشها واعتنت بها. ارتفعت حرارتها وبدت شاحبة. صحبتها أمها إلى مستشفى ابن سينا في الرباط. حكت للطبيب أعراض ابنتها وأخبرها هذا الأخير أن ابنتها تعرضت لصدمة عصبية شديدة ولابد أن تبقى في المستشفى للمراقبة.

أقامت فيروز في المستشفى أياما عديدة وهي لاتتكلم،  اختفت الطفلة المرحة التي كانت وحلت محلها طفلة حزينة ومعذبة.  لامت  نسرين نفسها،  ربما كان عليها أن تخبر ابنتها  صباح يوم العيد بأن الخروف سيذبح. ربما كان بأمكانها أن تجعلها تودعه وتسلم عليه. كان عليها أن تنتبه لمشاعر ابنتها. نسرين تعودت على الذبح لكن ابنتها صغيرة ورقيقة جدا. ساءت حالة فيروز وصارت ترى كوابيسا كثيرة. لم تعد نسرين تعرف ما عليها أن تفعله. اعتقدت أن ذبح الكبش شيء عادي جدا. في السنوات الماضية كانت تشتري الكبش في اليوم الأخير قبل العيد ولم تكن إبنتها تتعود على وجوده.

ظلت فيروز في المستشفى لأسبوع كامل،  أسبوع لم تذق فيه نسرين طعم النوم. كانت خائفة على ابنتها.  نقلتها إلى البيت وصحبتها عند طبيب نفساني شخص لها صدمة عصبية شديدة. هل يمكن لذبح خروف أن يسبب كل ذلك؟ شرح لها الطبيب أن فيروز أنسنت الكبش وتعاملت معه كأنه إنسان ولهذا صعب عليها حقيقة موته.

 نصحها بأن تحكي لابنتها حكايات فرحة وان تداعبها وتلعب معها. أعطاها مهددئا خاصا بالأطفال. عادت نسرين إلى بيتها وجدت أمها التي تعتني بالأولاد. فتحت فيروز الثلاجة لتأخذ كاس ماء. رأت لحما كثيرا في الثلاجة. فهمت أنه لحم عزيز. تقيأت ما في جوفها وأقسمت أنها لن تأكل لحما بعد ذلك اليوم.

صارت نباتية وفي يوم العيد تنام إلى أن ينتهي أمر الأضحية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.