الرئيسية | سرديات | إنطلاق: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

إنطلاق: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

 كانت زهور الملياني تعيش مع زوجها العربي الشوال في ضاحية 91  لباريس. كانا يسكنان شقة محترمة وسط مدينة ارباجون. اشتغلا لأربعين عاما كي يمتلكا تلك الشقة. كانت بينهما قصة حب فقد أحبا بعضهما أيام الطفولة وفرقت بينهما الحياة قبل أن يعاودا اللقاء وعمرهما يتجاوز العشرين ببضع سنوات. أنجبا أربعة أطفال. كبر الأطفال وغادروا البيت وبقيت زهورمع العربي. كانا قد حصلا على تقاعدهما من شركة الإسمنت التي اشتغل فها العربي عاملا وزهور منظفة.

كان كل شيء على مايرام في حياتهما. لم يكن ينقصهما إلا الحج مسك الختام في حياة مليئة بالعمل والجهد. بدئ العربي يحس بدوخة ويرغب في القيء بالإضافة إلى تبوله الكثير. زار الطبيب وشخص له مرض الإليتين, عاد إلى البيت مع زهور في أول موعد طبيب وهو منهار تماما. هدأت زهور من قلقه ووعدته أن كل شيء سيكون على مايرام. سيشفى لأن مرض البروستاتا لم يعد قاتلا وقد انتبه إليه في البداية قبل أن يتفاقم. عولج العربي لسنة كاملة بالشيميو وظلت زهور إلى جانبه ترعاه وتحنو عليه كأنه طفلها وليس زوجها.

خرج من منطقة الخطر وانتظرت زهور أن يعود الجنس بينهما. لم يعد العربي يرغب في النوم معها وهو الذي كان مشتعلا في السابق. لاينام إلا بعد أن ينال حصته كما يقول. كانا يمارسان الجنس كل يوم لأربعين عاما ولم يخلفا موعدهما إلا حين كانت زهور نفساء أو على حيض  وحتى في الأشهر الأخيرة من الحمل كان الجنس يربطهما.

كان الجنس والألفة مايشد العربي إلى زهور لكنه بعد العلاج فقد شهية الحب. انتظرت زهور سنتين بدون أن يلمسها العربي. أحست بجسدها يذوي وبجلدها يتشقق. كانت تحس جفافا في جلدها فعمدت إلى المراهم والكريمات. تظل تطلي طيلة اليوم لكن إحساس الجفاف لايغادرها. كانت تحس بنفسها عجوزا وتبكي طيلة الوقت. سيطرت عليها الأفكار السوداوية وخافت من نفسها. أصر عليها العربي أن تزور أخصائيا. وصف لها الأخصائي علاجا ونصحها بالذهاب للراحة في مستشفى للأمراض النفسية لأن ماتعانيه هي أعراض الإكتئاب.

ذهبت الى المستشفى وهناك حدث ما لم يكن بالحسبان. أحبت ريجيس. كان طويل القامة, أنيقا, عيناه ضاحكتان وردفاه قويان. كان يلبس أقمصة يظهر منها صدره المفتول. كانت لاتتوقف على النظر إليه. تلاحقه بعينيها, عيني عاشقة, امرأة تضطرم بداخلها الرغبات. كانت تضطرب حين يمر أمامها إلى أن ابتسم لها وهو ذاهب لتدخين سيجارته. كانت ترغب في سيجارة ولكنها لم تشئ أن تطلبها منه. فكرت في الأمر, تشجعت وطلبت منه سيجارة. أشعلها  ومدها إليها. حينها التقت اصابعهما وانفجر بداخلها بركان الرغبة. بدأت ترتعش ولم تكمل تدخين السيجارة. تحادثا عن أشياء كثيرة, عن سبب وجوده في المستشفى. حكى لها أن صديقته غادرته لتذهب للعمل في باريس وأنه أحس العالم خاليا بدونها.

تكررت بينهما اللقاءات يتحادثان بصدد حياتهما  ويعلقان على المرضى الآخرين الذين يظلون يحكون عن مرضهم إلى أن يمرضوا أكثر. حدثها عن انشغالاته السياسية في إطار جمعية لمحاربة العولمة. حدثها عن الوقفات والإضرابات وأشكال النضال ضد الرأسمال. أحبت أفكاره فهي أيضا لها أفكار عن العالم من حولها لكنها تركتها لتعتني بأطفالها وبزوجها. أحست مع ريجيس بالحرية والإنطلاق تماما عكس ماتشعر به مع العربي من استقرار وسكينة. كانت بحاجة إلى رجل يقتلعها من الروتين وضغط الواجبات.رجل يأخذها بقوة, بعنف وأن يجعلها تستمتع وتشبع من الحب.

مرت الأيام وصارا يلتقيان مرات عديدة في اليوم. يدخنان معا ويتكلمان. أخبرها بعد أسبوع أنه معجب بها وأن لها عيونا وصدرا جميلين. كان ينظر إليها باشتهاء. أحست بنظراته تخترق فستانها. قال أنه يريد الجنس معها وأنها شهية. همس لها أنه سيلحسها كما يلحس الآيس كريم. لذيذ هو الآيس كريم فكرت. قالت له أنها لاتريد أن تخسر العربي ورد عليها أنها لن تخسره. ستكون علاقتهما سرية. قال أيضا أنها تظلم نفسها بالإستغناء عن الجنس. لاتزال امرأة في أوج عنفوانها.

قاومته في البداية لكنه أصر , خاصرها بالرسائل الإلكترونية وبنظراته الشبقة. تحس عينيه ملصقتين الى نهديها الكبيرين.

جاء اليوم الذي سيرحل فيه ريجيس من المستشفى. كانت سعيدة من أجله لكنها أيضا كانت حزينة لأنه لن يقول لها الكلام العذب عن أنوثتها وجمالها.

نظرت في المرآة ووجدت نفسها جميلة. أعادت إكتشاف وجهها, شفتيها, أنفها, عينيها وأسنانها البيضاوين. لفت أمام المرآة ورأت جسدا متوقدا ومن الظلم أن تتوقف عن إشباعه. قررت أن تحكي للعربي وأن تقول له أنه عليه أن يتغير وأن يهبها ماتريد من حب وما تحتاج إليه.

خافت أن تدمر علاقتها بالعربي وتخسره فهي لاتعرف أن تعيش بدونه. لم تعرف رجلا آخرا في حياتها. كانت تريد أن تكون مخلصة لكنها كانت تريد أكثر أن ترتوي بماء الحب.

ظلت تجوب غرفتها ذهابا وإيابا وهي تمسك الهاتف. يكفي أن تكلم ريجيس لكي ترتوي, ستذهب معه إلى بيته وهناك تعريه وتلحسه وتمنحه جسدها سفينة للرغبات الدفينة.

ترددت قبل أن تحسم الموقف. قررت: سترى ريجيس وستستمر في زواجها مع العربي. أخذت الهاتف . كتبت رقم ريجيس. أجابها وقالت له “أريدك, انتظرني عند باب المستشفى.”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.