الرئيسية | سرديات | إدمان: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

إدمان: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

 زرتها من أجل بحث كنت أقوم به في الكلية، كانت قد اعتصمت بغرفتها لشهور، لا تغادر سريرها، كان اسمها جميلة وحكت لي قصتها في أول موعد بيننا.

 “منذ خمس سنوات وأنا أرتب حياتي من كل الجوانب. عدت إلى عملي كمحاسبة . أمارس رياضة الجيم والسباحة. توقفت عن التدخين وعن الشرب. حافظت على علاقتي مع سمير صديقي منذ خمس سنوات. لم أعد أرتاد الحانات الليلية وأتجنب كل أماكن السهر التي كنت أسهر فيها حتى الصبح وأخرج منها سكرانة وفي حضني رجل الليلة. عانيت من مرض مدمر لعشر سنوات، مرض مخجل ومستعصي : الإدمان الجنسي. هذا الإدمان قادني إلى مواقف سخيفة أخجل منها كالجنس في السيارات وفي الحدائق العامة وحتى في مراحيض البارات. كنت حينما أرى رجلا، أي رجل يشعل الشهوة بداخلي أسعى إليه وإلى النوم معه. لم يكن يرد في ذهني أن أحتاط او أحمي نفسي. الرغبة بداخلي لم تكن تنتظر، كنت على نار وجسدي من لهب. ما كان يهمني هو أن أتعرى، أن يخترق رجل جسدي وتنتهي العلاقة. عرفت رجالا كثرا لا أذكر حتى اسمائهم. لم أكن أسعى إلى الحب أو الزواج كما تحلم البنات. كانت الحياة لحظة اشتعال، لحظة إيلاج وخض للجسد وينتهي الأمر.كانت تستولي علي حالات من الهواجس واضطراب دقات القلب وارتعاد المفاصل وجفاف في الحلق إذا تأخرت عن ممارسة الجنس. أخرج إلى الشارع بالميني جوب وقميص عريان ومكياج فاقع. أذرع الشوارع إلى أن أصيد، أن أقتني رجلا أعود به الى البيت أو أستهلكه في أي مكان في المدينة او خارجها في الحقول والمزارع. عشت عشر سنوات على إيقاع الخطر ودفعت لرجال كثيرين مالا كي أمارس معهم. يسمونني النانفومان، أي المهووسة بالرجال. كان جيراني يعرفون بالأمر لكثرة ما رأو من أشكال تدخل إلى بيتي. صار وضعي يعرضني للحرج لكنني لم أكن أملك حلا غير الانصياع إلى رغباتي وأن أعيشها وأخفف عن نفسي ضغط الحاجة والإدمان. لم أحس بالخطر إلى أن أصبت بمرض عرف الديك: مرض جنسي. ذهبت للعلاج وهناك طلب الطبيب تحاليل لأمراض جنسية أخرى وللسيدا أيضا. قال أنه يجب التأكد. في انتظار نتيجة التحاليل عشت أفظع أسبوعين في حياتي. عشت في قلق المرض والموت. لأول مرة أفكر في موتي الخاص وفي حتمية النهاية. من قبل ذلك لم أشعر بذلك الشعور الذي يعرفه الجميع. لم أفكر في الموت يوما وكنت أعيش كأنني مخلدة ولا يهمني غير المتعة العابرة. أنجبت بدون زواج إبنتي كاميلا ولم أستطع العناية بها كما يجب لهذا أودعتها مدرسة داخلية لكي يتسنى لي أن أعيش متعتي أقصد إدماني. حين كنت في انتظار نتائج التحاليل قبعت في البيت ولأول مرة منذ سنين أحسست بلذة البقاء في البيت، القراءة ومشاهدة التلفاز وترتيب دواليبي. كنت أشعر بأعراض الإمتناع، بجفاف في الحلق وألم أسفل البطن وارتعاد الساقين وخواؤهما. قاومت تلك الأعراض، نمت طويلا وتناولت مهدءات. كدت أجن حين يحل الليل ولا صيد معي للسهرة. قاومت إلى أن أتى موعد زيارة طبيب نفساني. وجدت صعوبة في شرح حالتي وخجلت من نفسي. الطبيب شرح لي أن الأمر مرضي وأن إدمان الجنس هو مثل كل أشكال الإدمان الأخرى. تحادثنا قليلا عن طفولتي ومراهقتي. حدثته عن أمي التي كانت تشتغل راقصة في بار بباريس. نشات في شقة صغيرة بحي سان ميشيل هناك. كانت أمي تجلب رجالا كثيرين إلى البيت وكنت أسمع أصواتهم وهم يمارسون الجنس معها. كان الجنس عالما سريا وممتعا وأنا في سريري الصغير. كانت أصوات الإستمتاع تصل إلي مثيرة ولذيذة. هذا ما أذكره عن طفولتي في باريس. بعدها رحلنا إلى الجنوب . استمرت أمي في عادتها وكنت قد كبرت وصرت مراهقة. صرت أكرهها وأكره أصوات الحب. كنت غالبا ما أتعارك معها وأصفها بالعاهرة وبالمهووسة بالرجال. كنت مراهقة منعزلة ومتوحدة. لا أكلم أحدا ولا أعيش مثل باقي الفتيات. كنت أقضي وقتي في القراءة والإنصات إلى الموسيقى. لم أحس برغبات جنسية تجاه أحد وكنت أكره الرجال وأتجنب زملائي في الثانوية. إنشغلت بدراستي وأقسمت لنفسي أنني لن أكرر حياة أمي بل سأشتغل محاسبة وأركز في شغلي فشغلي هو الذي سينقذني من حياة الانحلال التي عشتها مع أمي. مرت السنوات واشتغلت محاسبة. التقيت زميلا في العمل، استلطفته ورأيت فيه رجلا مناسبا من أجل حياة مستقرة كنت أحلم بها. ارتبطنا بعلاقة عاطفية. لم أكن أموت فيه حبا. كان اختيارا عقلانيا محضا. كان إسمه شارل وكان وسيما. كنا نعد لزواجنا حين عدت ذات يوم على حين غفلة إلى البيت فرأيت ما قتلني من الداخل: رأيته في سريري مع امرأتين. كانت إحداهما تلامسه والأخرى تمص قضيبه.

أحسست بدوخة وأغمي علي. قادوني إلى المستشفى وهناك شخصوا لي انهيارا عصبيا. قبعت في المستشفى شهرا كاملا إلى أن تحسنت حالتي. خرجت من المستشفى وعدت إلى العمل. بدأت أحس برغبات جديدة وتستولي علي تهيؤات جنسية تجعلني أعاكس الرجال في الشارع وفي العمل. لم أكن أذهب معهم إلى ما بعد النظرات والكلام.

في تلك الفترة ماتت أمي بسكتة قلبية. اعتنيت بالجنازة والدفن. كان علي أن أرتب بيتها وأ صفي حاجياتها. فتحت دولاب ملابسها لكي أعطيها لجمعية خيرية. كنت آخذ الملابس قطعة قطعة، أجربها وأنظر إلى نفسي في المرآة. ملابس مغرية ستجعلني جميلة الجميلات. أحببت تلك الملابس وبدأت أخرج بها وأتماهى مع أمي. أتخيلني راقصة مثلها وأستعيد تاريخها مع الرجال. هكذا بدأت حكايتي مع هذا الوحش الذي بداخلي والذي يدفعني إلى السقوط والانحدار. أريد أن أشفى، أن أحب وأعيش مع رجل أخلص له.

منذ خمس سنوات وحياتي مرتبة لكنني اليوم ذهبت الى إلبار الذي كنت أسهر فيه خفت أن تعود الرغبات مرة أخرى. خفت أن أسقط من جديد. لا أريد أن أعود إلى تلك الحياة. لا أريد أن أشبه أمي. أرجوك ساعديني، أنت درست علم النفس وتعرفين كيف تعالج هاته الأشياء.. جلست في البار، أتى شاب وسيم، تحادثنا وخرجنا من البار وأنا ممسكة بذراعه، هل يمكن أن نهرب من تاريخنا؟ هل يمكن أن نتجاوز تماهياتنا مع من نحبهم وإن أعلننا اختلافنا معهم؟ لماذا يا أمي حكمت علي بالسقوط ولماذا يا إلهي تخليت عني وتركتني وحيدة مع جسد لا أفهم دوافعه؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.