محمد ناصر المولهي (تونس):
يصعب بل يستحيل تحديد مفهوم كلي للشعر وللقصيدة. أبدأ بتسمية قصيدة التي تخلص منها الخطاب الشعري ليصبح نصا، متخففا من كل ما يمكنه أن يثقل كاهله من إلزامات وزنية عروضية، رسخ اعتقاد خاطئ أنها الشكل الإيقاعي الوحيد الممكن، وزخرفة فضفاضة وزائدة بلاغية كانت أو لغوية.
لن أسعى إلى تعريف للشعر فالشعر قد يختلف مفهومه حتى عند الشاعر نفسه وحتى بين نص وآخر. لكن ما يرسخ قليلا ربما هو لماذا أكتب الشعر؟
في اعتقادي الخاص، الذي لا يمكنني أن ألزم به أحدا حتى نفسي وأشترك ربما مع آخرين سابقين أو لاحقين، كتابة السرد هي صنعة بينما الشعر رغم امتلاكه لجانب الصنعة إلا انه يحافظ على حركاته الانفعالية، التي تظهر خاصة في إيقاعه، ولا أقصد هنا الإيقاع الوزني أو حتى الصوتي الخارجي بل الإيقاع ككل متوسع. لذا النص الشعري عندي التقاء فريد بين لحظتي صفاء ذهني وروحي يركز طاقة كتابية على جزئيات قد تكون متناهية الصغر لخلق نفسه منها وإعادة خلقها بدورها، فالشعر هو الأقدر على أن يعيد إلى العالم بريقه ودهشته التي أفقدته إياها كثير من العوامل. ثم في هذا العالم المتسارع بشكل فوضوي، وحدها مرونة الشعر ولمعته البرقية القادرة على الإمساك به.
أكتب الشعر كحالة ذاتية خاصة من خلالها أحاول أن أرفع أمام ذاتي -أولا- صوت وحركة وعناصر ذاتي والآخرين، محاولا أن أكتب جزءا من العالم دون تحويله إلى أي شيء سوى نفسه كما أراها وتراها اعين كثيرة اكتسبتها وأكتسبها من ممارستي القرائية والحياتية.
لقد مضى زمن الشاعر المنبري النجم، ذاك الذي لا يتجاوز عند الآخرين آذانهم وانفعالهم، ومن يراهن اليوم على كتابة الشعر عليه أن يراهن أولا على أن هذا هو فعل لذاته أولا وللآخرين الذين في ذاتهثم خارجها. هناك كثيرون يكتبون كترف فكري وجمالي، لهم ذلك وليس لنا حق في مصادرة أي رأي او توجه، لكن في رأيي الخاص أنا – حتى وأنا اكتب ذاتي- فكتابة الشعر بالنسبة إلي موقف فكري وجمالي وأخلاقي أحاول أن أنصف به صوت كل هامش في العالم، وأدافع عن نفسي من التلف.