الرئيسية | أخبار | مثقفون مصريون فى وداع الناقد عبد المنعم تليمة | خالد حماد

مثقفون مصريون فى وداع الناقد عبد المنعم تليمة | خالد حماد

خالد حماد – القاهرة

فى وداع  عبد المنعم تليمة:

يقول الشاعر  زين  العابدين عنه انه  أستاذ الجامعة الذي رفض كل محاولات الافساد ،الناقد ،الذي واجه السلطة ،زميلي في جمعية كتاب الغد رحل منذ قليل، الناقد الأدبي الكبير الدكتور عبد المنعم تليمة؛ بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز الـ80 عامًا.

تخرج “تليمة” فى قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، جامعة القاهرة، سنة 1960، ثم حصل من الجامعة نفسها على درجة الماجستير في الأدب العربي الحديث سنة 1963، ودرجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث سنة 1966؛ كما حصل على دبلومة عامة في التربية وعلم النفس سنة 1961، ثم ليسانس في الآداب الكلاسيكية اليونانية واللاتينية سنة 1985 من جامعة عين شمس.

وعمل الراحل معيدًا بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، جامعة القاهرة حتى سنة 1967، وتدرج بالقسم نفسه من مدرس إلى أستاذ مساعد فأستاذ، ثم رئيس قسم من سنة 1994 حتى سنة 1997.

من أهم أعماله: “مقدمة في نظرية الأدب” 1973، “مدخل إلى علم الجمال الأدبي” 1978، “طرائق العرب في كتابة السيرة الذاتية” 1983، “نجيب محفوظ” 2001.

زميل السجن أيضا،الصديق عبد المنعم تليمة ,برحيلة يفتح كتاب الحياة لا كتاب الموتى.

ويضيف الشاعر  والكاتب الصحفي سيد محمود “أتصور أن تليمة كان أستاذا فريدا ، تجاوز تخصصه الضيق لإنتاج معرفة متكاملة فهو من أوائل  الذين حدثونا عّن العولمة قبل أن نقرأ عنها حرفا ، واذكر أن صالونه الذي واظب على انعقاده ليلة الخميس الاول من كل شهر لفترة جاوزت الخمسين عاما كان جامعة متكاملة مؤسسة على قواعد للحوار لا يمكن تجاوزها واستطاع عبره وهو أستاذ البلاغة والدراسات الأدبية أن يؤسس لبلاغة من النوع الإنساني ميزته عّن كافة زملائه الكبار ولعل أكثر ما يلفت النظر في مسيرته إلى جانب التزامه الوطني ما يمكن تسميته بالالتزام الاخلاقي للمثقف فظل يجاهر بآرائه التي تجاوز الأيديولوجيا فيها الى آفاق أوسع، وعلى الرغم من قلة مؤلفاته التي لم تجاوز كتابين أحدهما في نظرية الأدب والثاني مقدمة في علم الجمال إلا انه اعتبر تلاميذه كتبا تمشي على الأرض وكان يعتز جدا بالعمل مع فريق ، وهي عادة اكتسبها من سنوات إقامته باليابان فكان يتحدث عّن المؤسسة وليس الفرد وهي قيمة تفسر حزن تلاميذه البالغ لغيابه فهو معلم كبير لفن الحوار.

تلميذ العميد:

يعلق الناقد إيهاب الملاح: تليمة هو العالم والناقد والمفكر.. تتلمذت على يديه وتعلمت منه الكثير.. كان مثالا فذا ونموذجا عظيما لأستاذ الجامعة المشغول بهموم وطنه.. كناقد يعد تليمة تلميذا مباشرا من تلامذة العميد”طه حسين “. وشكلت جهوده النقدية تنظيرا وتطبيقا مدرسة أصيلة في النقد الأدبي تقوم دعائمها الأساس على منجزات علم الجمال الماركسي

يلفت  “الملاح “إلى كتابيه المرجعيين “مقدمة في نظرية الأدب ” ، :ومداخل إلى علم الجمال الأدبي” لا نظير لهما في الكتابة العربية المنهجية المنضبطة الصارمة.

يعلق الشاعر “أسامة حداد” قائلا بأننا فقدنا أحد المؤثرين والموجهين للثقافة فى مصر، المثقف والناقد الكبير عبد المنعم تليمة، صاحب الحضور الساطع ليس فى كتبه مثل مقدمة فى نظرية الأدب أو مدخل إلى علم الجمال الأدبي، بل من خلال صالونه الخاص فى منزله، حيث كان يرحب بالجميع ويحتفي بمحبة بالكتاب والمثقفين، هو الفارس فى خلافاته والمحب، الذى يحتضن الجميع، ولا يمكن أن أنسى مقولته الرائعة مع خلاف البعض حول قصيدة النثر ( نبحث عن الموسيقي لا الإيقاع ) كان بحق أحد المجدديين والمفكرين دون السعي خلف منصب أو سلطة وكانت قوته فى علمه وأدبه ومحبته …

ويشير الحداد إلى مشاركة تليمة فى تأسيس عدة جمعيات أدبية مثل الجمعية المصرية للأدب المقارن، والجمعية المصرية للدراسات اليونانية واللاتينية، والجمعية المصرية للنقد الأدبي.. ولا يمكن أن ننسي تواجده فى ندوات وأمسيات لمناقشة أعمال أجيال جديدة، وقدرته على التأويل والكشف ، والاحتفاء بالإبداع. لم يكن مجرد ناقد أو مفكر بل يمثل الأب الرحيم القادر على منح المحبة والعلم

القمر على جدارة:

يشير الكاتب الصحفى والناقد  الشاب ” عمر شهريار ” كان نموذجا للأب الحقيقي، الأب الحاني، المتخلص من أي أثر لسلطة الأب، كأنه قام بتصفية نموذج الأب من سلطويته، واحتفظ فقط بما يضمره النموذج من حنو ومحبة.

كان عبدالمنعم تليمة هو ذلك الأب الأستاذ، أو الأستاذ الأب، القادر دوما على أن يجمع المريدين حوله، كقطب كبير، دون أن يتعامل أبدا كقطب، بل كصديق للجميع، فمهما كان شأنك أو عمرك سيعاملك كصديق، وليس كمريد.

صالون الخميس، الذي كان يتفاخر بأنه لم يتوقف يوما منذ تأسيسه، كان كعبة للمثقفين من كل الأجيال والاتجاهات والمشارب، تقريبا مصر كلها مرت على هذا الصالون، وكأنها تبارك عقولها ببعض من نفحاته الطيبة، فقد كان جامعة وحده.

في هذا الصالون، كان لا يكف عن الحديث، كعاشق حقيقي، عن صوت عبد الوهاب وشعر شوقي، فضلا عن الحديث في السياسة والأيديولوجيا والفلسفة والأدب والنقد. كانت الأحاديث تتفرع من مسار إلى آخر، فيتدخل هنا ليلملم ما تناثر، ويجمع ما تنافر، وكأنه يضع نظرية.

في هذا الصالون، كان دائما يتحدث عن رواية يكتبها، عنوانها “قمر على جدارها”، والتي قال لنا إنه أخذ عنوانها من بيت شعر قديم، يقول (للأسف لا أذكر نص البيت، ولكن هذا معناه):

“نور القمر على جدارها

أجمل من على بيوت الناس”

وظللت سنوات أنتظر قراءتها مطبوعة، لكنها لم تخرج للنور أبدا.

ويرحم الله الأب والأستاذ والمثل عبدالمنعم تليمة، الذي كان القمر على جداره أجمل منه على بيوت الناس.

أستاذ الأساتذة:

يلفت  الناقد الشاب “مدحت صفوت ” إلى  أن “تليمة” ليس مجرد ناقد أكاديمي، هو مثقف لا ينفصل عن الواقع، تقريبًا لا تجد مساحة فاصلة بين ممارساته وخطاباته.. عاصر أجيال أدبية عدّة.. خساراتنا كبيرة بحجم عطاء تليمة، ولأن الراحل لم يكن يجري وراء فكرة إصدار الكتب، فأغلب رصيده المعرفيّ متناثر في مقالات ودراسات وفصول ببعض الكتب، أعتقد أنّه من الضروري العمل على جمعها.. «المثقف دور »، عبارة تنطبق على مسيرة المفكر والناقد الراحل عبد المنعم تليمة، ولم يكتف صاحب «علم الجمال الأدبي» بالكتابة والتأليف، وإنّما يمكن القول باطمئنان: عاش تليمة ما يكتبه وكتب ما يعيشه… وبالتالى خسرنا مثقفًا منتميًا للفكر الذى يسعى دومًا إلى التغيير، وينشد على امتداد العمر أن يتحول إلى ملموسات تمرر فى الواقع سواء عبر الكتابات أو الفعاليات التي شارك فيها أو نظمها، وأبرزها صالون تليمة الثقافيّ. كما عاش مخلصًا لعملية البحث في النظرية الأدبية، والتحقيب للمفاهيم وأصول الأفكار، غير منحاز فى مسيرته إلا للعلم ومنهجه الموضوعى وشمولية نظرته.

ويتابع “صفوت “كان المفكر الراحل لا يعتنى كثيرًا بفكرة نشر «الكتب»، ويفضل شكل المقال أو الدراسة المحددة، لذا لم ينشر طوال حياته سوى أربعة عناوين، بينما اكتفى بنشر باقي جهده الممتد إلى خمسة عقود في الدوريات العلمية والسيارة، الأمر الذي يستلزم جهدًا من تلاميذه في جمعه وترتيبه ونشره. ولا يخفى على متابع لمسيرة النقد الأدبي العربي انعدام المسافة تقريبًا بين خطابات تليمة النظرية وانحيازاته الجمالية، فالخطاب الذي يتمثل فى نص ينجزه مرسل ينتج ملفوظاته وفقًا لقواعد خاصة وغايات محدودة تتعين فى علاقتها فى المرسل إليه، لا يختلف كثيرًا عن الممارسة التي تجسده، وتقوم بها بها ذات تاريخية محملة بأحاسيس وانفعالات ورؤية محددة.

وضمن مسارات د.تليمة المتشعبة، التى سعى فيها وترك أثره العلمي، يبرز تقديمه لكتاب «فى الشعر الجاهلي» لعميد الأدب العربى طه حسين، فى طبعته الأولى قبل أن تتعرض للحذف إثر المعركة الثقافية الشهيرة 1926، ويعيد عميد الأدب العربى نشر مؤلفه بعنوان «فى الأدب الجاهلي». مصوبًا ما أشيع عن منهج طه حسين فى كتابه، والاعتماد على آليات الشكّ الديكارتي، بينما كان النهج الغالب على فصول الكتاب هو المنهج النقدى التقويمى العقلى الذى تعتمده الدوائر العلمية الحديثة.

فقدان المثقف العضوي بفقدان عبد المنعم تليمة:

يلفت الكاتب القاص  “صابر رشدى”  إلى أن بغياب الناقد المصرى الكبير د. عبد المنعم تليمة عن الحياة الثقافية والسياسية كأحد أبرز الوجوه التى شغلت موقعا بارزا فى العقول لعقود طويلة ، تنتهى حقبة كاملة كانت تفيض بالعديد من طبقة الأنتلجنسيا الطليعية .  فقدنا برحيله المثقف العضوى ، الذى يتخذ مسافة بينه وبين السلطة ، أي سلطة، حتى يستطيع أن يرى ، دون تشويش من أى جهة قد تؤثر على تحليلاته للراهن . كان للرجل سطوة هائلة على أجيال أدبية وسياسية ، محملة بأفكار راديكالية وتحلم بغد أفضل ، أكثر إنسانية . رأيته  دمثا في صالونه الشهير عندما زرته فى بيته ، كما كان محبوبا ومقدرا من مريديه، وكم كانت أفكاره تثير نوعا من الجدل والنقاش المحترم ، ككم كان أنيقا، كنجم سينمائى، يذكرك بهؤلاء الأدباء ميسوري الحال الذين كنا نراهم بالروب دى شامبر فى الأفلام القديمة ، جميلا ، دمثا وخلوقا ، نائيا بنفسه عن الإنهيارات السياسية العنيفة التى ضربت كل الرموز، ونالت من الجميع . عبد المنعم تليمة ناقد كبير ، ولكنه لجأ إلى الصمت فى الفترة الأخيرة ، يحضر الندوات على استحياء ، بون بهجة أو سعادة ، تاركا كل شئ للوافدين الجدد ، وعشاق الشهرة  الذين احتكروا وظيفة الأدب دون أى أفق معرفي ويتحدثون فى كل شئ. مع انسحاب الرجل تدخل أيضا فكرة اليسار النظيف الى النسيان.

رحيل آخر النقاد  الملتزمين بالايدلوجيا:

ويشير الناقد والأكاديمى “محمد سليم شوشة ” على أن رحيل تليمة آخر النقاد الملتزمين بالأيديولوجيا ، لعل أهم ما يميز الناقد الكبير الراحل الدكتور عبد المنعم تليمة هو أنه كان ناقدا ملتزما بأيديولوجيا وهو من آخر ذلك الجيل الذي يعرف مساره واتجاهه، فهو ناقد لم يخف أيديولجيته مثلما فعل الجيل التالي الذي حسب أن متطلبات عصرهم على رأسها التحرر من الالتزام الأيديولوجي. الحقيقة أن من جهود العلم الراحل التي نشأت بشكل تلقائي مع الزمن هو تلاميذه من النقاد والمبدعين. لقد كانت طاقته الشفاهية في توجيه الباحثين عظيمة، وكان قادرا دائما على أن يشكل رأيا واتجاها نقديا عبر المحاورات والجلسات الشفاهية فقط، وهو الأمر الذي لم يكن متاحا أو ممكنا مع آخرين من النقاد. وفي ظني أن الالتزام هذا الذي أتحدث عنه هو الذي كان يجعله دائما مدفوعا إلى هذه الطاقة التوجيهية لتلامذته والحقيقة أنهم كثيرون وليسوا مقصورين على النقد الأكاديمي، وهذا الأمر الأخير يؤكد الطابع الشفاهي القيّم والجاد من وقت مبكر من خمسينات وستينيات القرن الماضي، ويؤكد أنه كان يتحدث دائما مستوى سهلا من الحوار الأدبي مع كافة الأدباء وأنه لم يكن يوما النموذج الأكاديمي الذي نعاني منه الآن من الانكفاء على الذات والابتعاد عن نبض الحياة الأدبية والتماس معها بروحه والرغبة الكبير في التأثير.

عبد المنعم تليمة أو عندما لا تستطيع الحديث أمام الكبار:

وقد علق  الكاتب المغربي “هشام مشبال ” قائلا منذ أن وعيت على دنيا الأدب سمعت اسم الدكتور عبد المنعم تليمة. كان مشرفا على رسالة الماجستير التي أعدها أخي محمد مشبال في جامعة القاهرة في بداية الثمانينات. حصل أخي على الماجستير الذي لم أكن أعرف معناه حينئذ، لكني أعرف أنه يحمل قيمة كبيرة. لقد كان مرتبطا عندي بتلك الورقة الكبيرة التي تعلق على الجدار؛ صفراء اللون ومكتوبة بخط مضغوط.. وعليها أسماء ذات قيمة في عالم الادب ومنها اسم عبد المنعم تليمة. ظل اسم الرجل يتردد في ذهني ولم أكن أتوقع أني سألقاه ذات يوم. وقبل سنوات عديدة زرت جامعة القاهرة أنا وأخي والدكتور محمد الأمين المؤدب، دخلنا مكتبا في شعبة اللغة العربية. وإذا بي أرى الرجل جالسا في مكتبه؛ صافحناه وأنا أتأمل ملامحه التي اختزنتها ذاكرتي من خلال الصور التي ملأت بيت العائلة.. كان صوته مميزا وحركات وجهه أيضا. التزمت الصمت.. شعرت أني لا أستطيع الحديث أمام الكبار. لكني أيضا كنت أتأمل أخي محمد وهو يصافح أستاذه بحرارة وتقدير كبيرين يختزلان عشرين عاما من الغياب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.