الرئيسية | فكر ونقد | قراءة في ” ظاهرة أطفال الشوارع – دراسة ميدانية – للدكتور محمد مومن | سعيد بلفقيه

قراءة في ” ظاهرة أطفال الشوارع – دراسة ميدانية – للدكتور محمد مومن | سعيد بلفقيه

سعيد بلفقيه- باحث سوسيوتربوي –

تتوزع مضامين كتاب “ظاهرة أطفال الشوارع في المغرب – دراسة ميدانية – على قسمين قام خلالهما الدكتور الباحث ” امحمد مومن ” في القسم الأول بالتأصيل النظري والمنهجي لأطروحته بشكل علمي وأكاديمي،و هو القسم الذي يضم مقدمة عامة و فصلا أولا عن المقاربة التنشئوية للطفل بين الأسرة و المجتمع، ثم لامس من خلال الفصل الثاني واقع حال المنظمات و المؤسسات المهتمة بأطفال الشوارع، فيما تناول القسم الثاني من الكتاب، نتائج البحث عبر عرض ووصف عينة البحث ، ثم الإنتقال إلى تحليل أسباب وعوامل ظاهرة أطفال الشوارع في الفصل الثاني ، أتبعه بالتطرق الوصفي للمعيش اليومي لأطفال الشوارع و مساءلة انتظاراتهم و تمثلاتهم في الفصل الثالث، ليعرج بعد ذلك الدكتور الباحث في نهاية الفصل الرابع من ذات القسم إلى فصل رابع لتحليل الظاهرة بين الاهتمامات الحكومية و غير الحكومية و تحديات الواقع. وقد خلص الباحث في كتابه الذي جاء في 182 صفحة إلى جملة من الإقتراحات والتدابير العملية للقضاء أو للحد من انتشار هذه الظاهرة ، التي تكشف مدى الهشاشة الاجتماعية التي يعيش في ظلها من يفترض أنهم أمل المستقبل، مع تقديمه لمقترحات عملية لإعادة إدماج أطفال الشوارع بالمغرب قادرة على استيعاب الظاهرة.

ولإضفاء الطابع العلمي على الدراسة ،وباعتماد المنهج الوصفي التشخيصي في تجميع المعطيات والأرقام الخاصة بالظاهرة في النطاق الجغرافي الذي حدده الباحث(مدينتي سلا والرباط) ،فقد تم اعتماد تقنية المقابلة مع العينة التي تم اختيارها من الأطفال موضوع الدراسة، كأسلوب يتميز بالدقة في تحصيل المعلومات.ولاستكمال تجميع المعطيات واستطلاع رأي باقي المتدخلين من أطرافٍ تعتبر محورية للإلمام بالدراسة،اعتمد الباحث كذلك ،تقنية المقابلة مع المسؤولين الحكوميين ذوو الإرتباط بموضوع البحث، بالإضافة الى اعتماد تقنية الاستمارة في تحصيل المعلومات من الأطر الجمعوية القائمة على رعاية هذا النوع من الأطفال. كما اعتمد الباحث على تقنية الملاحظة العلمية الميدانية و كذا الإحصاء و تحليل محتوى المعطيات المتوصل إليها مذكرا بالصعوبات التي اعترت مسار البحث من بينها صعوبة التنقل و تتبع هده الفئة عن كثب بالإضافة إلى صعوبة إقناع الأطفال موضوع البحث والمقابلة بكون العملية تأتي في إطار بحث علمي بما يتطلبه ذلك من أدوات ولغة تبسيطية.

وبالإنتقال إلى محتوى الكتاب، فقد ركز الدكتور الباحث “امحمد مومن” في مقدمة كتابه الصادر عن طوب بريس بالرباط ماي 2010 على اعتبار الإهتمام والرعاية بالطفولة من المعايير الأساسية للتقدم الحضاري لأي مجتمع ،وذلك لكونها تشكل عماد مستقبله وضمان استمراريته،لذا يؤكد الدكتور على أهمية تحصينها من المخاطر والظواهر التي تفرزها صراعات وتعقدات العلاقات التي تربط أفراد المجتمع فيما بينهم، وبينهم وبين المؤسسات الإجتماعية خصوصا تلك التي تؤدي إلى بروز ظواهر ومشكلات اجتماعية تهدد مستقبل الطفولة ،وعلى رأسها ظاهرة أطفال الشوارع التي اعتبرها المؤلف ظاهرة كونية آخذة في الإنتشار والنمو إن على مستوى الدول النامية أو المتقدمة ،الشيء الذي يفرض ضرورة مضاعفة الجهود للحد منها وتمكين الطفولة من  ظروف العيش الكريم من مأكل وملبس وتنشئة اجتماعية سليمة.واعتبارا لكون الظاهرة عالمية،فقد أشار المؤلف إلى كونها غزت مختلف العواصم والمدن الرئيسية للدول العربية نظرا للتغبرات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي عرفتها هذه الدول،كالزيادة المطردة للسكان،التفكك الأسري،الأمية،سوء معاملة الأطفال،التسول،انخفاض مستوى دخل الفرد،ازدياد معدلات التسرب الدراسي،وتشغيل الأطفال،كل ذلك ساهم في تهييء المناخ إلى ازدياد حدة مشكلات الطفولة من بينها ظاهرة ” أطفال الشوارع “.

ويعتبر المغرب، كما أورد الباحث،من بين الدول التي استفحلت فيها هذه الظاهرة الحديثة نسبيا ،فقد أعلنت عن نفسها مشكلة اجتماعية مع بداية الثمانينات عند تطبيق سياسة التقويم الهيكلي التي أثرت سلبا على الخدمات الاجتماعية ،تولدت على إثرها العديد من الظواهر التي مست مختلف الشرائح الاجتماعية من قبيل الفقر،البطالة،الأمية،الهجرة القروية،مما أدى إلى بروز عدد من الظواهر والمشكلات الاجتماعية من بينها ” ظاهرة أطفال الشوارع ” التي أفرزت عدد من المظاهر والمشكلات الاجتماعية في المدن الكبرى كالباعة المتجولون وماسحي الأحذية والمتسولون وباعة السجائر بالتقسيط وحراس السيارات وأصناف عديدة من المهملين والمشردين من الأطفال إلى غيرها من المهن التي امتهنها هؤلاء بعيدة عن قيم الكرامة الإنسانية .

ولعل بروز هذه الظاهرة والإعلان عن نفسها كظاهرة اجتماعية جلية للعيان يقول المؤلف،فقد كانت محط فضول علمي لدراسات حديثة ، وبالرغم من جزئيتها ومحدوديتها من طرف باحثين مغاربة ،إلا أنهم تمكنوا من استخلاص بعض المؤشرات والخلاصات،حيث أجملوا مسببات الظاهرة في كونها ناجمة عن قصور التنشئة الاجتماعية والنمو الديغرافي وتطور الأسرة،والفقر المدقع الذي اكتسح الحياة في الجهات المهمشة،إضافة إلى  كون انحدار ضحايا الظاهرة من الدروب والأحياء الشعبية المهمشة ومن مدن الصفيح والأحياء الناشئة على أحزمة الفقر بالمدن،علاوة على الهجرة القروية المتواصلة بسبب البؤس والظلم .كما توصل هؤلاء الباحثون إلى كون أطفال الشارع ،هم أطفال غير مرغوب فيهم أو مشردون أو منبوذون أو نازحون من القرى حرموا مبكرا من التربية والتمدرس ومن مقومات حياة الطفولة العادية.

وإذا كانت إحصائيات وزارة التخطيط والتوقعات الإقتصادية ( آنذاك ) تقول أن عدد الأطفال المتخلى عنهم في المغرب حوالي 400 ألف طفل ،وأن عدد أطفال الشوارع يقدر بحوالي 240 ألف طفل،فإن الباحثين والمختصين في المجال يؤكدون أن الظاهرة هي في اتساع مستمر وان تقديرات العين المجردة تكبر بكثير الأرقام المعلن عنها رسميا،على اعتبار،يقول المؤلف أن نسبة الفقر ونسبة الهدر المدرسي كعاملان أساسيان في تفاقم الظاهرة هما في ازدياد متواصل ومستمر أيضا. ولعل زئبقية الظاهرة يجعلها تستعصي على الحصر الإحصائي ،حيث استدل الدكتور مومن بدراسات بعض مكونات المجتمع المدني المهتم بأطفال الشارع كجمعية ” ساعة الفرح ” التي أعلنت عن حوالي 4000 طفل ما بين 1993 و 1995 ،في حين أن البحث الذي أجرته ” الجمعية المغربية للأطفال في وضعية غير مستقرة ” فقد تم إحصاء 500 حالة لأطفال الشوارع ،

وفي إطار التأصيل النظري للظاهرة، تطرق الباحث في الفصل الأول من القسم الأول من أطروحته إلى بعض مكونات منظومة التنشئة الإجتماعية،متطرقا للمفهوم السوسيولوجي للأسرة ومكانتها في المجتمع ومدى تأثيرها على تنشئة الطفل كجسر اجتماعي ناقل للقيم والمعارف الثقافية والإجتماعية،وكمصدر ومنبع لإشباع حاجة الطفل إلى ألأمن الطمأنينة و العلاقات الوجدانية،على اعتبار أنها تقدم النموذج الأمثل للقدوة الحسنة من خلال الدور المركزي الذي يلعبه الأبوين في التنشئة من جهة ،وتأثير غيابهما أو الحرمان منهما على تنشئة ونفسية الطفل من جهة أخرى.

لينتقل الكاتب بعد ذلك الى بسط تقديم حول التربية والتعليم بصفة عامة، وتناول مؤسسة المدرسة كحلقة من حلقات التنشئة الاجتماعية للطفل والتركيز على مفهوم المدرسة ، ومدى أهميتها  في تنشئة الطفل و علاقتها بالمجتمع بصفة خاصة مبرزا الفرق بين التعليم في الوسطين الحضري والقروي .

ولإبراز مكانة الطفل من خلال التحولات الطارئة على مؤسستي الأسرة والمدرسة،ركز الباحث بداية على التغيرات التي عرفتها الأسرة من خلال الجدل القائم حول علاقتها بالطفل،والذي بسطه المؤلف في اتجاهين متباينين،حيث يرى الأول إيجابية التحولات التي كرست تقليص السلطة المطلقة للأسرة وخاصة الأب على الأبناء،في حين يرى الإتجاه الثاني سلبية هذه التحولات التي حولت الأسرة من مؤسسة اجتماعية إلى مؤسسة للسكن والإستهلاك بما تبع ذلك من فقدان السيطرة على الأبناء والقصور عن القيام بالمهام التنشئوية المناطة بها مجتمعيا.

وفي نفس السياق،تطرق الكاتب إلى التحولات التي طرأت على مؤسسة المدرسة متحدثا عن صورتها التقليدية التي كانت تتمركز في ادائها التنشئوي على محورية المعلم في العملية التعليمية وأن التلميذ/الطفل هو الذي يدور في فلك هذه العملية،في حين التربية التي أفرزتها التحولات التي عرفتها هذه المؤسسة نحت بها نحو قلب الموازين واعتبرت أن التلميذ/الطفل هو مركز العملية التعليمية بما يتطلبه ذلك من الإلمام بخصوصياته والتي تحدد احتياجاته التي تنبني عليها البرامج والمناهج مع اعتماد مبدأ الإشراك ضمانا للفعالية والتفاعل.

ولمسائلة الواقع أخضع الباحث الظاهرة لدراسة استقصائية من خلال الفصل الثاني الذي تناول فيه واقع حال المنظمات والمؤسسات المهتمة بأطفال الشوارع.بدءا بالمنظمات غير الحكومية ودورها في هذا المجال(الجمعية المغربية للأطفال في وضعية غير مستقرة بالرباط كنموذج) ،كما لامس الباحث دور المؤسسات الحكومية في شخص مراكز حماية الطفولة التي كانت موضوع  سرد كرونولوجي لنشأتها والأدوار المناطة بها خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ،كما عرج الباحث على سرد نظرة تاريخية حول هذه المراكز بالمغرب،حيث أسهب في إغناء البحث بتاريخ وطبيعة نشأتها سواء قبل أو بعد الإستقلال،ومدى التطور الذي عرفته والتوزيع الذي أضحت عليه منذ 1998 كمؤسسات إقليمية ووطنية مختصة في إعادة التربية ،علاوة على الأندية الجهوية للعمل الإجتماعي.

 

واعتبارا لكون أي دراسة ميدانية لا تستقيم إلا بإخضاعها للتشريح العلمي  والأكاديمي،فقد آثر الدكتور الباحث على الإهتداء بالجانب التطبيقي والميداني من خلال وصف مفصل لعينة البحث وتقديمها في أرقام وبيانات إحصائية جاءت متباينة من حيث السن والجنس ،ذلك أن خريطة عينة البحث تبين  أن الذكور من9 الى 11 سنة 21 حالة بنسبة 90. 15 % من المجموع العام للأطفال من نفس الجنس في حين الإناث 3 حالات بنسبة27. 27 من مجموع الحالات ، وما بين 12 و 14 سنة نجد 73 ذكور بنسبة 31. 55 و الإناث 6 ب 54. 54 ، و فئة 15 الى 18 سنة 38 عنصرا من الذكور بنسبة 79. 28% و 2 من الإناث ب 19. 18% ليعطي مجموع 132 حالة ذكور و 11 حالة إناث و بالتالي ما مجموعه 143 ،وهو عدد الحالات موضوع البحث.أما الجانب المرتبط بالمستوى الدراسي (الوضع التعليمي)  فقد تم تقديمه من خلال أن أغلبية الأطفال الذين تمت مقابلتهم لم يتجاوز مستواهم الدراسي ” الأساسي ” حيث شكلت النسبة 12. 37 % بالنسبة للذكور ، مقابل 27. 22% بالنسبة للإناث مع غياب تام لأي مستوى ثانوي بالنسبة للذكور أو الإناث ، و حتى وان تمكنوا من التمدرس كانوا ضحايا الهدر في السنوات الأولى من التعليم الأساسي ، حيث شكلت نسبة المنقطعين عن الدراسة 67. 16 % بالنسبة للذكور ، مقابل 37. 36 % بالنسبة للإناث ،و يرجع كل هدا حسب هده الفئة الى الأحوال الاقتصادية للأسرة و المتمثلة في الفقر.

أما الغير المتمدرسين بالنسبة للذكور فقد بلغت نسبتهم 39. 14 % ، في حين بلغت نسبة الإناث 27. 27% ،

أما فيما يخص البيانات الخاصة بالعينة الممثلة للأطر التربوية ، فنجد تتوزع حسب الجنس بأرقام متقاربة ،حيث ان الذكور يشكلون ما مجموعه 16 إطار ، أي نسبة 33. 53% ، و الإناث ما عدده 14مربية أي 67. 46 % مما يدل على أن الجمعية المغربية للأطفال في وضعية غير مستقرة تتوفر على أطر متكافئة من حيث الجنس.

أما من حيث المستوى التعليمي، فنسجل أن نسبة34. 73 % من الأطر ،حاصلون على مستوى جامعي ، أما الذين لديهم مستوى إعدادي فيشكلون نسبة 66. 16% ٠

وفي ما يخص توزيع عينة الأطر حسب المهام المناطة إليهم داخل الجمعية ،فإن تشكل نسبة 100% ،حيث أن كل الأطر المبحوثة تقوم بمهمة ما. تمثل فيها مهمة التنشيط 39. 17 بالإضافة الى مهام أخرى مستندة على المؤهلات والكفاءات المهنية.

وبمنطق الإحصائيات دائما،قدم الباحث أسباب وعوامل ظاهرة أطفال الشوارع،من خلال الوضع الإجتماعي ومدى توفر الأطفال المبحوثين على أسرة أو عدم توفرها،إذ نسجل أن 114 طفل من أصل 143 مستجوبا كانوا يتوفرون على أسرة إذ تصل نسبة الى 06. 81% بالنسبة للذكور،و63.63% بالنسبة للإناث ، و تبقى نسبة قليلة 82. 6 % من الذكور لم تحدد رأيها بشكل واضح و دقيق في هذا الشأن.أما من حيث توزيع ألأطفال المستجوبين حسب مجال السكن الأصلي للأسرة قبل إلتحاقهم بالشارع،فقد خلصت الدراسة إلى أن نسبة اطفال الشوارع بالرباط وسلا تنتمي أكثر الى الأواسط شبه حضرية ، و ذلك بنسبة31. 53% على مستوى الذكور ، مقابل 64. 63% على مستوى الإناث .أما نسبة الأطفال القرويين ،فتمثل 91. 15 % ذكور مقابل01. 9 % إناث.

 أما توزيع الأطفال حسب المدن التي ينتمون إليها قبل التحاقهم بالشارع فإن 68 طفلا 62 ذكور و 6 إناث من أصل مدينة سلا إذ تبلغ نسبتهم 96. 46% بالنسبة للذكور و 54. 54% إناث ، ثم نسبة 78. 28% من الذكور مقابل 03. 27% أي 41 طفلا 38 ذكور و 3 إناث كانوا يقطنون بمدينة الرباط، في حين أن النسبة الباقية تهم فقط الذكور تصل ما بين 31. 5% و 76. 0 من الأطفال كانوا يسكنون في المدن المجاورة للرباط و سلا ( تمارة ، القنيطرة ، تفلت ، الدار البيضاء) .

في حين جاء توزيع الأطفال حسب عدد أفراد الأسرة على النحو التالي: 50% ذكور 54. 54% إناثا من أفراد العينة المبحوثة، تتكون أسرها من 6 الى 8 أفراد،و 36. 36% ذكور و 27. 27% إناث يتكون عدد أفراد أسرها من 3 الى 5 أفراد،و 64. 13% ذكور و 19. 18% إناث يتجاوز عدد أفرادها 8 أشخاص.

و هناك توزيعين آخرين هما اطفال الشوارع حسب وضعية للأسرة، و توزيع اطفال الشوارع انطلاقا من عدد الإخوة.أما الوضع الاقتصادي للأسرة، فالنسبة الكبيرة من الأطفال المستجوبين ينتمون الى أسر من الطبقة الضعيفة بوضعية سيئة للمساكن التي كان يقطنها هؤلاء الأطفال قبل التحاقهم بالشارع نسبة كبيرة منها بدون كهرباء و بدون ماء و بدون مرفق صحي، وأكثر من 50% من عائلات الأطفال 90. 40% بالنسبة للذكور ة 54. 54% بالنسبة للإناث كانوا يستقرون في غرفة واحدة.

أما الوضع الإجتماعي للأسرة : فنسبة مجال السكن الأصلي لأسر الأطفال المستجوبين تنتمي أكثر إلى الأواسط شبه حضرية و حضرية ، وغالبيتهم من الرباط و سلا ،ويبقى التفكك الأسري قائم لدى غالبية المبحوثين من الأطفال ( الطلاق ، الهجر) على الرغم من وجود أركان الأسرة بالنسبة لبعض المبحوثين

أما بالنسبة للوضع الثقافي لأسر الأطفال المبحوثين،فهو وضع جد متدني بسبب تفشي الأمية بشكل مهول لدى آباء وأمهات الأطفال  عينة  بلغت 74. 65%  لدى الأمهات.

أما الجانب ألعلائقي للأسرة : فيتميز بسوء العلاقة بين الوالدين من جهة و بين الإخوة و الوالدين من جهة أخرى،وبين الإخوة أنفسهم من جهة ثالثة،مما أثر سلبا على تنشئتهم الاجتماعية  يخلق لدى الأطفال عدم التكيف و الانضباط داخل الأسرة مما أدي بهم الى النفور و الخروج الى الشارع والانحراف.

وعن وضع المعيش اليومي لهؤلاء الأطفال،ومدى ،فقد خلص الباحث إلى نتائج تجسدت في كون معظم أطفال الشوارع هم ضحايا الفقر و الاحتياج و طلاق الوالدين والوفاة و النزاعات العائلية و تخلي و الأب أو الأم عن الطفل حيث تساهم هذه الأسباب بشكل كبير في حدوث الظاهرة.وقد أشار الدكتور الباحث أن الفئة المحاورة حديثة في الشارع – أقل من سنة –وتشكل الأغلبية من المبحوثين، 23. 46% بالنسبة للذكور و 54. 54% بالنسبة للإناث غالبيتهم ينصهرون في أنشطة وأعمال يمارسها ألأطفال الذين سبقوهم إلى  العيش بالشارع كبيع أكياس البلاستيك ، و مسح الأحذية و مسح زجاج السيارات وبيع مناديل الكلينكس و ممارسة التسول و بيع السجائر،في أماكن عمومية يتردد عليها جل أطفال الشارع من قبيل،محطات السكك الحديدية والمحطات الطرقية ، وإشارات المرور ومواقف السيارات والحدائق العمومية في وقت الراحة ،و الأسواق و المتاجر العصرية و المقاهي و المطاعم و جوار المساجد،. مع ما ينجم عن ذلك من صعوبة العيش و سوء المعاملة و الضرب والشتم و الإصابة بالأمراض والتعرض لأبشع صور الاستغلال الجنسي، وهذه جملة من أهم المشاكل والمخاطر التي يتعرض لها أطفال الشوارع. غالبيتهم يحملون صورة سلبية عن ذواتهم .

 وبالنسبة للإنتظارت والتمثلات المرتبطة بإعادة الإدماج المعبر عنها من طرف هؤلاء الأطفال،فإن أكثر من 80 % من هؤلاء المستجوبون يوافقون على إعادة إدماجهم بالمجتمع بنسبة 36. 86% بالنسبة للذكور و81. 81% بالنسبة للإناث.في حين أكثر من 80% بالنسبة للذكور و 60% بالنسبة للإناث يرغبون في العودة الى الأسرة،وأكثر من 90% من هؤلاء الأطفال والطفلات يرغبون في الحصول على عمل.

وغالبية طفلات الشوارع يرغبن في العودة الى المدرسة بنسبة 67. 66% مقابل الأقلية من الأطفال الذكور 97. 35% فضلوا نفس الاختيار.

وبعد تقديم مختلف البيانات الرقمية الخاصة بعينة البحث،ولنقلِ الرؤية الحكومية وغير الحكومية حول الظاهرة والعراقيل والصعوبات التي تلاقيها في برامجها التدخلية لإدماج هؤلاء الأطفال في المجتمع، انتقل الباحث إلى عرض خلاصات اللقاءات والمقابلات التي أجراها مع عشرة من المسؤولين الحكوميين من كتابة الدولة المكلفة  بالأسرة و الطفولة و المعاقين و مجموعة من الوزارات ،وكذا رؤية مكون من مكونات الجهات غير حكومية (أطر الجمعية المغربية للأطفال في وضعية غير مستقرة) حول مقاربة ظاهرة أطفال الشوارع بين الاهتمامات الحكومية وغير الحكومية و تحديات الواقع .

وقد أجمل الباحث رؤية المسؤولين الحكوميين كما يلي :

  • عدم توفير الإمكانيات الضرورية المادية والبشرية

  • غياب إصلاح شامل للظروف الإقتصادية المحيطة بالأسرة المغربية

  • غياب رؤية موحدة ومعايير مشتركة بالنسبة لعمل المنظمات المهتمة بالظاهرة

  • عدم تمكن القطاعات الحكومية المعنية من وضع تقييمات موضوعية وشفافة في إطار شراكاتها مع المنظمات غير الحكومية المعنية

  • عدم الإستحقاق والتخصص لبعض المنظمات المتدخلة في هذا المجال في منحها صفة النفع العام من طرف الدولة،الشيء الذي ينعكس سلبا على مشروعها التدخلي والإدماجى لهؤلاء الأطفال

  • غياب آلية التنسيق والتنفيذ والمتابعة والتقييم سواء بالنسبة للعمل الحكومي أو غير الحكومي المخصص لمحاربة هذه الظاهرة .

أما بالنسبة لرؤية الشركاء المتدخلين في الظاهرة،وللوقوف على حقيقة واقع اهتمام المنظمات غير الحكومية المهتمة بقضايا الأطفال في وضعية صعبة ،أطفال الشوارع نموذجا،فقد قام الدكتور الباحث باستطلاع رأي أطر الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية غير مستقرة بمدينتي الرباط وسلا حول العراقيل والصعوبات التي تعترض المشاريع التدخلية للجمعية،حيث أشاروا إلى ما يلي :

  • غياب الأطر المتخصصة في معالجة الظاهرة(الأخصائي الإجتماعي والطبيب النفسي)

  • عراقيل إدارية

  • عراقيل السلطات المحلية،خاصة بالنسبة لمربي الوسط الطبيعي(الشارع)في علاقته بطفل الشارع أثناء استقطابه وإقناعه بالإلتحاق بمراكز استقبال الجمعية.

  • رجوع الطفل إلى الشارع ومغادرته لمراكز الجمعية مجبرا من طرف أسرته ،وهذا نموذج للحالات المستعصية.

ولتطويق الظاهرة وحصرها،أفاد 40% من الأطر المستجوبة أن إعادة هؤلاء الأطفال إلى أسرهم – إن وجدت- يبقى هو الطريقة أو الأسلوب الأكثر نجاعة ،في حين ارتأى 33.33 % من المبحوثين ذاتهم،أن التكفل بهؤلاء الأطفال في مراكز مختصة هو الأسلوب المناسب لها.أما 20% من نفس الأطر،فتؤكد على أهمية الإعتناء بهؤلاء الأطفال في وسطهم الطبيعي(الشارع). بينما أقرت 6.66 % من الأطر المستجوبة بأهمية التكفل بهؤلاء الأطفال من طرف الأسر البديلة كأسلوب من أساليب الإنقاذ.

وإجمالا ،فقد وقف الباحث على فشل المحاولات والتدابير القائمة من طرف الجهات الحكومية وغير الحكومية  لاحتواء ظاهرة أطفال الشوارع ،نظرا- كما يقول الباحث – لافتقارها للفعالية والنجاعة ليخلص بذلك إلى ثبوت فرضيته المرتبطة لعدم فعالية التدابير الوقائية والعلاجية المتخذة،واستمرار تزايد الظاهرة في التفاقم والإنتشار وإعادة الإنتاج،وبالتالي يمكن تعميم الفرضية على مجتمع البحث يختم الدكتور الباحث هذا الفصل.

وبناءا على خلاصات الدراسة ونتائجها،يقول الدكتور الباحث أنه للقضاء على آفة أطفال الشوارع بالمغرب،فإن الوضع يستلزم ضرورة تضافر جهود كل الهيئات والمؤسسات الرسمية والخاصة ومواطنين لأنها تعتبر مسؤولية الجميع،لهذا أوصى بإلزامية القيام بتدخلات على المستويات المختلفة التالية :

– المستوى الأول : وينبني على انتهاج سياسات عامة طويلة المدى تعالج الإختلالات المجتمعية التي تساعد على إفراز ظاهرة ” أطفال الشوارع ” ،وتوسيع نطاق المشاركة الجماعية ما يسمح للجميع بالتعبير عن رأيه ، كما يجب التأكيد على ضرورة إصلاح و تفعيل منظومة التربية و التكوين و تطبيق مجانية التعليم ، ووقف التسرب المدرسي.

– المستوى الثاني : ويتمثل في سياسات قصيرة ومتوسطة المدى ، مثل العمل على توفير قاعدة بيانات تشمل معرفة حجم الظاهرة و سمات أطفال الشوارع وأسباب تواجدهم في الشوارع و استراتيجيات الاستمرارية التي يتبناها هؤلاء الأطفال حتى يمكن بناء السياسات و التدخلات من أجل نتائج ايجابية

( انتظارات وتمثلات ) ، كما تستوجب تضافر جهود الوزارات المعنية بالظاهرة.

– المستوى الثالث : ويتمثل في السياسات والبرامج المحددة التي تتبناها الوزارات المختلفة على المدى القصير،ويشير الباحث هنا أنه من الجدير بالذكر أن لكل من وزارات الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم والصحة والعدل والداخلية والشباب دورا هاما وأساسيا في مواجهة تحديات هذه الظاهرة. من خلال تدابير علمية للقضاء أو الحد من الظاهرة وإعطاء الأسبقية في عملية القضاء على الظاهرة انطلاقا من الوسط الطبيعي الشارع بدل اعتقال الطفل أو الزج به في مراكز إعادة التأهيل أو المؤسسات السجنية.

وقد ختم الدكتور الباحث دراسته على وقع جوهرية قضايا الأطفال في وضعية صعبة داعيا إلى إشراك جميع المتدخلين والفاعلين بما في ذلك الأطفال المتضررين أنفسهم، للنهوض بقضايا التعليم والصحة والتشغيل … التي تصب كلها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،التي تعقد عليها آمال كبيرة للتصدي لمختلف المعضلات الإجتماعية وعلى رأسها الفئات الفقيرة والمهمشة ومنها أطفال التشرد الذين أصبحت حاجتهم ملحة لتحسين الظروف الحياتية والمعيشية ليس فقط من أجل  توفير مقومات العيش الكريم،بل لكونها أسلوبا للإرتقاء الحضاري وتنمية المجتمع.

    وإجمالا، يمكن الختم بالقول على أن الباحث قد تلبّس بجرأة سوسيوفكرية لصبر أغوار هذه الظاهرة  ليس فقط لزئبقية شكلها، وإنما لكونها كذلك صعبة التدقيق في جوهرها لتعقدها وتشابك العوامل التي تنتج عنها.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.