الرئيسية | فكر ونقد | فوضى الجوائز العربية | د. أشرف صالح محمد – مصر/هولندا

فوضى الجوائز العربية | د. أشرف صالح محمد – مصر/هولندا

د. أشرف صالح محمد

“الجائزة” أداة معنوية تُقدَّمُ لصاحبها الحقيقي المنتج الفعال في أي مجال من مجالات العلم والمعرفة، والإبداع في الفن والأدب، أي في جميع المجالات التي تسهم في تقديم المنفعة والخدمة للإنسانية.

لقد عرفت الحضارات القديمة الجوائز التنافسية، إلا أنها لم توثق لها بقدر معتبر في أثارها، ولعل أقدم الحضارات التي عرفت الجوائز في المسابقات ووثقت تاريخها هي الحضارة الإغريقية، حيث كان قدماء الإغريق يكرمون العظماء منهم والمبدعين الحقيقيين بمنحهم الجوائز التي ستبقى شاهدة على تلك الإبداعات التي قدموها للبشرية.

إن للجوائز العامة أو المتخصصة قيمة لا ينكرها أحد في بناء المجتمع، لأن المجتمع المتقدم أو النامي يحتاج إلى التركيز على النجاح والتميز وإبرازهما، ويحتاج إلى محفزات وآليات لتحقيق ذلك، والجوائز هي إحداها. كثير من الجوائز أسهمت في تطوير قطاعات بعينها، فكما أسهمت جائزة “بوليتزر” في تطوير الصحافة، وأسهمت جائزة “أوسكار” في تطوير الصناعة السينمائية، فإن جوائز أخرى أقل شهرة وأكثر تخصصًا، أو أكثر محلية صنعت الأمر نفسه. عندما يطمح الإنسان أو تسعى المؤسسة جاهدة إلى تحقيق جائزة ما، ثم يُعطي المجتمع المؤسسة أو الفرد الأولوية بسبب الجائزة ويجعل طريقه ممهدًا، فهذا يعني تحول الجائزة إلى مُرشح أو “فلتر” لتحديد أولئك الذين يعبرون من ضفة الاجتهادات إلى ضفة التميز.

من الواضح الآن أن الجوائز عمومًا بالمضمون والشكل المعاصر غربية المنشأ، لم يهتم بها الوطن العربي إلا من وقت قريب بل وفجأة، حيث تكاثرت وازدحمت ساحة الإبداع بالعديد منها في صحوة بعد جدب طويل غاب فيه الاحتفاء بالإبداع والمبدعين. فقد ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الجوائز المتخصصة ذات السمعة العالية في عديد من البلدان العربية، كرمز جميل يكرم بها المكدون والمجتهدون في البحث عن ألق الإبداع والابتكار والتفرد.

هناك جوائز تمنحها سلطات الدول في شخص بعض الملوك أو الرؤساء أو الأمراء، وأخرى تُمنح من قبل المؤسسات التجارية، أو بعض الشخصيات الإبداعية أو المالية أو المؤسسات المالية والعلمية، وصار التنافس الحميد بينهم في تطوير التشجيع بخلق أسباب محفزة للمشاركة في الجوائز التي يخصصونها سنويًا أو كل سنتين، مع الإشارة إلى أن الحضور الكبير لذلك يتركز في دول الخليج العربي.

لكل جائزة قوانينها وشروطها، وهذا ما هو معمول به في كل الجوائز في العالم، لكن الجوائز عادةً ما تخضع للمتابعة والنقد، لكونها تصبح إحدى الفعاليات التي تهم كل المجتمع وليس المؤسسة المانحة للجائزة فقط. فعلى الرغم من تعدد الجوائز، إلا أنه بمجرد الإعلان عن جائزة هنا أو هناك يثور اللغط حول الجائزة واستحقاقها من عدمه، فالجوائز ذهبت لمَنْ لا يستحقها، ولكن لماذا نحزن إذا كان ذلك قد أصبح تقليدًا في مجتمعنا العربي؟!

صحيح إن عدم حصول أحدهم على جائزة لا يعني أن يكيل لها الاتهامات، لكن النقطة الأكثر إثارة للقلق، والتي تدعو إلى التفكير الجدي، ليست إطلاق الجائزة وطبيعتها أو معاييرها، وإنما إلى العقليات القائمة عليها بداية من مجالس تلك الجوائز إلى لجان التحكيم، وشكل تعامل هذين الهيكلين مع الترشيحات المقدمة مع وجود مسافة من الشللية، والمُحَابَاةً، والتوزيعات الإقليمية، والاعتبارات السياسية، مما يؤثر بالتالي على نتائج الجائزة أي الفائزين.

هذا الكلام لا يعني إطلاقًا أن كل الجوائز تعاني من المرض، فبعض الجوائز العربية يُشار إليها بالبَنان في موضوعيتها ومصداقيتها، وقد وصلت إلى مرحلة متقدمة من الشفافية في آلية العمل، بدءًا من استقبال الترشيحات واختيار لجان التقييم، وصولاً إلى شخصيات اعتبارية في هيئات التحكيم، واعتماد معايير عالمية وعلمية دقيقة في الفرز والتقييم ورصد الدرجات، واعتماد عدة طرائق لاختيار الفائزين.

لكن مهرجو الجوائز أفسدوا المشهد، فهذه الجائزة لا يفوز بها إلا القامات على طريقة (كبرني وأكبرك)، وأخرى لا يعلم عنها أحد شيئًا ولا خبرًا سوى أن يسمع فجأة بفوز أحدهم بالجائزة، وتلك التي يفوز بها دائمًا جنسية معينة نظرًا لأن القائم على أعمالها منذ سنوات من هذه الجنسية، وهكذا يمكن أن يطول الحديث والكتابة عن فضائح الجوائز، وفساد القائمين عليها، بدءًا من الراعي الذي يطلق الجائزة رغبةً في الشهرة واجتذاب الأضواء، وصولاً إلى فوز غير حقيقي، واحتفاءً مزيف.

الواقع أنَّ؛ للجوائز بعدان الأول منهما مادي ويتمثل في المبالغ التي يحصل عليها الفائز، والآخر إنساني معنوي، وهو الذي يخلد صاحبها ويرفع من رصيده عند زملائه ورؤساءه في العمل وأصدقائه. ويغلب على الجوائز حاليًا تكريم الانجازات المتحققة، ومَن قاموا بها أكثر من حث المبدعين على انجاز مشروعاتهم الإبداعية عن طريق تقديم جوائز لمشروعات أعمال تثبت أهمية مجالاتها، والأهداف التي تسعى إليها، والنتائج التي يُرجى الوصول إليها، وبالتالي يمكن تحقيق التوازن بين التحفيز المباشر للإبداع المستقبلي، وبين التحفيز غير المباشر بتكريم الإبداع الذي تحقق بالفعل.

الأمر الآخر الذي قد يكون جديرًا بالملاحظة؛ هو تعدد الجوائز ذات المنشأ العربي في المجال نفسه وللأهداف نفسها، في المجتمع نفسه سواءً كان قُطري أو إقليمي المستوى، ويرى بعضهم أن تضاعف هذه الجوائز يزيد من فرص الفوز، لكن هذا التوازي في الفكر والأداء قد لا يؤدي إلى النتائج الأفضل والتي يمكن أن يحققها التضافر والتعاون فيما بينها.

انتبهوا أيها السادة؛ إن الجائزة أيًا كان نوعها ما هي إلا صدى لعملٍ مميز، وفي الوقت ذاته يجب أن تمنحها جهة قادرة على تمييز العمل من خلال معايير علمية دقيقة، تمكنها من القدرة على الحكم الحيادي والموضوعي، بحيث تكون الجائزة في النهاية شهادة للجهة الممنوحة لها على تميز الأداء في مجالها، وبرهانًا للجهة المانحة يؤكد قدرتها على الحكم والتفريق بين مَنْ يستحق ومَنْ لا يستحق.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.