الرئيسية | بورتريه | غناء الصحراء على أنغام السمسمية : الشيخ صديق أبو عبعاب ووجدان البادية | د. إدريس سلطان صالح – مصر

غناء الصحراء على أنغام السمسمية : الشيخ صديق أبو عبعاب ووجدان البادية | د. إدريس سلطان صالح – مصر

د. إدريس سلطان صالح – مصر

أستاذ مشارك بجامعة المنيا – مصر

 

“يانا اللي مجروح جرحي كامي

سبايب أمراضي من عيون الدامي

ما ورّيته .. جرحه معايا في الكنين كميته

واعر حرق قلبي سلا في زيته

تمّا يطشش في الصهيل الحامي”

هذا المقطع من أغنية شدى بها الشيخ صديق أبو عبعاب على أنغام السمسية، معبرًا عن الحب والجرح وحرق القلب وصوت الحصان كناية عن شدة آلام الحب وقسوته، باستخدام مفردات لغوية رصينة تعبر عن طبيعة الحياة الصحراوية القاسية التي تموج بتراث غنائي متميز، قوامه لهجة بدوية مميزة بمفرداتها العربية الأصيلة، وآلات موسيقية شعبية متنوعة ومعبرة عن طبيعة حياة القبائل البدوية في مصر.

يعتبر الشيخ صديق أبو عبعاب رائدًا من رواد الفن البدوي بصوته الصحراوي المتميز، وأغنياته التي تعكس حياة البادية وما تتضمنه من مشاعر وأحاسيس مرهفة وسط بيئة جغرافية قاسية، انعكست ملامحها على حياة سكانها من البدو.

ولد الشيخ صديق أبوعبعاب في الإسكندرية عام 1935، باسم أبوبكر البرهومي نسبة لقبيلة البراهمة التي تنتمي لقبائل أولاد علي المنتشرة في شتى ربوع مصر وخاصة في الإسكندرية والبحيرة ومرسى مطروح. ولُقب بالصديق منذ صغره نسبة لاسمه أبوبكر تيمناً بالصحابي الجليل أبوبكر الصديق، كما لُقب بأبوعبعاب نسبة لأولى أغانيه المعنونة بأبوعبعاب والتي بدأها بمقطع “تعال خبر يا أبوعبعاب”، إشارة إلى طائر الهدهد الذي غنى له الشيخ، طالبًا منه أن يخبره عن محبوبته، ويأتيه بأحوالها.

عاش طفولته في الاسكندرية، وتنقل في المنطقة الصحراوية الحدودية بين مصر وليبيا، والتي تعج بالقبائل العربية في محافظات مرسى مطروح والإسكندرية والبحيرة، مما أثر على تكوينه وتشربه لطبيعة الحياة البدوية وظروفها الصعبة في تلك المنطقة. ولعل هذا يظهر جليًا في أغنيته “المرسيدس” التي تعبر عن تنقله بين مطروح في مصر وطبرق في ليبيا، حيث يشدوا:

يانا اللي قلبي مو حدة من بو دور خلب لابصاره

اللي ليه يومين مسافر في مرسيدس راح تواره

سواقه سكران مطلين لسه طالع م الخمارة

داس ع المرش ودورها عدت تدوي كيف الطيارة

في مطروح سقر هداها ولع بين إيديه سيجارة

حالا من قبل يطفيها في طبرق حدد مشواره

وأتم حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، مما جعله يعمل قارئًا للقرأن في مساجد الإسكندرية، وبالتالي كان صوته جليًا، ولغته العربية سليمة المخارج، وألفاظه رصينة معبرة عما في داخله من مشاعر وأحاسيس مرهفة.

ظهرت ميول الشيخ صديق للغناء في سن صغيرة، منذ أن كان يلعب بآلة وترية بسيطة في طفولته، نظراً لفقدانه البصر منذ صغره، وصعوبة ممارسته للألعاب التقليدية التي يلعبها أقرانه، وسرعان ما طور هذه الآلة التي عُرفت بالسمسية البدوية، تلك الألة التي صاحبته في كل الحانه وأغانيه حتى وفاته عام 1991م.

وقد لا يعرف كثيرون أن السمسية التي صاحبت الشيخ صديق في مشواره الفني هي آلة موسيقية شاركت غيرها من الآلات الشعبية البدوية المتنوعة مثل الربابة البدوية والمقرونة في الغناء البدوي في الصحاري المصرية، رغم أنها من الآلات الشعبية للغناء في المناطق الساحلية، مثل السويس وبورسعيد والإسماعيلية.

حيث وظف الشيخ صديق السمسمية في ألحانه وأغنياته، ليشدوا مفردات اللهجة البدوية بطابع خاص، جعل عشاقها يستمتعون للون جديد من الفن البدوي، نجح الشيخ فى تقديمه بلهجته وصوته الصحراوي المميز، سواء بين قبائل العربية في مصر أو في ليبيا. مع استمراره في المحافظة على الطابع المميز للسمسمية البدوية ذات الأوتار الخمسة أو الستة، ولم يزد عليها كما فعل عازفو السمسمية في مدن قناة السويس.

وتميز الشيخ صديق بتنوع أغانيه، لتشمل معظم ألوان وفنون الغناء البدوي، فلم يحصر نفسه في لون أو طابع محدد، فكانت له أغاني علم ومجرودة وشتاوة في الحب والغزل والبكاء على أطلال المحبوب، جذبت أذان ووجدان شباب البادية حينها، ولا زال الأجداد وكبار السن يدندنون بها حتى يومنا هذا، وأصبحت تراث غنائي مهم لهم، يشبعون به حاجتهم لطرب أصيل أثر في وجدانهم، لأن كلماته عبرت عن الحب الصادق، والأحاسيس المرهفة تجاه المحبوبة، والذي يتضح في المقاطع التالية من أغنيته “مطرح ما تمشي معاك”:

مطرح ماتمشي معاك .. والله ما نخطاك

تنزل بالأرض نجيبك .. تطلع للنجم وراك

والله مانخطاك .. مطرح ماتمشي معاك

لا يمكن نبعد عنك .. وأنا كل جروحي منك

إن غبت تحير قلبي .. ما يريدش حد سواك

والله ما نخطاك .. مطرح ما تمشي معاك

والله لا ما نسيبك .. مطرح ما تمشي نجيبك

عاجبني حتى عيبك

والله ما نخطاك .. مطرح ما تمشي معاك

نجيبك مطرح ماتكون .. من حبك لا ما تخون

والعهد معاك مصون .. شلت بالعين غلاك

والله مانخطاك .. مطرح ما تمشي معاك

ولعل ما اشتهر به الشيخ صديق في أغانيه، ذكره لاسم المحبوبة في أغنيته، فتارة يغني لعيون حليمة، وتارة يغني لفتحية وسعيدة، مما حدا بالبعض أن يتهمه وقتها بالخروج عن المألوف في الأغنية البدوية، والعادات والتقاليد التي تضع حرجاً أمام التعريف بالمحبوبة في الأغنية، والتي كان يكتفي الأخرون بالتلميح عنها ولا يستطيعون ذكرها صريحة في أغانيهم.

ورغم تطور الغناء البدوي بعد وفاة الشيخ صديق عام 1991م، وما صاحبه من تطور في الآلات الموسيقية لا تزال أغاني وألحان الشيخ صديق ذائعة الصيت في الحياة البدوية، ولا يزال طابعه ولونه الغنائي محل اهتمام كثيرين من متذوقي الفن البدوي الأصيل، ذلك الطابع واللون الذي يعبر عن التراث الذي لن يتأثر بسرعة الحياة وتطورها مع الزمن.

 

المصادر:

 

تعليق واحد

  1. أنا من طرابلس ولعند الأن هناك الكثير من الشباب يستمعون لأمير الصحراء أبوعبعاب
    ويعتبر أكثر فنان بدوي مشهور. ….ولعند الأن له جمهوره الكبير……..
    رحم الله الشيخ الصديق أبوعبعاب. …..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.