الرئيسية | فكر ونقد | “طويل هذا المنتصف”، منجز أدبي لمبدع تشرب الكتابة من جذور أشجار الكروش | خالد العياشي – المغرب

“طويل هذا المنتصف”، منجز أدبي لمبدع تشرب الكتابة من جذور أشجار الكروش | خالد العياشي – المغرب

خالد العياشي – كاتب وقاص

     ونحن نقف أمام هذا المنجز الأدبي الذي يعد باكورة أعمال “محمد أعروش”، نقلب بين دفتي نصوصه الخمسة والثلاثين، سنجد أنها منقسمة إلى موضوعين رئيسيين، رومانسية تخاطب الوجدان، وتبدأ من “طويل هذا المنتصف” إلى “سلام على مواليد برج الشقاء”، وواقعية تبدأ من “محطة الضياع” إلى “حمى الحنين” فيها تناول صاحبنا مواضيع شتى، بإيقاعات وحوارات مختلفة.

      لما كان محمد “أعروش” من مواليد أرض غنية بالتنوع الجغرافي والبيئي، جبال، غابات، أنهار، أمطار، ثلوج، ربيع… كان لابد من أن سحر هذه الأرض سيؤثر على سيل كتاباته، سيجعلها رقيقة وعذبة، في تعاطيه مع الكلمة، غنية بالشاعرية، سهلة كجري المياه بنهر أم الربيع، صحيح أن أغلب نصوصه لم يتطرق فيها ولو بشكل ضمني للطبيعة الخلابة التي تزخر بها منطقة “إقليم خنيفرة” ككل، بل ونجده استخدم لغة صادمة مستوحاة من الحاضرة، في هروب واضح نحو المدينة، لكن هذا لا يعني أن روح الطبيعة لم تسكنه، فالمهتم بالأدب الأمازيغي يدرك أن شاعرية شعراء أمازيغ الأطلس المتوسط، هو بالأساس من غني وتنوع الأرض التي يسكنوها.

    تناول صاحب القبعة القشية “محمد أعروش” في منجزه “طويل هذا المنتصف”، مواضيع وجدانية، “الحيرة، الحب، الانتظار، الانكسار، الخيبة…”، بلغة بسيطة وسهلة ومكتنزة للشاعرية، ولعل هذا ما يميز “محمد أعروش”، خصوصا وأن تجربة الكتابة لدية تراكمت، وتخمرت لأقصاها، لم يفصح عنها إلا بعد أن تجاوز سن الأربعين.

    وفي الشق الثاني من المنجز، نجده تطرق لمواضيع من صلب “الواقع المنسي” إن صح التعبير، قياسا على لغة “محمد أركون”، فنص “صبيحة الأحد” هو يوم راحة إلا على الأشقياء والتعساء، صاحبة “الحرشة” التي يُستشف على أن لها ديونا لم تمنحها الحياة فرصة لتسديدها لمن غدروا، وسخروا، وضحكوا، على شبابها، تقطع خبز “الحرشة” كأنها تقطع رؤوسهم انتقاما، هو حدث يومي لكن لن تراه ما لم تكن مصابا بلعنة الشقاء أيضا، أن تشتغل كل يوم دون راحة، كي تكون زبونا لها، ولن يكفي ما لم تكن تمتلك أجهزة رصد شاعر مميز. كما أنه موضوع يدخل في المنسي أو المهمل، فمن تحدث منكم عن تلكم النسوة؟ أو عن صباحات الآحاد أو العطل؟ أما ما دونهن من النسوة في نفس النص اللواتي يعشن الرفاهية، فلم يستيقظن إلا بعد العاشرة صباحا الطامة أنهن يناقشن فوائد الاستيقاظ الباكر؛ كأنهن يدركن ألم السادسة صباحا يوم الأحد، وأيضا تناقشن عن مواضيع لا تسمى إلا اغتيابا ونميمة، ومضيعة للحياة، في سخرية واضحة من الواقع الذي نعيش. ولعل هذه السخرية هي ما ميزت باقي النصوص الواقعية، ففي نص “مشاهد مساء سيء” نجد صاحب القبعة القشية يقول:

رجل أعمى يعد الأزقة في اتجاه بائعة الحرشة، ليأخذ مثلثه المسائي

دون أن يخطئ في العنوان.

كأننا نعيش بالمثلثات، كل ومثلثه، لكن المحير هو مثلث ماذا أو مثلث من؟

صحيح أنه يشير إلى خبز “الحرشة”، لكن ماذا لو قرأ غير مغربي هذا التعبير؟ ما يجعلنا نستنتج أن غنى وتنوع الثقافة المغربية هو إغناء للأدب المغربي.

      ما طبع “طويل هذا المنتصف” هو سلاسة تعبير محمد أعروش وشاعريته المشبعة، وغياب التكلف والتصنع. والمميز أن القارئ لهذه النصوص سيجد حضورا قويا لجبران خليل جبران، الذي يستحيل على شاعرنا ألا يكون قد أشبع قريحته من مؤلفاته.

     الجدير بالذكر وكإشارة مهمة  أن “محمد أعروش” هو شاعر عصامي، لم يكمل دراسته، حيث انقطع وهو في السلك الإعدادي.

    لن تخلو أي باكورة أعمال لأي كاتب كان من هفوات وسقطات لغوية أو تعبيرية، وهذا ينطق أيضا على “طويل هذا المنتصف”، لذا فإن حدث ذلك فهو من دهشة التجربة الأولى. كما أن القارئ سيلاحظ أني حاولت الابتعاد عن تصنيف “طويل هذا المنتصف” لأننا أمام نصوص زئبقية على حد قول الكاتب “محمد عياش” الذي تناول النصوص بدقة أكثر في مقاله “طويل هذا المنتصف ذاكرة تشحن الحلم للاحتواء”.

خلاصة ما يمكن قوله أن “طويل هذا المنتصف” نصوص تبشيرية لفلسفة جديدة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.