الرئيسية | حوار | زهور كرام للموجة: “الكتابة النسائية” تقترح مقاربة مختلفة لموقع المرأة في الحياة والعالم

زهور كرام للموجة: “الكتابة النسائية” تقترح مقاربة مختلفة لموقع المرأة في الحياة والعالم

خيط حريري ناعم الملمس غزلت خيوطه من حروف اللغة جذبها من حضن كتابة اليوميات  والمقالات إلى أتون الرواية والنقد الأدبي، منذ صغرها كانت البذرة الأولى تنمو فيها ككاتبة ستحفر اسمها في ذاكرة الوطن، تنمو بعد ذلك نبتة المبدعة وتزهر أقحوانة برية عصية على الترويض ضربت بجذورها في لتستخلصه منه عناصره ومكوناته لتخرجه لنا إبداعا وأدبا نشتم عبيره من أجمل زهرة في حديقة المبدعات العرب. إنها  الكاتبة والناقدة زهور كرام التي كان لنا معها هذا الحوار الذي نستطلع فيه أراءها حول متعة الكتابة وأوجاعها وأحلام المبدعين  والأدباء والمثقفين وما نقاسيه في وطننا العربي  ما بين هموم حاضر وأمال في مستقبل نرجوه.

حاورها: خالد حماد

 

بداية حدثينا. عن البدايات وماذا يتبقى منها في ذاكرتك وهل أضافت الناقدة إلى المبدعة؟

 بدايتي بالكتابة، كانت منفلتة من كل قرار، أو تخطيط. بدأت بطريقة تلقائية، مع كتابة اليوميات كل مساء، والتي أعتبرها محطة مهمة في تاريخ علاقتي بالكتابة، لأنها منحتني القدرة على الكتابة كل يوم، وعلمتني تسجيل الملاحظات اليومية، وإبداء الرأي فيها. وقبل اليوميات، وبعدها كانت القراءة عندي ممارسة يومية، وعندما أعيد التفكير في علاقتي بالكتابة، أجدها وقد بدأت مع القراءة، ذلك لأني كنت أكتب رأيي في كل ما أقرأه، وعندما أعود اليوم إلى كتب قراءاتي، أجدها موشومة بملاحظات وتعليقات، تُوثق لتاريخ نمو موقفي ورأيي في المعرفة والمجتمع والناس والعالم. لهذا، لا أفصل الكتابة عن القراءة، القراءة كتابة، كما أن الكتابة قراءة . فعلان متفاعلان فيما بينهما، وعندما يتحققان بهذا الوعي التفاعلي، فإنهما ينتجان بعضهما.

كتبتُ الإبداع قبل النقد. كانت القصيدة أول الخطوات في عالم الكتابة ، ووضعتُ ديوانا ، وأنا تلميذة قبل الجامعة، وأذيعت مجموعة من قصائدي ببرامج إذاعية حول شعر الشباب، غير أني وجدتني أتخلى عن كتابة الشعر، في مرحلة الجامعة، إذ بدأت أرتبط أكثر بالسرد. فكانت روايتي الأولى ” جسد ومدينة”، وقبلها كنت قد بدأت – وأنا طالبة- أنشر مقالات، وأنجز حوارات وملفات ثقافية. أما النقد، فقد بدأ أولا من تخصصي الأكاديمي، لكني، لم أدعه قيد البحث الأكاديمي، إنما جعلته ينتعش بمساحة الإبداع. لا يمكن للدرس الأكاديمي أن يُؤمَن- وحده- تحقق النقد، الدرس الأكاديمي يمنحنا الوعي بثقافة النقد، وبنظرياته، ومفاهيمه، ومنطقه. علاقتي بالإبداع، تبدأ من الحالة التي أعيشها بصدق، والتي تضعني في وصال شفيف مع زمن التخييل، لهذا، لا أستحضرني كناقدة، وأنا أكتب رواياتي، لأني حينها، أكون منتشية في الحالة، غير أن علاقتي بالنقد، يمكن أن تشتغل بشكل ضمني، وبطريقة لا واعية في عملية تدبير بناء رواياتي، ألسنا نكتب بدعم من ذاكرتنا؟.

296382

إلي أي مدى ترى الناقدة والمبدعة زهور كرام ارتباط الأدب بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها المجتمعات العربية ؟.

الأدب شكل تعبيري رمزي عن مختلف التحولات التي يمر بها الإنسان. يبدأ تعبيرا تشخيصيا لعلاقة الإنسان (الفرد،المجتمع ) بالواقع والعالم، وعندما يتحقق مادة رمزية وفنية وجمالية فإنه يتحول إلى وسيط لإنتاج وعي بهذه التحولات. بهذا المعنى، فإن الأدب-تاريخيا- هو حاجة اجتماعية وتاريخية وحضارية بامتياز، ولا يمكن التشكيك في شرعية ووظيفية هذه الحاجة الإنسانية. وعندما نعود إلى علاقتنا بالحضارات السابقة، سنجد الإبداع بمختلف تجلياته، كان الوسيط بيننا وبين مجتمعات وشعوب تلك الحضارات، ولعل الأمر يبدأ من فلسفة الأدب باعتباره خزانا رمزيا لمعنى وجود أفراد مجتمع، لهذا ستظل الحاجة إلى الأدب، ضرورة فلسفية، من باب كون الإنسان ينشد فلسفيا الخلود عبر ترك أثره، الذي يأتي على شكل رؤيته للعالم. لكن، أهمية الأدب، لا تتجلى فقط في هذا البعد الفلسفي- الوجودي، إنما في دوره في إنتاج وعي بما يحدث. إنما، هنا لا بد من التأكيد على أدبية الأدب، ليس كل تعبير له القدرة على إنتاج هذا الوعي، عندما يسقط التعبير في الانعكاس، والتقريرية، وينتج حالة مباشرة للواقع، وللتحولات الاجتماعية، في هذا المستوى، لن يشكل التعبير الأدبي ضرورة بالنسبة لإنتاج وعي بما يحدث. الحديث عن علاقة الأدب بالتحولات الاجتماعية، هو حديث متعدد الأبعاد، يبدأ أولا من ضرورة أن يكون الأدب أدبا، وأن يكون مستوى التشخيص مبدعا، ولا يتم العبث بلغة الإبداع ونظام الأدب وقبل ذلك ألا يُزيَف الكاتب زمن الكتابة الإبداعية. كلما ابتعد الأدب عن منطقه، الضَامن لأدبيته، والمُحصَن لهويته التخييلية، ابتعدنا عن الأدب باعتباره منتجا لوعينا بحياتنا. من هنا، يحضر دور الأديب والمثقف وكل مشتغل بالتعبير الرمزي والسؤال الفكري، في ضرورة الوعي بأهمية الخطاب التعبيري في تدبير الوعي الجماعي، وهذا يُحتم  ضرورة الاهتمام بخطاب الأدب، وعدم العبث به، لسبب بسيط، كونه يشكل معنى وجودنا للحضارات القادمة.

وماذا عن دور المبدع والمثقف في الحياة السياسية ودور الأدب.؟

296382 أكيد، للمثقف والمبدع وظيفة تاريخية، بناء على مهمة الثقافة والأدب في صياغة التصورات والتمثلات. لكنه دور غير مرتبط بالمناسبات، والأحداث الطارئة، إنه عبارة عن تفكير مستمر في التحولات بناء على معطيات وأفكار ومفاهيم ومجموعة من المؤشرات التي ينتبه إليها المثقف، ويشتغل بها فكريا، بتحليلها، وربطها بمعطيات أخرى. يسمح هذا التواجد الدائم للمثقف قلب التحولات والأحداث، بالقدرة على تفكيك المستجدات، وإعادة ترتيبها، لكي ينتج منها نظاما معرفيا منتجا للفهم والوعي. دون أن يعني هذا، مطالبة المثقف بإيجاد حلول لمشاكل وأجوبة لأسئلة، إنما دوره يكمن في تحليل المؤشرات، وتنظيم الفوضى، وإيجاد المعنى. عربيا نعيش اليوم أكثر من السابق حياة سياسية مرتبكة، ترافقها فوضى في التصورات، وغموض في المفاهيم، وارتباك في الأفق، يتزامن ذلك، مع منطق الزمن التكنولوجي الذي منح للمجتمعات العربية مساحة مهمة للخروج من سلطة المرجعية الواحدة للرأي، فقد أصبحنا نرى الشعوب العربية تعبر بطرق متعددة، ومستويات مختلفة، بل هناك تحول كبير في وظيفية سلطة مؤسسات الدولة، إذ، بتنا نلاحظ صعود مفهوم جديد لسلطة الصوت الاجتماعي، وذلك عبر خطاب المواقع الاجتماعية من فيسبوك وتويتر ومواقع وبلوغات، والتي أصبح الأفراد يعبرون من خلالها عن صوتهم، بكل حرية، وجرأة، وباتوا يخوضون في كل المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدولية، ويقترحون رأيهم، وينتقدون أراء الأنظمة السياسية، وفي غالب الأحيان نجد الصوت الاجتماعي عبر التكنولوجي يتفاعل مع القضايا الراهنة بشكل أكبر من الصوت الحزبي والسياسي، بل نلمس تراجعا خطيرا لمفهوم مؤسسة الحزب في المنظومة السياسية العربية، نظرا لكون الصوت الاجتماعي عبر التكنولوجي يكون حاضرا بقوة في لحظة الحدث، ويعبر عن رأيه، ويدافع عن موقفه، وأحيانا كثيرة، يتقدم الصوت الاجتماعي باعتباره صوت الوطن، ويملأ- أحيانا- الثغرة السياسية دوليا.     هناك، إذن، خلخلة في نظام السلط ، قد لا تبدو للبعض ذات أهمية، لكنها، تُحدث خلخلة، وتُربك الخطابات المألوفة، وتُعبَر عن حالة تاريخية جديدة، تحتاج – وبمسؤولية تاريخية- مرافقة ثقافية وفكرية وسوسيولوجية، من أجل المُساهمة في تأطير هذا الصوت. هناك شعور قد يكون عاما – إلى حد ما – بنوع من الفوضى في القيم، والصور والتصورات التي اعتادتها الشعوب، وهناك التباس في الطريق إلى الأفق المشترك، وهذا يتجلى في هيمنة خطاب الدفاع، أكثر من خطاب التحليل. لأن كل فرد أصبح يدافع عن تمثلاته وتصوراته، وأظن أن دور المثقف العربي اليوم، يتمثل في قدرته على الاشتغال بهذه المنطقة، وتحليل هذه الخطابات، وتفكيك أبعادها، وتليين غموضها، وإعادة ترتيب الفوضى الحاصلة من أجل شيء من الوضوح في الرؤية. كل مجتمع يعيش تحولات، هو في حاجة إلى العقل الذي يتدبر طبيعة هذه التحولات من أجل إنتاج رؤية ووعي.

وهل ثمة عودة لحرص الشعوب على الفهم عبر وسيط الأدب، وهل ثمة تهميش وبتر للعلاقة ما بين الناس والأدب ؟

مع الحالة التاريخية العربية التي تم توصيفها ب ” الربيع العربي”، وتبعات هذه المرحلة من فوضى في الفهم، والوعي بما يحدث من اهتزازات، وانتقالات لا تمنح مؤشرات واضحة للفهم الاجتماعي، لاحظنا هيمنة خطاب انتقاد المثقفين لكونهم لم ينخرطوا في المشهد بالتحليل والتفسير. خطاب الانتقاد هذا مؤشر واضح على اعتراف المجتمع بدور المثقف في إبداء الرأي في التحولات الاجتماعية والسياسية. ويتأكد هذا الطلب الاجتماعي لصوت المثقف، كلما اهتزت الأوضاع، وحصل ارتباك في الفهم، كما أن الإعلام العربي، يتذكر المثقف مع الأحداث، وهذا دليل على أن للمثقف دور مهم في تعبيد الطريق نحو الفهم الموضوعي.

 .  هل ثمة خطا ما في التأريخ للأدب وهل هذا الخطأ يضع الأدب في قطيعة؟

عندما نعيد علاقتنا بالأدب العربي القديم شعرا ونثرا، سنجده يحضر في ذاكرتنا باعتباره مراحل تاريخية وسياسية. الأدب الجاهلي، صدر الإسلام، العصر الأموي وغير ذلك. وعندما أرَخنا للرواية العربية، تم ذلك- في أغلب الدراسات- بالعلاقة بأحداث تاريخية، حملة نابليون،  هزيمة 67، حرب أكتوبر إضافة إلى تواريخ كل بلد عربي على حدة. بمعنى أن التأريخ الأدبي يتم خارج مفهوم نظرية الأدب التي تؤمن بالتحول والتطور والاستمرارية من داخل الأدب. هذا النوع من التفكير في التعامل مع الأدب، نجده حتى في التدبير السياسي والحزبي في العالم العربي، والذي يرفع من شأن الاسم أكثر من المشروع والإستراتيجية. ولذا، نظل نتذكر اسم  رئيس حزب، ووزير في حكومة أكثر من المشروع، وأيضا كل وزير لا يطور ما وجده،  أو يستثمر ما بدأه غيره، وكل حكومة عربية تقصي ما بدأته السابقة . لهذا نعيش مشاكل بنيوية، وفوضى حقيقية في التعليم وإصلاحاته المتعددة والمتناقضة، والصحة ومشاريعها التي تعيش التجاذب بين العام والخاص وغيرهما، لأن  مفهوم القطيعة يحمل معه-ضمنيا- إقصاء الآخر، وإلغاء مشروعه، والبداية من نقطة الصفر.  مهما رفعنا من شعارات حول مفاهيم المواطنة والشراكة والانفتاح على التعدد وقبول الآخر والإيمان بالاختلاف، ومهما حددنا ميزانيات حكومية لتفعيل النقاش حول هذه المفاهيم، فإنها ستظل عبارة عن ركام من الجدال التنظيري، ويصعب أجرأتها واقعيا، لكي تصبح سلوك الفرد، ما دمنا في تفكيرنا نتعامل بمفهوم القطيعة، لأن إدراك المفاهيم لا يتم إلا من خلال منظومة متكاملة ومتفاعلة، وكل حقل مرتبط بالآخر، ضمن جدلية وظيفية.  ولعل هذا المفهوم يؤثر في علاقتنا بالماضي والتراث. وكما قال المفكر وعالم المستقبليات المغربي الدكتور “المهدي المنجرة” الله يرحمه، “تركنا الآخر يدرس ماضينا، وقرأنا ماضينا بعين الآخر”، لهذا لم ننتج وعينا بماضينا، وهذا أثر في معنى استثمار ماضينا في حاضرنا، كما تفعل حضارات أخرى اليوم، مثل اليابان وغيرها. ومن لا يُحسن السفر إلى ماضيه، كيف له أن يخطو نحو المستقبل بحصانة فكرية وثقافية واجتماعية. الأشياء متداخلة فيما بينها. لهذا، نتساءل دائما، لماذا تفشل كل مشاريعنا في الإصلاح والاقتصاد والتعليم، ولماذا مهما تحدثنا عن الحوار و المواطنة وحقوق الإنسان، تظل هذه المفاهيم غريبة عن سلوكنا وواقعنا، لأننا لم ننتج وعيا بمكونات ذاتنا، بعيدا عن القطيعة. ولهذا، يصبح كل شيء ممكنا ومحتملا في غياب إستراتيجية تاريخية وحضارية واضحة.

296382كيف يكون المجيء إلى الأدب الرقمي خطوة نحو التحرر من ثقافة القراءة المألوفة الي الانخراط في القراءة الرقمية؟

 نتحدث دائما عن أزمة القراءة في العالم العربي، حتى أصبح الموضوع مملا، لأن الموضوع عندما يتم استهلاكه بنفس السؤال، مع نفس الصيغة  في مراحل مختلفة، فإن ذلك يعبر عن أزمة كبرى، والقراءة جزء بسيط منها. الآن نعيش الزمن التكنولوجي الذي يختلف من حيث طبيعته، ونظامه عن الزمن الصناعي. تتيح الثقافة التكنولوجية لمستعملها إمكانية التعلم-الذاتي، وفي نفس الوقت تلزمه حسب إمكانياتها بضرورة التفاعل، والتفاعل هنا يأخذ طبيعة القراءة المُرافقة للمادة المنشورة. لهذا فالثقافة الرقمية اليوم، قد تُعيد صياغة سؤال القراءة من ” هل يقرأ الفرد العربي؟”، إلى ” كيف يقرأ. لأن القراءة لم تعد اختيارا كما هو الشأن مع الوسيط الورقي، كما لم تعد مرتبطة بمسافة مع المادة، بقدر ما أصبحت القراءة فعلا مُلازما للممارسة التكنولوجية التي أصبحت – بدورها- سلوكا يوميا. طبيعة نظام الثقافة الرقمية التي تعتمد الرابط ، وتحفز على التفاعل، وتضع المستعمل أمام خيارات عديدة، تجعل القراءة واجبا تكنولوجيا، وفعلا طبيعيا. ولهذا، يمكن للثقافة الرقمية أن تُساهم في تجاوز أزمة القراءة،كما تحررنا من طبيعة القراءة المألوفة، لأنها تُدربنا على التفاعل، أهم مكتسب في الثقافة الرقمية، والذي نستطيع أن نستثمره في قراءتنا الورقية أيضا، عندما نقرأ بتفاعل.

لطالما كان الأدب تعبيرا عن صوت المجتمع، هل يمكن الحديث ألان عن أدب عربي خلال فترة الربيع العربي وهل ثمة أدب نابع من روح تلك المرحلة التي ولد بها؟

296382لا ينفلت أي تحول تاريخي من التعبير عنه إبداعيا، إنما، كيف يتم التعبير. منذ بداية مرحلة ما يصطلح عليه  ب”الربيع العربي” ظهرت  إبداعات كثيرة خاصة في الرواية حول الربيع العربي، وتوزعت بين بُعدين، إما يرد الربيع العربي مجرد إشارات ليس إلا، غير أنه حاضر باعتباره واقعا محكيا،أو يأتي موضوع حكاية روائية. لكن، الملاحظ أن عددا من هذه الأعمال اخترقتها المواقف المسبقة، والأحكام الجاهزة، وتحكَمت فيها التقريرية، فجاءت أعمالا تعبر عن موقف مؤلفها، أكثر من أعمال تقف على مسافة من الحدث، وتعمل  على تخييل الموضوع، وجعله يتبنى تجليا رمزيا، ينتج دلالة قد تساهم في إنتاج تمثلات حول “الربيع العربي”، لهذا، نلتقي في مستوى هذه الأعمال بضعف التشخيص. الإبداع يحتاج إلى مسافة عن الحدث، من أجل تحرر منتجه من النظرة التقريرية.

ما هي الهموم  الجمالية والفكرية الأبرز  التي تنشغل بها المبدعة والناقدة زهور كرام في حضور التحولات الحاصلة في المنطقة؟

أشتغل بالنص الأدبي، باعتباره حالة إنسانية تعبيرية عن مجتمع وواقع، والاشتغال لا يتم في حدود العمل-النص، إنما هو في الأصل اشتغال في الذاكرة وبالذاكرة. كل نص يتوفر على إمكانية مهمة من القضايا الفكرية، والأبعاد الجمالية، ولكنها تظل بعيدة التحقق، إذا لم ترقى القراءة إلى تمثلها. لهذا، نحتاج –في هذا المستوى – إلى ذاكرة مقروئيتنا، والتي هي عبارة عن خزان لقراءاتنا المتنوعة والمتعددة سواء المتخصصة في نظرية الأدب، أوالحياة العامة، ولمشاهداتنا وملاحظاتنا وتصوراتنا للأشياء. نحن لا نقرأ ولا نشاهد بالعين البصرية، إنما بالبصيرة أي بذاكرتنا الثقافية. لهذا، أعتبر كل قراءة هي تفاعل بنيوي وتفاعلي بين وضعية النص ووضعية ذاكرتنا. من هذا التلاقي، يتحدد اهتمامي بقضايا المجتمع والمنطقة والعالم والإنسانية. أنشغل بكل ما يمر منه العالم العربي من تحولات سريعة جدا، إلى حد لا تستطيع أن تتبين وضعها، أتابع ما يحدث بهم كبير، وأخشى على الجغرافية والتاريخ والهوية والمكتسبات الحضارية من العبث بها بذاكرتنا، لأن العبث حاصل في ساحة السياسة، لكني أخشى على الذاكرة الجماعية من لوثة السياسة. ولهذا، أحاول في كتاباتي  ومقالاتي وتعبيراتي على صفحتي بالفيسبوك أن أوسع دائرة النقاش حول  هذه المسألة، انشغل بقضايا كثيرة، أسعى إلى جعلها محور تفكير لدى قرائي وطلبتي ومحيطي، وأنطلق من كون كل معرفة لا نضمن تأثيرها على الآخر، إذا لم ننجح في جعلها سلوكا في الحياة. ولهذا، قد أعتبر قضية الاشتغال على  إنجاح أي معرفة في جعلها ممارسة حياتية هي أهم مدخل لمختلف انشغالاتي، بدءا من الحب إلى السياسة.

-هل يمكن الحديث عن الأنوثة في الكتابة بعيدا عن موقف صريح من وضع الأنوثة كحيز اجتماعي مهمش ومعتدى عليه من السلط الاجتماعية والسياسية والثقافية بالتجاهل والمختلة والنكران، وما هي الأدوار التي تقترحها النساء للرجال على سبيل الوصول إلى شراكة فكرية وجمالية حقيقية في فضاء ثالث يتخلص فيه الطرفان من عقد العلاقة التقليدية بينهما؟

هنا ندخل إلى مجال مفهوم ” الكتابة النسائية”، والتي لا تعني كل الكتابات التي تبدعها النساء، أو تحكي عن الأنوثة أو موضوع المرأة، إنما تلك التي تكتبها بعض النساء، لكنها، تنتج دلالات جديدة لمفاهيم متداولة، وتقترح بنظامها، ورؤيتها تصورات مختلفة عن السائد، بها تدخل المرأة عالم الشراكة في إنتاج مفاهيم الحياة والإنسان والعالم. لا يتعلق الأمر في هذا التعبير الاصطلاحي بحكي المرأة موضوعا، والانتصار لقضيتها، والتعاطف مع وضعها، إنما بموقع المرأة-الكاتبة في التعبير الرمزي باعتبارها فاعلة في تدبير العالم الحكائي، ومنتجة لتصورات. عندما نعود إلى الخطاب المهيمن في تاريخ الآداب حول وضعية المرأة، نجدها تحضر – في أغلب التجليات- باعتبارها موضوعا منظورا إليه، مفعولا به، ولهذا، فقد توصلنا-تاريخيا- بتمثلات وتصورات حول المرأة، كما صيغت في الفنون والإبداعات والكتابات. وهي التصورات التي تحكمت في النظرة إلى المرأة اجتماعيا، وذهنيا، وخلقت نوعا من الأحكام الجاهزة حولها. ” الكتابة النسائية” تقترح مقاربة مختلفة لموقع المرأة في الحياة والعالم، عندما تنتصر للمرأة –الذات، وتجعلها منتجة لخطاب يمثل صورها، ومفاهيمها، وبهذا التجلي النسائي في الرمزي، نكون مدعوين كلنا إلى الاقتراب من هذا الخطاب، والإصغاء إلى الجديد الذي يُقدمه للمعرفة. الكتابة النسائية  بهذا التعيين، تعد إجراء نقديا ومعرفيا، يُساهم في إغناء الأدب، ونظرية الأدب بأساليب وتقنيات جديدة في الكتابة، وقبل ذلك بتمثل مختلف لموقع المرأة في الوجود باعتبار  إدراكها ذاتا وليس موضوعا منظورا إليه. عندما يصبح التفكير في المرأة فاعلة في تدبير العالم بالمفاهيم، ويتم قبول خطابها المختلف،فإننا نقترب جميعا من إمكانية تحقيق عالم تسوده الشراكة الإنسانية في تدبيره وتحقيق وجوده. الكتابة النسائية تُحررنا من تبات المفاهيم، وأحادية الدلالات، وتُدربنا على قبول الاختلاف باعتباره منطقة الشراكة الآمنة لوجود الإنسان في بعده المتعدد.

296382

كيف تتعامل المبدعة والناقد  زهور كرام مع فكرة الجسد النص في ظل نقيضين. متطرفين يبرزان الآن في العالم. وهما حالة الاحتجاج بالعري المطلق في مواجهة حالة التستر المطلق للمرأة الأضحية على مذبح التيارات الأصولية ؟

يعيش العالم العربي- بمستويات مختلفة ومتفاوتة- تحولات بنيوية مهمة، بدأت سياسية، وانتقلت إلى مستويات عديدة، منها الديني والاجتماعي. وعندما نتحدث عن التحولات، فنحن نقصد بذلك، انتقالات في التصورات والمفاهيم والتمثلات. وضع يمكن أن يُقرأ على واجهات عديدة، أهمهما أن المجتمع أصبح فضاء للتجاذب الإيديولوجي والسياسي والفكري. و أصبحت هناك إمكانيات إعلامية وتكنولوجية وفكرية تشتغل باتجاه الانتصار لتصور أو مفهوم أو قيم، عبر واجهة المجتمع. الجسد لا يحتمل المفهوم الواحد ثقافيا، ولهذا، مُؤهل لكي يستقبل المستجدات في التمثلات. إنه طيَع، ومرن، خاصة في مجتمعات هشَة، ومرتبطة ثقافيا وذهنيا بتصورات جاهزة، مجتمعات لا يحضر فيها التعليم باعتباره مشروعا حضاريا لتنوير العقل. ما يُعزز هذا الطرح، أن تمظهر هذا التوجه لا يخص مجتمعا عربيا واحدا، إنما أصبحت ظاهرة عربية. إنه وضع، يحتاج وبجرأة تحليلا سوسيولوجيا وثقافيا، أكثر من إبداء الرأي، مع أو ضد. لأن إدخال الموضوع ضمن ثنائية مع/ضد، تُعمَق الهوة بين أفراد المجتمع، وتُعيق إمكانية تحقق الحوار المجتمعي حول الموضوع. المسألة ليست بسيطة، حتى يتم اختزالها في تصنيف إديولوجي، أو توصيف مذهبي، أو  إدخالها في نقاش رد الفعل، لأنها حالة تاريخية تؤسس لانتقال تاريخي جديد، لكن غير محدد أفقه، أو معنى وجوده، لهذا، فالعبث بهذه الحالة بخطابات غير مسؤولة من شأنه أن ينحرف بمستقبل العالم العربي. كما أن التباس هذه الحالة، يجعلنا نقف وجها لوجه أمام واقع تعليمنا، ومشاريعنا الإصلاحية، ونتساءل عن موقع الفلسفة وتحليل الخطاب والسوسيولوجيا والأنتروبولوجيا ونظرية الأفكار في تعليمنا الجامعي. ونتساءل عن جدوى مراكز البحث والدراسات في الوطن العربي. حالة تاريخية تستفز ذاكرتنا، وتاريخ أفكارنا، ومشاريعنا وتعليمنا، وموقع العقل في حياتنا.

 الجوائز العربية في مجال الرواية هل هي طريقة لتسييد جنس أدبي على اخر؟

  لاشك أن الجوائز العربية التي بدأت تتكاثر، تساهم في التحفيز على الكتابة الروائية، خاصة مع المنافسة الشديدة في القيمة المالية للجائزة. ونحن نرى تأثير هذه الجوائز على تراكم الروايات كل سنة، وانخراط كبير في كتابة الرواية. لهذا، تعطي الجوائز العربية هذا الانطباع بتسييد الرواية. لكن، ماذا نعني بتسييد جنس على أجناس أخرى. هل يعني اعتراف المجتمعات العربية بالرواية باعتبارها أكثر الأشكال الإبداعية تعبيرا عن التحولات، ومن ثمة أكثر قدرة على إنتاج وعي بما يحدث؟ هل نقصد بهذا الاهتمام ، الوعي بدور الرواية في تدبير الوعي الجماعي؟ أم يعود ذلك إلى تحولات بنيوية تعرفها الرواية العربية، مما جعل الجوائز تتنافس فيما بينها، من أجل الاقتراب من طبيعة هذه التحولات؟، أم أن الأمر يدخل في منافسة خارج الاعتبار الإبداعي؟ الرواية العربية والجوائز الأدبية: تفاعل وظيفي، أم تنافس مادي؟ كيف يمكن الارتقاء معرفيا بثقافة الجوائز الأدبية، من أجل خلق شرط معرفي للرواية العربية؟ وإلى أي حد تساهم الجوائز الأدبية في تنشيط حركة الكتابة الروائية؟ وهل تتمكن الجوائز الأدبية من رصد تحولات الكتابة الروائية في المشهد العربي، أم تبقى حبيسة معايير ثابتة، لا تملك القدرة على اكتشاف الجديد؟ هل تستطيع الجوائز الأدبية أن تتحول إلى ممارسة نقدية تنشغل بمتابعة مسار تحقق الجنس الروائي في الثقافة العربية؟ كيف تستطيع ثقافة الجوائز الأدبية أن تحقق قيم الموضوعية والعلمية والنزاهة في التحكيم؟. تلك مجموعة من الأسئلة التي يمكن اقتراح أجوبة عنها بالنظر إلى علاقة الرواية العربية بالنقد الأدبي.

شركاء عديدون يستطيعون تفعيل العلاقة بين الجوائز والرواية، بحضورهم الوظيفي، ومنهم النقد الروائي الذي من المفروض أن يرافق التراكم الروائي بمقاربات نقدية بعيدا عن المجاملة، والوقوف عند تحولات الرواية ، ومستجداتها، وعناصر خلل بعض النصوص، ثم المشهد الثقافي من مؤسسات ثقافية، وإعلام ثقافي، ولقاءات وندوات، يمكن أن يعمق النقاش بموضوعية حول قدرة الجوائز في تطوير كتابة  الرواية، بدل خطابات الاتهام والشتائم، إضافة إلى دور النشر التي عليها أن تنخرط في سؤال الجنس الروائي، ولا تدفع بنصوص لا تحترم منطق الجنس الروائي،إلى جانب الروائيين أنفسهم، الذين يعدون من أهم شركاء تفعيل هذه العلاقة من خلال الاهتمام بالكتابة الروائية أكثر من الجوائز. لا شك أن المؤسسات التي تنظم الجوائز لها أهدافها ورهاناتها، ولابد لمكونات المشهد الروائي( نقد، دور نشر، إعلام، مؤسسات ثقافية، روائيون…) أن تكون لها الكلمة الموضوعية في شأن الكتابة الروائية في المشهد العربي. عندما تتخلى مكونات المشهد عن تفعيل موقعها، فإنها تترك لمؤسسات الجوائز حرية تصريف أهدافها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.