الرئيسية | أخبار | جـوان كـايغــر Joanne Kyger (1934-2017)، أحـد أبـرز الأصـوات النـسويـة في حـركـة جـيل الـبـيـت تـغـادر العـالـم

جـوان كـايغــر Joanne Kyger (1934-2017)، أحـد أبـرز الأصـوات النـسويـة في حـركـة جـيل الـبـيـت تـغـادر العـالـم

الحبيب الواعي*

6قليلا ما نحلم بأنه سيأتي يوم يغادرونا فيه أعز الناس إلينا، حينها نجد أنفسنا نواجه الحقيقة المطلقة والوحيدة ألا وهي الموت الذي نتناوب في أداء تمثيلياته التراجيدية. في ذاك الحين نتحقق أنه لا شيء يستحق كل هذا القلق والصخب المتواصل في وجه الحياة. هذا الصباح، استيقظت على وقع بعض الأخبار المحزنة جدا: لقد توفيت صديقتي جوان كايغر، شاعرة منطقة خليج سان فرانسيسكو الرائدة، في بوليناس بكاليفورنيا عن عمر يناهز 82 عاما ولم يذكر أي سبب للوفاة. جوان، صديقتي العزيزة سنتذكرك طالما سمح للشعراء بأن يكتبوا ويتحدثوا عن ألامهم وآمالهم. سوف نتذكر حسك الفكاهي، ضحكتك المميزة، لطفك ودفئ شخصيتك الذي يشع كلما رحبت بزائر يطرق بابك. سنتذكر أعمالك ونناقشها، ويدرس جيل المستقبل من الكتاب والطلاب مؤلفاتك في كل الفصول الدراسية. كنت ثائرة وأثبتت أنه إن كان المرء يريد أن يعيش حياته الخاصة، فإنه يجب أن يكون ملتزما ومجدا في عمله: عليه أن ينظر إلى الأشياء خارج حدود ذاته ويحاول أن يفهمها بدل أن يتجاهل تأثيرها. أتذكر زيارتي إلى بيتك في بوليناس وكيف رحبت بحرارة بي وبرفاقي الأعزاء مايكل روثنبرغ وتيري كاريون في ذلك اليوم المشمس الجميل. أتينا من بعيد، من مدينة غرنيفيل بمقاطعة سانوما، إلا أن الرحلة كانت جميلة فقد أحببت المناظر الطبيعية الخلابة التي تلقفتها عيني خارج نوافذ السيارة. أخذت الكثير من الصور لغابات ريدوودز وجبال تامالبايس القابعة هناك في المدى. كانت أول رحلة لي إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولم أكن لأتحمل حزن الزيارة و الفراق دون أن ألتقي بك ولو للحظات قليلة. كنت سخية جدا لأنك منحتني من وقتك الثمين الكثير. تحدثنا عن كل شيء تقريبا: الشعر والسياسة والتغيير الاجتماعي، فترة الستينات والحركة المناهضة للثقافة وتأثير الموسيقى على الاختيارات السياسية أنداك، وكيفية المساهمة في التغيير الإيجابي في مجتمع اليوم. انبهرت عندما سمعت أغاني المغنية الجزائرية الأمازيغية سعاد ماسي تصدح في غرفة جلوسك. بدأت تسألنني عن معنى كلمات أغنيتها وطرحت العديد من الأسئلة حول الشعب الامازيغي وإرثه الثقافي. كان شريكك حياتك دونالد غورافيتش رجلا لطيفا ولمحت الدفء والرعاية في عينيه. كنا نمزح بينما كان يتفنن في التقاط الصور. اقترحت أن نذهب في جولة نحو البحر سيرا على الأقدام كي ندرك غروب الشمس. كان كل شيء جميلا في ذلك اليوم وكان غروب الشمس أكثر روعة على ضفاف المحيط الهادي. غادرنا منزلك لحظات قبل سقوط الظلام وكنت أرمق تلويحات يدكما تنعكس في مرآة السيارة. آمل أن يشع نورك في زاوية الشعراء أينما يمكن أن تكون. سنتذكرك على الأبد! سنفتقدك بعزة إلى الأبد!

2

جوان كايغر شاعرة أمريكية ولدت يوم 19 نوفمبر عام 1934 بمدينة فالييو بولاية كاليفورنيا ودرست الفلسفة والأدب بجامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا باربرا، قبل أن تنتقل إلى سان فرانسيسكو عام 1957 حيث التحقت بالمشهد الشعري الذي تزعمه كل من جاك سبايسر وروبرت دنكن وكينيث ريكسروث. في عام 1958 التقت بغاري سنايدر، أحد مؤسسي حركة جيل البيت أو الجيل المهزوم، الذي اصطحبها في رحلة إلى اليابان حيث عقدا قرانهما وتزوجا في 28 فبراير فور وصولها. سافرا بعد ذلك إلى الهند مع ألين غينسبيرج وبيتر أورلوفسكي حيث التقوا بالدالاي لاما. عادت كايغر إلى الولايات المتحدة عام 1964 واستقرت في بوليناس منذ عام 1968 حيث قامت بتحرير الصحيفة المحلية.

6بالإضافة إلى قربها من روبرت دنكن وشعراء نهضة سان فرانسيسكو، ربطت كايغر علاقات شخصية مع كتاب جيل البيت وشعراء الجبل الأسود بكارولينا الشمالية بالإضافة إلى تأثرها بشعراء مدرسة نيويورك، ولا سيما الجيل الثاني فقد عاصرت تيد بريغان الذي ولد بنفس السنة، وتعتبر إلى جانب جويس جونسن، لينور كانديل، هيتي جونس وديان دي بريما، احدى الأصوات النسوية التي أبانت عن قدرتها و مكانتها في الساحة الابداعية الأمريكية خلال الخمسينات والستينات.  ما يزال مسكنها  في مدينة بوليناس يشكل قبلة يقصدها الفنانين والكتاب والشعراء والطلبة من جهات مختلفة، ويرجع هذا الافتتان الدائم إلى الدور الذي لعبته مدينة بوليناس في الستينيات والسبعينات في الإسهام في الحركة الثقافية حيث كانت بلدة ينعم فيها الفنانين بالراحة وكانت توفر لهم ظروف ملائمة للإبداع نظرا لموقعها الرائع وطبيعة مناخها الملائم، فهي لم تكن تبعد عن مدينة سان فرانسيسكو سوى بساعة واحدة وتقع في منبسط ميسا بين بحيرة بوليناس والمحيط الهادئ، كما أنها كانت تشكل أركاديا مثالية للهبي لأنها وفرت ما يلزم من المخدرات، والرفقة الرائعة، وحياة إبداعية رائعة، ورحلات خلابة. كان حينها كل من جيم كارول، روبرت كريلي، محرر باريس ريفيو توم كلارك، دونالد ألين، ديفيد ملتزر، والعديد من الكتاب والموسيقيين والفنانين الآخرين يعيشون معا في هذه البقعة.  وعلى الرغم من أن أسعار العقارات في مقاطعة مارين قد حولت في السنوات الأخيرة العديد من الهبيين إلى يبيين، فإن بوليناس لا تزال تمثل نقطة استثنائية للفنانين والكتاب الذين شيدوا منازلهم على اليابسة التي كانت في السابق ملكا لهنود ميوك وسائر قبائل الساحل الشمالي.

 6يكتشف قارئ شعر كايغر تأثرها الواضح بفلسفة زن Zen وممارستها لها، فهي دائما تركز على إبراز ما يحدث في الفضاء الذي تتواجد به، كما أنها تمزج الروحي بالسياسي في قالب سلس وفكاهي في بعض الأحيان وذلك من خلال لغة تستعمل أساليب متنوعة تستمدها من أوساط مختلفة تجمع بين مكونات المناظر الطبيعية، وملاحظات السفر، والنباتات والحيوانات في قالب إبداعي يستفز القارئ. في العديد من قصائدها تنتقد كايغر سياسة جورج بوش الذي “سقط من أريكته من تلقاء نفسه وهو يشاهد منافسات كرة القدم الأمريكية،” وفي سياق آخر تنتقد ديك تشيني باعتباره سياسيا لا يستحق الحب والإعجاب في أسلوب يجمع بين المضحك والمخيف في الآن نفسه.  بالإضافة الى مواضيع تصور تفاصيل الحياة في اليابان والمكسيك وبوليناس من خلال قصائد تتخذ شكل يوميات متصلة تختصر أحاسيس اللحظات العابرة بكلمات دقيقة تم اخيارها بعناية.

يعكس اهتمام كايغر باليومية كشكل شعري إرثا ابداعيا سبقها اليه كتاب من القرن التاسع عشر أمثال هنري ديفيد ثورو، ووالت ويتمان، غير أن جيل الكتاب الأمريكيين الجدد لفترة الخمسينات والستينات أضاف لهذا الشكل تقنيات سردية جديدة تعتمد على مراكمة الفرص، والأفكار، والتجارب الملتقطة التي تسجل في دفاتر اليوميات ومن أهم الأعمال التجريبية لهذه الفترة “كتاب اليوم” لروبرت كريلي، و”يوميات” بول بلاكبرن، و”يوميات ساحة كولومبيا” لويليام كوربيت. وهكذا تواص كايغر تعزيز هذه الطريقة الجديدة التي تعتمد اليوميات وتدخل في مواجهة مع ذاتها من خلال عملية المراقبة الدقيقة والاختيار وسرد الظواهر اليومية. وبالرغم من ذيع صيتها بين شعراء وفنانين كان لهم الفضل في تأسيس حركات أدبية معروفة فإن كايغر كانت تتفادى الرضوخ لهيمنة المؤسسات الأكاديمية بقوانينها المقيدة دون أن تتجهل تأثير الأجيال السابقة على كتاباتها. لقد كانت كايغر تفضل القيام بشغل يضمن قوت يومها ويسمح لها بممارسة فعل الكتابة باعتباره ضرورة وجودية وليس موردا ماديا يفرض عليها تقمص شخصية لا تم بصلة لمباديئها. ومن جهة أخرى يلاحظ القارئ أن قصائد كايغر، إلى جانب دراستها الجادة وممارستها لزن، تعكس عدم ارتياحها الخاص مع ذاتها، وبالتالي انفتاحها على الوجود المؤقت، وتمنع هذه السمة الشخصية عملها من الوصول إلى منابر الثقافة الرسمية التي تدعمها الدوريات الرئيسية، وإدارات الجامعة، ومنح المؤسسات.

نشرت كايغر أكثر من عشرين مؤلفا يجمع بين النثر والشعر ونذكر منها “نسيج وشبكة”(1965)، “مجرد فضاء “(1991)، “قمر كبير وغريب: المجلات اليابانية والهندية 1960-64” (1981، 2000)، “بعض الحياة” (2000)، “مرة أخرى: قصائد 1989-2000” (2001)، “الله لا يموت أبدا” (2004)، و”نظرة كئيبة” (2004). وبعد حصولها على جائزة منح الفنانين لعام 2006، حصلت كايغر على جائزة اعتراف بإنجازاتها مدى الحياة من مركز الفنون الأدبية، كما حصلت على الجائزة الوطنية للشعر لعام 1982 ل”مختاراتها الشعرية 1958-1980″، و جائزة أحسن الإنجازات لمدى الحياة من مركز الصحافة الأدبية الصغيرة للمرور الأدبية عام 2005، وحصلت أعمالها أيضا على منح من مجلس مارين الفنون عامي (1986، 2000). درست كايغر بكل من كلية ميل وسان فرانسيسكو كوليج للفنون كما اشتغلت مدرسة للشعر والكتابة الابداعية بمدرسة جاك كيرواك بجامعة ناروبا بولاية كولورادو. ماتت جوان كايغر يوم 22 مارس 2017 في بيتها ببوليناس عن عمر يناهز 82 عاما.

لا أؤمن

 

لا أؤمن بأي من

آلهتكم أو قواها

كل ذلك مجرد هراء

لا أؤمن حتى

بقواي أو آلهتي

كانت كلماتها الميتة

حافظ على نظافة البيت

*الحبيب الواعي: شاعر ومترجم من المغرب يشتغل مدرسا للغة الانجليزية. صدر له ديوان بعنونا “الان ستعلم السيدة جونس: قصائد ثائر يائس”. حصل على العديد من الجوائز للمشاركة في ندوات ومؤتمرات تهتم بالكتابة الابداعية منها منحة فولبرايت للقيام ببحث حول جيل البيت بجامعة كارولينا الشمالية.  

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.