الرئيسية | فكر ونقد | تراجيديا اليسار المغربي في “ظلال ذابلة” للقاص علي بنساعود | حميد ركاطة

تراجيديا اليسار المغربي في “ظلال ذابلة” للقاص علي بنساعود | حميد ركاطة

I- قراءة في العتبات النصية

يعتبر النص الموازي مدخلا مهما يساعد في تقديم تصور يسعف في بناء النظرية النقدية في التحليل وإرساء قواعد جديدة لدراسة الخطاب الادبي، بسعيه الحثيث إلى الحفر في التفاصيل التي تحمل في نسيجها ظلالا متعدد لنصوص سابقة، كما أشار إلى ذلك الناقد الادبي د. شعيب حليفي.[2] وكذلك ذ. محمد بنيس[3] باعتبارها(النصوص) “تربط علاقة جدلية مع النص بطريقة مباشرة أو غير مباشرة” فالنص الموازي عبارة عن عتبات مباشرة وملحقات، وعناصر تحيط بالنص من الداخل والخارج، بشكل مباشر أو غير مباشر” الخطاب المقدماتي، العنوان، الملحقات المجاورة للنص: المؤلف، الجنس، المقدمات، العناوين…”  ف ” الدراسات الحديثة وبفضل الاستفادة مما تحقق من نتائج هامة في مجال الابحاث اللسانية والسيميائية ،وتحليل الخطاب أولت العتبات عناية خاصة تجعل منها خطابا قائما بذاته، له قوانينه التي تحكمه” [4]

المصاحبات النصية

  1. الصفحة الأولى للغلاف:

عبارة عن خلفية رمادية تتخللها لوحة تشكيلية للفنان التهامي الهاني .

في الأعلى كتب اليمثاق التعاقدي بخط رفيع ” قصص قصيرة جدا”، ومن بعده مباشرة كتبت عتبىة المجموعة بخط بارز” ظلال ذابلة” تنعكس منها ظلال باهتة لحروفها ثم يليها مباشرة عتبة الكاتب في الاسفل، توجد عتبة الناشر. يشير الدكتور شعيب حليفي أن” العنوان إذن مرجع يتضمن بداخله العلامة والرمز، وتكثيف المعنى، بحيث يحاول المؤلف أن يثبت فيه قصده برمته كليا أو جزئيا، إنه النواة المتحركة التي خاط المؤلف عليها نسيج النص، ودون أن تحقق الاشمالية وتكون مكتملة- ولو بتذييل عنوان فرعي- والعنوان بهذا المعنى يأتي باعتباره تساؤلا يجيب عنه النص إجابة مؤقتة للمتلقي، كإمكانية الاضافة والتـأويل”[5]

الصفحة الثانية للغلاف هي امتداد للوحة الاولى تضمنت صورة الكاتب وتمثل لقطة أمريكية يقف فيها منتصبا بكل ثقة، تبرز الرأس وأعلى الكتفين، وما فوق الخصر. وهي مكونة من مساحات ظل وضوء، وخلفية باهتة،  ذيلت بنص عودة [6] وهو نص كامل المعالم موقع باسم الكاتب يليه الكود بار الاليكتروني الذي يعتبرشفرة متضمنة للعديد من المعطيات الرقمية الخاصة بالكاتب والكتاب

في حين توسطت اللوحة التشكيلية للفنان التهامي الهاني غلاف المجموعة  في الصفحة الأولى و” تمثل نصا بصريا ذا طبيعة أيقونية، ما دام يحيل على موضوعات قابلة لان يتعرف عليها. إذ الايقونة صورة تشخص نموذجا، وهي بالتالي إشارة تحتفظ بخصائصها المعنوية حتى ولو لم يكن مرجعها موجودا: أي أنها تدل بموجب علاقة مشابهة بينهما مدلولها.”[7]

  1. الاهداء:

اتخذ الإهداء شكلا هرميا على مستوى المكانة، والتقدير، والأهمية داخل محيط  الكاتب. ووجه لمجموعة من الاشخاص: الأب، والأم، والزوجة، والإبنة، والصديقة، والإبن، وإلى أصدقاء واكبوا عمله وقدموه، ولأساتذته وصديقاته، وأصدقائه.

  1. تصدير الديوان:

تم تصدير الديوان بمقولتين: الأولى لنيتشه والثانية لفيكتور هوجو[8] تتقاطعان في الإشارة الى بعض خاصيات الكتابة كالإضمار، والتكثيف، والغموض. وتدخل ضمن خاصيات كتابة القصة القصيرة جدا.

  1. تقديم المجموعة:

كتب القاص أحمد بوزفور تقديما للمجموعة[9] ،اتخذ له عنوانا ” كلمة” حيث أشاذ باحترافية الكاتب وجودة المكتوب واعتبرها” درسا وجواهر يفتخر بها السرد المغربي الحديث، ويقدمها أمثلة على إنجازاته”. وحول خطاب المقدمات يشير الدكتور عبد المالك أشهبون أن”” المقدمة إذن فضاء فسيح، يتيح للكاتب العديد من إمكانات التعبير والتعليق والشرح. وهذا ما حدا بماريفو لأن يتساءل هذا التساؤل الانكاري التالي:” أيعتبر الكتاب المطبوع والمجموع دون مقدمة كتابا؟ لا، إنه لا يستحق، دون شك هذا الاسم”[10]

  1. الهوامش:

تضمنت المجموعة هامشا ذيل “نص إشعار آخر” [11] قصد التوضيح أوالتفسير، أو التعليل: الاشارة تمت لديوان “عناكب من دم المكان للشاعر عبد السلام موساوي.

أطول نص: جوار الضريح،[12]   تضمن 15 سطرا

المحطة[13] ، وتضمن 13 سطرا

أقصرنص: وصية [14]، يتكون من سطرين.

  1. التشكيل الفضائي:

اعتمد الكاتب في كتابة بعض نصوص المجموعة على تشكيل فضائي متنوع:

عنوان النص

رقم الصفحة

التشكيل المعتمد

سقوط

8

عمودي

أفاق

12

متراكب

محطة

38

متراكب

مرتية

92

مائل من اليسار الى اليمين

لوحة

36

مائل إلى اليسار

وقوع

ودا

مواجهة

المرأة والوردة

تاريخ

21

23

29

31

33

متدرج

ساعة

38

مائل إلى اليسار متدرج

النص

الصفحة

التشكيل المعتمد

فاكهة

لوحة

استشراف

67

36

20

متقطع

نبوءة

تعرية

77

78

مبعثر

طلق

كرسي

72

73

عمودي نحو اسفل اليمين

صنعة

خذيعة

81

97

عمودي نحوالاسفل في الوسط

ميثاق

107

عموذي متقطع ومتدرج الحروف نحو اليمين والوسط

ويظل التشكيل البصري كنسغ حياة هذه النصوص بما تختزله دلالاتها وما تكشف عنه من حكايات طويلة بشكل مكثف ودال، يلعب فيه الايحاء والدهشة دروا أساسيا، ناهيك عما يختزله إلى جانب الحذف من معاني مضمرة تلقي بتداعياتها على الشكل النهائي للنصوص[15]

لقد اقترن التشكيل الفضائي في بعص النصوص بدلالة التوظيف، وتماشيا مع المضمون والهدف الذي يرسمه القاص لنصه، سواء عبر الرسم بالسواد على البياض داخل حيز يكسر الطريقة التقليدية في الكتابة، أو من خلال ما يشكله المعنى البصري المحصل عليه في النهاية، ممزوجا بحركة محسوسة تلعب فيها اللغة دورا مساعدا. بينما يبقى دورالتشكيل ايحائيا وأساسيا يرسخ عبر زوايا الالتقاط المختلفة دلالات تتجاوز إيحاءات العتبة إن لم يتم معناها في الغالب. كما في نص ” حية”[16]

  1. جمالية التكرار:

يتم النزوع أثناء الكتابة إلى اعتماد أكثر من تكرار للحرف الواحد داخل الكلمة، في لحظة لا تسعف فيها الكتابة العادية إبراز معنى النص أو حركيته، أو حرقة الكاتب لإبراز صوته، وخطابه وانفعالاته بكل جرأة، وقوة. وللدلالة على هذا الأمر نورد بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر:

الصفحة

النص

الكلمة

الحرف

عدد مرات تكراره

رسم الكلمة

42

رحلة

نادم

الالف

8

ناااااااادم

87

بردة

دورات

وا

الالف

الالف

10

11

دوراااااااااات

وااااااااااا

41

مرآت

لا

الالف

17

لاااااااااااااااا

  1. عتبات النصوص:

العتبة

عدد الكلمات

عدد النصوص

تناف

كلمة واحدة

102

ذات مساء

اشعار آخر

….

كلمتان

8

كل شيء إلا

المرأة و الوردة

 من ثلاث كلمات

2

ما يلاحظ على العتبات الداخلية للنصوص أنها احترمت خصوصية التكثيف التي تتميز بها القصة القصيرة جدا، والتي تعبتر ضمن مرتكزات القصة وخصوصياتها بل ميسمها الخالص، فلا يحبذ كتابة  عتبة طويلة لنص ضامر يتجاوز سطرين أو ثلاثة أسطر.

  1. نصوص مثقوبة مليئة بنقط الحذف بشكل ملفت لانتباه:

النص

الصفحة

حنين

15

في المحطة

48

كل شيء إلا

50

وداد

23

تقول الناقدة سعاد مسكين ” إن لغة القصة القصيرة جدا لغة مكثفة ومبسترة لا تقبل الزخرفة ولا الثرثرة توحي أكثر مما تحيل ، هي لعوب حمالة اوجه ، تغري القارئ بتوريتها الدلالية ، تقول القليل وتعني الكثير سكوتها حكمة وصمتها عدم الرضى عن المعنى المطروح أرضا.[17]

II – قراءة في المضامين

  1. تراجيديا اليسار المغربي

نحتت هذه النصوص بوعي تأملي بارز، كشف عن ارتحاق واع من مناهل مختلفة تم توظيفها داخل سياقات دلالية مائزة في ايحاءاتها العميقة، لتكشف عن الاحباط والخيبة والتذمر الذي لف أجيالا عديدة من مناضلي اليسار بالمغرب. يقول السارد”

انتظرت طويلا

حان دوري..

لم أجدني

منذئذ، أبحث عني…”[18]

هذه الواقعية المؤلمة التي يحبدها الناقد حميد لحمداني، حيث يقول” إن الواقعية المطلوبة في الفن الروائي ، ليست تلك التي تشعرنا بالأمان فعندما تطل علينا اللحظة السعيدة من خلال عدد من الروايات المغربية ( ..) نشعر بان الزمن قد تحجر في نقطة مطلقة ، عندئد ينتفي الاحساس بالواقع لأن خصائص الواقع الانساني أنه دائم التغيير “[19] وهي نفس الاحالة التي يكشف عنها نص ” سقوط”[20] الذي سبق أن لمح إليه شيخ القصاصين المغاربة الاستاذ أحمد بوزفور، حين اعتبرها نوعا من تراجيديا اليسار المغربي”

وهو متمترس حلف آخر الحصون

بدا له السقوط وشيكا

استبقه. التحق بالطابور حكواتيا

يسرد أمجاده…”

ويظل الموقف من العمل السياسي مشوبا بالعديد من الانتقادات الساخرة التي تكشف تكرار تسجيل مواقفها داخل المجموعة لتأكد على خيبة أمل كبيرة، وعلى غصة في الاعماق وجراح ترفض أن تندمل . لتظل النظرة إلى  الحزب مليئة بقسوة غامضة لكنها تعلن في النهاية عن موت غريب، كما في نصي أدران[21]. و”ذات مساء” [22] في نفس السياق الذي يشير لمهازل اليسار المغربي في ظل التحولات التي عرفتها الخريطة الحزبية بالبلاد ايدانا بفشل خطاباته  التقليدية وزعاماته التاريخية في رأب صدعه. وقد تفرقت السبل بالمنتمين إليه خدمة لمصالحهم الذاتية.  لنتساءل، هل تحاول مجموعة ” ظلال باهتة” للقاص علي بنساعود إعادة بناء تاريخ كبوات السيار المغربي بملمح ساخر وواخز؟ يسار خبت قوته، ووهجه وتحول بفعل الضربات التي تلقاها عبر مسار طويل من العمل الميداني إلى الدعاية عبر منابر باهتة انتهت مدة صلاحيتها، كما في كل من نصي تعرية[23]، ونص تاريخ[24] حيث يقول السارد”

بساحة الحمام، التقينا،

نستعد لعدونا الطبقي.

قطعنا أوصالبعضنا بعضا.

انتهينا إلى صياغة أرضة مشتركة.

تسايفنا من أجلتفعيل بنودها.

ت ف ر ق ن ا

                  شذر

                       مذر

                         متعبين…”

” . وبعبارة أخرى  يمكن اعتبار نصوص الكاتب في مجموعها نصا استحال عليه أن يأتي واحدا موحدا فاختار أن يأتي واحد متعددا في شكل شذرات “[25]

  1. جمالية الكتابة في مجموعة ظلال باهتة

  • العتبة القفلة

ترتسم معالم نوع فريد من القفلات داخل المجموعة عبر تشييد نص لا تكتمل معالمه  الا عبر الانفتاح على عتبته النصية التي تشكل لبنة أساسية في نص ترفض معانيه الاستواء دون استلهام معناها. فالعتبة أخر ما نوقع النص، لكن الامر يبدوهنا مختلفا لعادة الكتابة حسن ظننا، لان اعتمادها كان هو محور تحريك الدلالة المنفلتة وكانت المنطلق في الكتابة. يقول السارد في نص آفاق[26]

حيثما وليت وجهك،

ثمة باب.

الباب موارب.

تسير نحوه.

ينغلق.

تحلق عميقا،

ساخرا منه ومنهم…”

  • التجريب

ينزع القاص علي بنساعود  في اشتغاله القصصي للمتح من حقول لغوية متعددة في إطار من التجريب السلس عبر الاسبدال المفاهيمي الذي يتم توظيفه دون الاخلال بمعنى النص رغم ما يحدث من تحول على مستوى تركيبته اللغوية. وهو أمر يتجلى بوضوح في نص “تربص”[27]، حيث يتحول الربص بالعشيقة كتربص القناص بالطريدة، والتقبيل تصويب، وبلوغ الهدف إعلان عن عدم إصابتها في مقتل بعد تحقيق الغلبة.

“(..)

 أسندها وحمرة قانية تتدفق من وجنتيها…

أوصلها.

أطلق ساقيه للريح، حامدا أنه لم يصبها في مقتل..”

هكذا نلمس أن عوالم الكتابة عند القاص علي بنساعود  تعمل على إدخال النصوص في إطار من التجريب بحثا عن ممكنات كتابة تزاوج بين الادهاش والمفارقة وتزاوج بين التغريب والتشكيل البصري مؤشرة على حرفية الكاتب كما في نص صنعة[28]

اكتشفها.

نفض الغبار عنها.

أعاد رسم قسماتها..

لم يصدق ما صنعه إزميله.

رأت الانبهار في الانبهار في العيون حولها.

هرعت إلى المرآة.

عرفانا، ألقت بقلبها في حبه.

تنتظر ارتطامه ب

                   ا

                   ل

                   ق

                  ع

                  ر…”

في حين نلمس تشييدا لغويا حركيا، وتشكيلا فضائيا دالا يكشف تحولا على مستوى الحدث لتكسير خطية السرد الذي يتم تدعيمه بكتابة عتبة تطرح أكثر من سؤال وتثير المتلقي قبل قراءة نص تغلب على تركيبته توظيف الفعل الماضي بنسبة عالية جدا في مساحة صغيرة من قبيل” عاد/ ولج/ اتجه/بدأ/تراجع/أقبل/ أدبر/خرج..”[29]

كما نلمس ميسم كتابة غرائبية في نص عودة[30]الذي تم المزج في بنائه بين الواقعي والغرائبي. عبر أسلوب ساعد على سحب المتلقي نحو عوالم غريبة حيث يعود الميت في نهاية النص محفوفا بالعسس وفي يده تمديد استثنائي لاستئناف الحياة والعودة الى زوجته.

  • التناص

نلمس تناصا على مستوى عتبة نص” المرأة والوردة”[31]، الذي يحيل على رواية الراحل محمد زفزاف، يضعنا داخل سياق مفاهيمي يوحي بواقعة اغتصاب. والنص تميز ببناء حدثه بشكل درامي، مكتمل المعالم وبقفلة مخيبة لافاق التقلي تحاولت إعادة الامور إلى نصابها بنوع من الصرامة والجدية بعد مقاومة شرسة، يقول السارد” تصرخ: أرجوك. أنا هنا من أجل البيت ولا شيء غير البيت”.

في حين نعثر على تناص أخر مع مجموعة سردية الشاعر المغربي عبد السلام المساوي[32]، وهوعمل يقد من عمق الذاكرة والحنين لقرية الشاعر الأصلية” أيلة” بما سجلته مدونته من سير رجال وشموا ذاكرة القرية، والمنطقة عموما.فنص “إشعار آخر” [33]  هو محاولة نسج على أطلال ذاكرة مكان له قداسته الخاصة، وارتباط روحي لاصحابه.

  • جل

  • كتابة منفتحة على دلالات متعددة

تبني بعض النصوص دلالتها المنفتحة على بياض آسر، وعلى احتمالات متعددة القراءات والتأويلات. كما في نص ” رحلة”[34] يقول السارد

” متعبا

     عاد

     من

 البحر

    من رحلة البحث عنها.

ولج غرفته بالفندق.

 فوجئ بها هناك.

عانقها.

 دفن وجهه في صدرها

 بكى. نااااااااام”

بناء الحدث يتخذ شكلا طبيعيا، لكنه لاي كشف عن طبيعة المبحوث عنها، أوهويتها. وهوما يجعل من عاملي الادهاش والغموض يعمقان من ورطة المتلقي في منتصف مرحلة بناء الحدث.

غير أن ما يمكن الاشارة إليه هنا هو  قدرة  الكاتب على ايهام المتلقي وسحبه بالقوة بعد الغرير به. فالعودة نحو الفندق  تبرز ضمنيا نوعا نوعا من تعب الباحث ويأسه، كما تضع  عنصر المفاجأة ضمن خانة الحلم بلقاء محتمل وليس واقعي تعبيرا عن تشبث النفس بالامل. وعبر ما يتداعى من تجليات واستيهامات نفسية كوسيلة للترويح عن النفس ودرء لفشله الذريع، ولعدم قدرته الوصول إلى ضالته.

ونلفت انتباه إلى كون الحبكة السردية في نصوص المجموعة لاتنكشف بسهولة، لاعتماد الكاتب بشكل كبير على اللعب على تحريك الاستسهامات النفسية الداخلية لدى المتلقي ، وزرع بذور قلق وترقب فيه. فالنصوص شيدت بشكل سلس تراوغ باستماتة للوصول إلى نهايةمخيبة لافق الانتظار كما يؤشر على ذلك نص ” هدية”[35] الذي تؤجج من خلاله العاقة رغبة صاحبها وتتركه ضحية للانتظار والنبذ في النهاية.

وهذا اللعب يتكرر بمكر وبمقصدية في البناء القصصي عند المبدع علي بنساعود إلى درجة يمكننا أن تعتبرها علامة مميزة لكتابته المخاتلة بنهاياتها المرواغة والمخيبة لكل الآمال.كما في نص “في المحطة”[36].

كما تنزع هده النصوص نحو الاشتغال حول تركيب المشهد من صور متراكبة مستقلة بأحداثها. مما يؤشر على التقاط بعين كاميرا وفق رؤية إخراجية مدروسة بتلاحم تركيبتها تتشكل وقائع القصة في النهاية. أمر تعلن عنه الوحدات الحدثية  التي ختم  الكاتب جملها بنقط حذف. كما تقدم نفسها  كوحدات سردية مكتملة المعنى مستقلة بذاتها حدثيا. كما في نص اغتسال[37] يقول السارد”

تمشي خلفه حاملةحقيبة سفر.

فاجأتهما أمطار غزيرة.

جرى يحتمي تحت سقيفة مقهى.

تذكرها، استدار يحثها على الإسراع.

وجدها واقفة، تحت المطر، تتعرى.

جرى نحوها يحال سترها.

قاومته.

تحلق حولهما الناس.

صرخت في وجهه:

دعني أرجوك،عساي أتطهر من أدرانك…

أبعدوه.

تحلقوا حولها، مولينها ظهورهم…”

فهذا النص المركب تم اللعب فيه على بناء مشهد درامي  مثير يحمل بصمة متميزة كنص مترابط، شيد وفق نسق محدد، ومضبوط.

  • العتبة القفلة

هل يمكننا الحديث عن عتبة / قفلة للنص؟ هل يمكن اعتبارها معادلة جديدة أو من ميسما يميز كتابة بعض نصوص الق الق جدا؟

فالقاص علي بنساعود يقدم لمسة جديدة تنضاف لمكونات الق الق جدا،عبر تحويل العتبة شرطا أساسيا لاكتمال مضمون النص، عبر الاحالة الاجبارية عليها كما في نص” الفساد”[38] الذي يتحدث عن حجز بضاعة باعة متجولين من بينهم امرأة أحيلت على العدالة بتهمة عرض جسدها وممارسة البغاء بشكل علني. يقول السارد:

 ” تعذر عليهم حجز بضاعتها.

أوقفوها. قدموها أمام العدالة من أجل:

” التحريض على العنوان”

فدلالة اللغة الواصفة أحيانا لا تعدو أن تكون مجرد أداة لتحريك التأويل، وتفجير المضمر والمتواري أو المحذوف من النص. وإعادة تشكيله وفق رؤية فنية مبتكرة تعتمد تقنيا على التلميح والومض، والسرعة، والدقة. بل أضحت تلعب بشكل كبير على التفاصيل والجزئيات التي تم اغفالها في القراءة الأولى، من ضمنها دلالة تقطيع كلمة مفتاح إلى حروف مستقلة دلالة على التمزق والحيرة والتشظي، لتصير بذلك نقطة  الفاعلة في التحول الشامل لمعنى النص. كما في نص “فاكهة” [39]

” اشتهاها.

وهو يرتقي إليها،

اهتز

 ف

     ر

        ع

الشجرة…

التقطها عابر سبيل…”

وبقدر ما اعتمد النص التشكيل الفضائي بدلالته الرمزية القوية، سيشد عدد المعنى عبر تبني تقطيع مشهدي حركي، دال على السقوط والتبعثر والتيه.

  1. كتابة نفسية واضحة المعالم

الاضطراب والقلق

تعمل بعض نصوص المجموعة على رصد ظواهر نفسية متعددة، من قبيل الاضطراب،  والقلق، والانتحار، والتمزق النفسي، والعاطفي.

في نص ” صخرة” [40]، يتم رصد ظاهرة الانتحار بسبب الاحباط والملل، والفراغ بعد الارتماء في براتنه الادمان. فالبطل بتسليمه للنادلة حاجاته الخاصة، هو إعلان مضمر على رحيل مفاجئ بعد الخروج المنكسر من الحانة، وهي تسنده كأخر الرواد. بعد ذلك يبرز اختفاؤه الغامض.

ولعل المثير في النص، هو الافق الذي فتح  المجال لانتظارآخر وكأننا إزاء طابور انتظم فيه زمرة من المقبلين  على الانتحار، عندما لجأت الى نفس المكان الذي اختفى فيه. ” واظبت على الجلوس على الصخرة نفسها، تتأمل.

في حين يبرز عامل الانتظار والترقب بشكل جلي في نص مطر من خلال ما تميزبه تشييده الذي اعتمد فيه على ايقاع سريع عبر توظيف أفعال ماضية كشفت عن التوتر والقلق بوثيرة تصاعدية، انتهت بانفجار مدوي وجارف لتوقعات مسار النص وانتظارات المتلقي التي ظلت مفتوحة على بياض.

ويشير الناقد محمد اشويكة إلى أن ” القصة المغربية القصيرة مطالبة بالخروج من قصورها الذاتي والانكباب على مراجعة نفسها باستمرار عبر ادخال تقنيات جديدة في كتابتها وبنائها السردي والخلخلة الدائمة لاسئلتها خصوصا وأن إمكانية ” مسح الطاولة القصصية ” ممكنة في  لحظة “[41]

وتظل النظرة إلى عمق الروح،  تحديق في مرآة عبر سفر يمارس لا شعوريا لاستغوار الأعماق. هو كالتحديق في المرآة، في الصورة المنعكسة الكاشفة عن المظهر ظاهريا والفاضحة ضمنيا لفظاعة الصورة الخارجية المرعبة التي نحاول نحت جوهرها بإزميل التطفل الكريه. تطفل لا يكشف سوى العيوب والنقائص التي نحاول مواراتها بالقوة. لكنها تواجهنا بقوة، في محاولة لإعادة الامور إلى نصابها كما في نص “مرآة”[42]

في حين تضعنا بعض النصوص في قلب أحداث مثيرة ترصد حربا نفسية تمارس بين طرفي علاقة ظاهرها الحب والمعاملة الحسنة، وباطنها كبح لتطفل الآخر، ولرغبته المتقدة بعد ما تحولت العلاقة من صد إلى تعامل مباشر أحس من خلاله البطل أنه لا محالة سيقع في حبال الغواية ليفكر في طريقة مثالية لمحاصرة العشيقة المتطفلة بعد أن اقتحمت عليه شقته ليخرج منها ويسجنها بداخلها.  لتظل تنتظر في يأس تام. بعد ذلك سيعمل على طردها بصفة نهائية. نص ” مكر” [43].

فالعلاقة بالأنثى ظل يشوبها الكثير من الحذر والترقب، والحيطة، والتوجس، والشك. فكشفت عن صراع خفي لكنه غير متكافئ تستباح فيه كل وسائل المقاومة الممكنة. وينتهي دوما بالهروب من المواجهة، أو بالوقوع في حبال الخديعة، كما في نص ” غبار”[44] يقول السارد

” انكشفت أمامه عارية إلا من أوهامها.

نفض يده منها.

تطايرت غبارا عالق بالخياشم والنعال.

عطس.

         حمدل.

             واصل المسير.”

وجع هذه النصوص لا ينتهي يتشرب المتلقي قسوته وتداعياته عبر مواقف عديدة، منها ما يؤدي للحتف كما في نص” وردة” [45]، أو إلى الانتحار كما في نص” وشمة ” [46]. الذي ستبحت فيه البطلة عن صديق لها لتقدم على الانتحار بعدما القت بنفسها من نافذة بشقته. انتحار كانت صاحبته تنظر الظروف المثالية لتنفيذه. يقول السارد”

(..) رحب بي معترفا: أنتظرك من زمان.

الآن فقط آن الاوان لأشم حياتك، قلت، انظر، توجهت نحو النافذة. فتحتها. ألقيت بنفسي. وقعت هامدة.

لم يصدق.

خرج…

   لم يعد…”

  • كتابة بلورية

لقد تم  بناء هذه النصوص البلورية التي لا تكشف للقارئ دررها بيسر، بحذر شديد، فليس بوسع الجميع التقاط إشاراتها السريعة. طلقات مميتة كذلك لا تسمن ولاتغني من جوع تتوارى خلفها دلالات في طياتها الصغيرة وجملها القصيرة جدا التي قد لا تتعدى أحيانا في تركيب جملها من ثلاث كلمات يليها حذف سريع وتوقف مفاجئ. نصوص تحدد لها زوايا التقاط  خاصة بها لا مدخل بعدها سوى لأفق مفتوح على بياض آسر.  تنزع بعده اتخاذ ميسم  سوريالي في تشييد عوالمها المدهشة. وهو ما يضفي عليها  في نظرنا طابع الغرابة أحيانا.

و تتحول هذه النصوص، التي تتخذ حجم الكف أحيانا، لعوالم رحبة تمتح من ممكنات كتابة قلقة، تعمل على خلخلة الثوابت، إلى أبعد الحدود. مخترقة المألوف، والعادي. منتصرة لما بعد الواقعية بتحديث أدوات اشتغالها وفق الاعتماد على كتابة نفسية مفعمة بتوتر حاد، يكشف عنه التشكيل البصري والحذف، عبر رسم مخالف للمعتاد في مختلف النصوص.

وإلى جانب الميسم السابق، لاحظنا أن الكاتب اعتمد في بناء بعض نصوص على التوازي النصي، وفق تركيب ينزع فيه في قفلة النهاية إلى خلق تقاطع بين معنى حدثين. فإذا كان من خصائص الق الق جدا، وحدة الحدث فإننا بتنا نلمس وفق الاختراقات المتعددة للمرتكزات البنائية، أن النزوع نحو بناء الواقعة القصصية، بدأ يتخذ له طرقا مبتكرة، يلعب فيها الايهام البصري دورا رئيسيا، لربط المعنى بالدلالة من جهة، والايقاع المعتمد على الصدى المتردد، عبر القراءة والتخييل في بناء مشاهد الاحداث، التي تتحول  فيها اللغة الواصفة، مجرد أداة ميسرة للمعنى ومكملة له. ولا يستوي في غالب الاحيان دون ربطه بعتبة النص كما هو الأمر في نصي ” الكرسي”،[47]و ” سقف”[48]. وهما نصان شائكان عميق بوحهما، غائرة معانيهما، ومفتوحة الدلالات. ومن بين مميزات التشكيل البصري في مثل هذه النصوص، قدرة تأثيرها البصري على توجيه القارئ نحو استكشاف المعنى. بما يمثله الرسم المختلف من عامل في إذكاء الاحساس بألم البطل، أو أحزانه أو أفراحه. مشاعرة  قد تبدو متضاربة  لكن تجسدها الكتابة عبر الرسم بشكل مائل أو منحني أو ساقط من الأعلى نحو الاسفل . و كذلك عبر تجسيده رمزيا داخل فضاء واقعي بما ترسب في مخيلة المتلقي. دون أن ننسى ربطه بدلالة العتبة وتوجيهها لتلك اللغة البصرية التي قلما تتوفر في كتابات معاصرة اليوم، بنفس الدقة وكأنها قطع من لعبة “الليغو” ولعل الأهمية القصوى للفضاء تكمن في كونه يشكل إطارا لحركات وأفعال الشخصيات ( ..) ومن تم يحقق للنص ظلاله الواقعية والرمزية ( ..)، وحين يتشكل النص في بعض جوانبه من أمكنة واقعية ، تملك وجودها المادي والتاريخي والاجتماعي خارج النص ، يصبح معبرا عن أيديولوجات الطبقات الاجتماعية وصراعها ومدى اختلافاها التي تتمظهر بدء من الفضاء المكاني وأشيائه. “[49]

الكتابة السوريالية:

تتخذ بعض النصوص منحى سورياليا في تشييد عوالمها المدهشة، وهو ما يضفي عليها طابع الغرابة. وما دمنا في رحاب الخيال والتخييل الذي يعتبر الرأسمال الرمزي للكاتب، فإن تشكل هذه العوالم يصير جزء من رحابة عوالم أخرى، ومن ممكنات كتابة برسائل قلقة تعمل على خلخلة التوابث إلى أبعد الحدود. مخترقة المألوف والعادي. منتصرة لما بعد الواقعية نحو تحديث أدوات الكتابة نفسها داخل تركيبة بنائية جديدة مفعمة بتوتر حاد يكشف عنه التشكيل البصري في النهاية كقصة ” طلق”[50].

الشييد المتوازي:

 يعتمد في بناء القصة على التوازي النصي، وفق تركيب ينزع في قفلة النهاية، إلى خلق تقاطع معنى حدثين. فإذا كان من خصائص الق الق جدا وحدة الحدث، فصياغة النص اليوم وبناء الواقعة بدأ يتخذ له طرقا مبتكرة تضيف لتقنية التركيب تقنية الايهام البصري، نزوعا نحو التوقيع على جمالية النص بصريا، لربط المعنى بالدلالة من جهة، والإيقاع بالصدى المتردد عبر القراءة والتخييل لبناء صورة تلعب فيها اللغة أداة واصفة فقط ومسيرة لاكتمال المعنى النهائي الذي غالبا ما يستوي بعد ربطه بعتبة النص. فنص الكرسي، نص شائك عميق البوح غائر المعنى، مفتوح الدلالات، يقول السارد نص “الكرسي”[51]، قام من على كرسيه الدوار. دنا منها. ربت على كتفها قائلا:

” يكون خير إن شاء الله،

                  عاودي الاتصال بي، سأرى”

قامت تجري نحو الحمام.

                      أطلق

                            ا

                            ل

                           ر

                           ش

                           ا

                           ش،

تطفئ لهيب جمر أحرق ظهرها.”

زوايا الالتقاط:

من الأمور المثيرة في نص “ممر”[52] ، هي تجسيد الحالة النفسية للعامل، أو الموظف المطرود، من خلال عملية التبئير التي ركزت على ملامحه وبدأت تنتقل لتصوير الأجزاء الأخرى من الجسد. ( الجبين/ الرؤية/ السمع/ الركبتان/ البصر..) وهي في نظرنا سقف قدرات الجسد وأعلى إمكانيات قدراته التعبيرية، التي لا مدخل بعدها سوى الانتظار. وهو أفق مفتوح على بياض مؤشر على اليأس والانهزام وعود على بدء نحو البداية” كان طريح الحصير” تصوير لأعلى درجات الفاقة والقهر والعوز.

التشكيل البصري

يلعب التشكيل البصري، إلى جانب التكثيف، دورا إيحائيا في رسم معالم الدهشة الكامنة في معاني النص، الذي يختصر حكايات طويلة. ناهيك عما يختزنه الحذف، من معاني مضمرة، تلقي بتداعياتها على الشكل النهائي للنص. نص “وداد”[53]، كشف عن رقص بإيقاع خاص يميط تجليات الأعماق والنوايا وإرهاصات المسكوت عنه بتجاذب قطبي اللذة والإثارة،  في التحام وانصهار مجنون، وتماه في سكرته. فالنصوص بتشكيلها البصري المتميز الدال على حركة تخف حدثها كلما اقترب النص من النهاية لتوقع على تسلسل حدثي عند كل منعطف من منعطفاته، تؤشر علة رحلة معينة وتطور حدثي مثير. فالصورة التي يشيدها القارئ في بداية النص تبدأ معالمها في التغير بشكل تدريجي تقوض معالم البناء الاول لتشيد على أنقاضه بناء جديدا مختلفا بالمطلق. نص “حجر”[54]

إنها نصوص موجعة، تمتح من عمق الواقع المعاش بكل تداعياته القاسية، وبإحباطاته المسببة للحنق. في نص “وردة”[55]، تنجلي معالم الخيبة المؤدية للموت من خلال ما مورس على العاشق من صد لطلبه، ومن رفض غير معلن عن أسبابه ليعود أدراجه خائبا، لتصدمه سيارة. فبالإضافة إلى توظيف القسوة عند هذا الطرح نلاحظ قسوة أخرى ضمنية، أفرزها سلوك المرأة التي صدته بتهربها من تقديم أية مساعدة للضحية. (قسوة الحب)

  1. السخرية والادانة: علاقات انسانية في مهب الريح

يوظف الكاتب لغة مائزة، غير خادشة للحياء، مثيرة في إيحاءاتها الدالة على المعنى. في نص ” حنين”[56] تتم الاشارة إلى علاقة جنسية تمت خارج الاطار الشرعي للزواح، بين رجل وامرأة، كمغامرة غير محمودة العواقب، لكنها محببة، ويتم خلالها قطع أشواط عديدة.  وفي الوقت الذي يرغب فيه العاشق البحث عن الاستقرار العاطفي داخل الاطار الشرعي توصد في وجهه كل الابواب. وهو ما يشكل في نظرنا إدانة صريحة لمنظومة الاجتماعية المتفسخة الفاقدة لكل ملمح واقعي بمتحها القذارة من مياه مستنقعات راكدة. وهو أمر يجسده كذلك مجموعة من النصوص كنص ” ماء”[57] ، و ” نصيب”[58]. حيث تنكشف معالم مؤامرة بين الحماة وزوج ابنتها،، لتؤشر بوقاحة على خلل جوهري في سلم القيم، والعلاقات بين افراد الأسرة الواحدة. والقفز المتعمد على الخطوط الحمراء تبعا لما تمليه المصلحة الخاصة. كما تزرع بدور التفكك والدمار بشكل رهيب. وسيتجلى ذلك بتخلي الابنة لأمها عن زوجها ، ما دامت قد فضلت سعادتها على حساب سعادة ابنتها، يقول السارد”

رمت الخاتم في وجه خطيبها. وضعت رسالة على الطاولة.

صفقت الباب خلفها.

وقع بورتريه قديم لوالدها على الارض.

فتحت الأم الرسالة:

                ” ماما.

                      تسعدني سعادتك..”

فالانتقاد والسخرية يظلان من العلامات البارزة داخل نصوص المجموعة القصصية القصيرة جدا، انتقاد لم تسلم من تداعياته الطبقة المثقفة التي تساهم في انتشار الرداءة نزولا لتلبية رغباتها الجنسية على حساب جودة العمل الأدبي، يقول السارد”

جاءته تطرطق العلك.

نظر إليها. بلع ريقه.

مدت له محاولتها الشعرية.

قرأها. كتب عليها:” صالحة  للنشر…”

ابتسمت. حدد لها موعدا.

نشرها قبل الموعد.”

” تمثل السخرية عنصرا مؤسسا للخطاب السردي ..وتكمن ( أهميتها ) ففي أنها تنزاح بالخطاب من استطيقا المرآة نحو استطيقا المفارقة والازدواج والمدلول ، إذ تقوم استراتيجيتها على المفارقة المتولدة من انشطار بنيتها إلى مستووين  ظاهر ومضمر ،وهو ما يجعلها على مسافة استطيقية ونقدية من الواقع ، وموقعا ديناميا  لتلقيم الخطاب بالمفارقات والالتباسات والتشظيات”[59]. كما لم يسلم من السخرية أصحاب المظاهر الخادعة، كما في نص ” مبدأ”[60]  الذي يبرز سيدة متحجبة في وضعية حرجة مع رجل أثناء ممارستهما الجنسية. فالسيدة تقدم جسدها بسخاء، وترفض أن تكشف غطاء رأسها أثناء جلسة خمرية، وهو ما يضعنا أمام تناقض كبير لذى الكثير من الافراد الذين يقرنون مفهوم الالتزام الديني بسلوك، أو طقس، أو عرف. يتبرأ  الدين الاسلامي منها ومن ممارسيها.  تعمل هذه النصوص على وضعها قاب قوسين من إدانة صريحة تميط كل زيف ونفاق  عن أصحابها. لتظل غواية الجسد حاضرة  بقوة بين نصوص المجموعة، ومؤشرة على افلاس خطير لكل المنظومات، لنأخذ مثلا نص ” محطة”[61]، وهو نص يبرز التعذيب النفسي كأحد الوسائل المثيرة للنيل من رغبة الاخر المتقدة، فالأنثى تمارس غوايتها وجاذبيتها، وطقوسها وغنجها بتدرج يكشف رضا ورغبة متقدة لكنها في النهاية تحاصر صاحبها بتمنع قاتل. ليغدو نص محطة تعبير عن صفحة من تاريخ المقاومة السلبية التي تمارسها الاناث ضد الذكور بشوفينية رهيبة، وتعذيب نفسي بجرعات  متقطعة.

على سبيل الختم

لقد ساهمت مجموعة ظلال باهتة في أن ترسخ لكاتبها مكانة خاصة في خانة الكتابة القصصية القصيرة جدا بالمغرب، باعتبارها باكورة أعماله، واليوم لا غرو أن القاص علي بنساعود الذي راكم العديد من الاعمال والنصوص أصبح مرجعا لا محيد عنه بين قصاصي المرحلة. كتابة ناضجة من هذا القبيل محملة بترسبات مراحل ابداعية ونضالية عديدة لا غرو أنها ستغني الخزانة القصصية المغربية بأعمال جد متميزة ومكتملة المعالم. باعتبارها  كاتبة واعية بأدواتها متحت من حقول معرفية متعددة ومختلفة لتقدم عصارتها على شكل قصص بحجم الكف ساخرة و واخزة حد البكاء.

المراجع المعتمدة

  • علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جدا دار الامان 2013/ط1
  • حميد لحميداني في التنظير والممارسة دراسات في الرواية المغربية ص 30 منشورات عيون ط1 الدار البيضاء 1986
  • سعاد مسكين القصة القصيرة جدا تصورات ومقاربات ص 45 درسة دار التنوخي للنشر ط1 / 2011
  • محمد بنيس الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها التقليدية ص 76 دار توبقال الدار البيضاء ط1/1989
  • أحمد فرشوخ تأويل النص الروائي السرد بين الثقافة والنسق ص 186 منشورات TOP E DITION 2006/ ط1
  • حسن المودن مغامرات الكتابة في القصة المعاصرة القصة القصيرة بالمغرب أنموذجا منشورات اتحاد كتاب المغرب ط1/2010
  • عبد المالك أشهبون خطاب المقدمات في الرواية العربية ص 88 مجلة عالم الفكر المجلد 33 أكتوبر ديسمبر 2004 منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت
  • شعيب حليفي النص الموازي للرواية استرتيجية العنوان مجلة الكرمل قبرص العدد 46/1992 ص ص 82و83
  • شعيب حليفي هوية العلامات في العتبات وبناء التاويل دراسات في الرواية العربية ص 14 دار النايا ط1 2013 سورية
  • عبد اللطيف محفوظ ” صيغ التمظهر الروائي بحث في دلالة الأشكال ص 141 منشورات المختبرات 2011 الدار البيضاء
  • محمد اشويكة مناقير داروين المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات مراكش 2010
  • محمد بوعزة خفة المكان في ” حذاء بثلاث أرجل ” لعبد الرحيم مؤدن ” ص 99 مجلة آفاق منشورات اتحاد كتاب المغرب  2012
[1]   علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جدا دار الامان 2013/ط1
[2] د. شعيب حليفي النص الموازي للرواية استرتيجية العنوان مجلة الكرمل قبرص العدد 46/1992 صص 82و83
[3]  دز محمد بنيس الشعر العربي الحديث بنياته وابدالاتها التقليدية ص 76 دار توبقال الدار ابيضاء ط1/1989
[4] عبد الرزاق بلال مدخل النص دراسة فب مقدمات النقد العربي القديم ص 16 إفريقيا الشرق 2000/ط1
[5]شعيب حليفي هوية العلامات في العتبات وبناء التاويل دراسات في الرواية العربية ص 14 دار النايا ط1 2013 سورية
[6]  المرجع السابق  ص 17
[7] د. أحمد فرشوخ تأويل النص الروائي السرد بين الثقافة والنسق ص 186 منشورات TOP E DITION 2006/ ط1
[8]  المجموعة ص 4
[9] المجموعة ص 5
[10] د عبد المالك أشهبون خطاب المقدمات في الرواية العربية ص 88 مجلة عالم الفكر المجلد 33 أكتوبر ديسمبر 2004 منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب الكويت
[11]  المجموعةص 32
[12]  المجموعة  ص 53
[13]  المجموعة ص 43
[14]  المجموعة ص 40
[15]  يمكن الرجوع إلى النصوص التالية: وداد ص 23، حجر ص 49، وردة ص 59 كرسي ص 73، سقف ص 75، لبوءة ص 77)
[16]  نص حية ص 66
[17]  د. سعاد مسكين القصة القصيرة جدا تصورات ومقاربات ص 45  درسة دار التنوخي للنشر ط1 / 2011
[18]  نص بحث ص 7
[19]  حميد لحميداني في التنظير والممارسة دراسات في الرواية المغربية ص 30 منشورات عيون ط1 الدار البيضاء 1986
[20]  نص سقوط ص 8
[21]  نص أدران ص 18
[22] نص ذات مساء ص 34
[23] نص تعرية ص 78
[24] نص تاريخ ص 39
[25]  حسن المودن مغامرات الكتابة في القصة المعاصرة القصة القصيرة بالمغرب أنموذجا منشورات اتحاد كتاب المغرب ط1/2010
[26]  نص آفاق ص 12
[27]  نص تربص ص 13
[28]   نص صنعة ص 81
[29]  نص مواجهة ص 29
[30] نص عدة ص 17
[31][31]  نص المرأة والوردة ص 31
[32] للشاعر المغربي عبد السلام المساوي  مجوعة  سردية  عناكب من دم المكان
[33]  نص أشعار آخر ص 32
[34]  نص رحلة ص 42
[35]  نص هدية ص 47
[36]  نص في المحطة ص48
[37]  نص اغتسال ص 60
[38]  نص الفساد ص 62
[39]  نص فاكهة ص 67
[40]  نص صخرة ص9
[41] محمد اشويكة مناقير داروين المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات مراكش 2010
[42]  نص مرآة ص 41
[43]   نص مكر ص 50
[44]  نص غبار ص 53
[45]  نص وردة ص 59
[46]  نص وشمة ص 61
[47]  فصة الكرسي ص 73
[48]  قصة سقف ص 75
[49] عبد اللطيف محفوظ ” صيغ التمظهر الروائي بحث في دلالة الأشكال ص 141  منشورات المختبرات 2011 الدار البيضاء
[50] علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جدا ص 72
[51] علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جدا ص 73
[52] علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جدا ص76
[53] علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جداص 23
[54] علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جداص49
[55] علي بنساعود ظلال ذابلة قصص قصيرة جدا ص 59
[56]  نص حنين ص 15
[57]  نص ماء ص 16
[58]  نص نصيب ص 19
[59] محمد بوعزة خفة المكان في ” حذاء بثلاث أرجل ” لعبد الرحيم مؤدن ” ص 99 مجلة آفاق  منشورات اتحاد كتاب المغرب  2012
[60]  نص مبدأ ص 64
[61]  نص محطة ص 38

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.