الرئيسية | فكر ونقد | تجليات السخرية في قصص ” آن الأوان ” للأردنية مديحة الروسان | عبد الله المتقي

تجليات السخرية في قصص ” آن الأوان ” للأردنية مديحة الروسان | عبد الله المتقي

عبد الله المتقي

 

على سبيل التقديم:

في مجموعتها  ” آن الأوان ” للقاصة الأردنية مديحة الروسان ، والصادرة عن دار القرويين بالمغرب ، صور حبلى بالمفارقات ومفعمة بالسخرية  السوداء، تضحك وتهزأ من واقع  مختل ويعاني من العوج ، وذلك عبر استثمار الإضحاك الغير البريء لتحريك  البراءة الرابضة بداخلنا  ،  وبذلك تكون السخرية موضوعة مهيمنة ومفارقة في نصوص مديحة الروسان،  وفي الغالب تضحك  وتسخر بلون أسود من واقع مبكي ، كما تستهزئ من المواقف الجادة.

فما معنى السخرية لغة واصطلاحا ؟ وما تجلياتها في هذه القصص القصيرة جدا التي تملأ بياض “آن الأوان ” ؟

تحديد مفهوم السخرية:

 ينحصر مفهوم السخرية في معاجم اللغة في ثلاثة معان هي ( الهزء ، و الضحك ، و الإذلال أو التحقير ) ، ففي لسان العرب نجد  : ” سخر منه و به ، و سخرا و مسخرا و سخرا بالضم ، سخرة و سخريا و سخرية : هزئ به”.

أما اصطلاحا فيتعذر إعطاء السخرية تعريفا محددا ومسيجا ، لأسباب عدة منها علاقة  موضوع السخرية بالعديد من المواضيع كــــــ (التهكم ، و الطرفة ، و الفكاهة ، و الهزل ) . علاوة على  تداخلها وتمازجها مع بعض الصور البلاغية كالإبهام و التعريض و التوجيه و والذم في معرض المدح ونفي الشيء بإيجابه .

فماذا عن حضور السخرية في قصص ” آن الأوان ” التي تقع في  ويزين غلافها عمل تشكيلي للمغربية الدكتورة أم البنين السلاوي؟

تجليات السخرية في ” آن الأوان “

أ – السخرية السياسية:

بداءة ، دعونا نتفق أن العلاقة بين السخرية و السياسة  هي علاقة تاريخية ، فأين ما كان الظلم تكون السخرية وسيلة موضوعية و فنية للقضاء عليه  ، فأكثر الشعوب اضطهادا هي نفسها الأكثر إنتاجا للسخرية ،   فهي « ليست تنكيتًا ساذجًا على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعًا خاصًا من التحليل العميق ” حسب الشهيد غسان كنفاني في كتابه «فارس » .

 في نفس السياق ، نقرأ  في قصة ” مصير” : ” استذأب ملك الغابة. فرت الرعية طلبا للأمان. خُتِم على مؤخراتها بأختام دولية. تلقفتهم أقفاص السرك ، وأعلنت مواعيد العروض ” ، ترسم هذه القصيصة ، صورة حالكة عن وضعية الرعية الحيوانية المقهورة ، واسئذاب واستئساد ملك الغابة ، إنها تراجيديا السخرية في أقصى درجات وعيها وتهكمها من واقع غابوي ، لا يعنيه سوى التحقير والعنف لضمان جبروته ، ولا يعنيه مصير الرعية وخواتمها .

وتصعيد لهذا العنف المادي نقرأ في قصة ” نهاية ” : ” استيقظ الأسد مذعورا على عفطة من حمار. استدعى كبير الكهنة والعرافين. أشاروا عليه بقتل جميع حمير الغابة. منذ المجزرة والأسد يعاني من حمى الحمير”.

تبدأ هذه القصيصة باستيقاظ الأسد  خائفا جراء ” عفطة” من حمار ، ثم استدعاؤه للعرافين والكهنة لأجل المشاورة والتمويه بدمقرطة القرار ، لكن سرعان ما تنحرف القصيصة ، لتنفتح على مسار جديد هو من طبيعة السلطة ، حيث الانتقال الى القتل الجماعي ، ثم إلى الأسلبة الساخرة والتهكمية بتوظيف ” الحمى”  ترجمة لتوثر عاصف وخطاب يعري الأعطاب والاختلالات السلطوية ، والتي تؤسس لجماليتها المتفردة، ولو عبر وسيلة  المبالغات والتشويهات.

ب _ السخرية الاجتماعية :

تعتبر السخرية طريقا خاصا للتعبير عن القضايا التي تدعو إلى الانتقاد في المجتمعات بلغة ساخرة ملؤها الضحک والمزاح.بقصد تأزيم المعنى والقبض على  الحقيقة المشوهة  لتكون  محل استفهام دائم ، بعيد عن السقوط في هاوية الخنوع والاستسلام ، ذلك أن السخرية والسخرية مرآة صادقة للحقيقة من ناحية کما أنها طريق للتعبير عن الاضطرابات، والمساوئ ,والتشوهات  ، وعيوب الفرد والمجتمع من ناحية أخري.

نقرأ في قصة ” مفارقة ” : “قدحت عينا أستاذ اللغة العربية شررا ، وهو يستلم واجب النسخ من الصبي ،  تناوله بالعصا قائلا : أين النقط يا ح … ؟

في اليوم التالي ملأ صفحة النسخ بالنقط العشوائية ، كان نصيبه من الأستاذ عبدا لرءوف علامة فارقة ودائمة ، أدمت قدميه نتيجة الفلقة . رسم الطفل صورة قدمين داميتين وعلقها في صدر البيت ،  وكتب تحتها : ” قبل أن تعرض واجب النسخ على عبدالرءوف ، تأكد من النقاط على الحروف “

في هذا النص تحضر ملامح السخرية ذاتها، لكن كي تكشف عن التشوه والعوج الذي يعني المدرسة والفعل التربوي ، حيث حضور عوالم الطفولة المغتصبة ، وذلك  من خلال الدوال بالدوال المكتظة بعلامات العنف الرمزي والمادي ” ” أين النقط يا ح …؟”و” أدمت قدميه نتيجة الفلقة”، وفي فضاء من المفروض أن يكون رمزا للتربية بالتي هي أحسن .

بهذا المعنى ، تروض الساردة الساخرة على المفارقات ، كما تتمرد على البديهيات مروض للمفارقات عبر زواج أبيض بين اللعب والجد ، والمرح بالمأساة ، والشك باليقين والحزن بالفرح.إنها تمثل تنفيسا وملاذا للمبعدين والمقصيين .

على سبيل الختم :

بهكذا سخرية  جادة وهادفة ، تكون القاصة الأردنية مديحة الروسان قد مزج في مجموعتها القصصية ، بين الجدية والسخرية ، بين الكشف والتعتيم الذكي ، وبأداء فني محكم ومكثف .

لتبقى قصصها القصيرة جدا ، أخيرا ، إضافة نوعية للمشهد القصصي الأردني والعربي ، ومكسبا لعشاق القصة ومريديها ، بما فيها من أداء فني  ، ومواضيع ، من شأنها فتح شهية القارئ القارئ ، ومن ثمة تصيده وتوريطه إيجابيا للدخول والتفاعل معها .

 

تعليق واحد

  1. قراءة عميقة وممتعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.