الرئيسية | ترجمة | الهجرة بين فقدان الهوية واغتراب الذات| باتريشيا إنجل – ترجمة: د. أحمد إسماعيل عبد الكريم

الهجرة بين فقدان الهوية واغتراب الذات| باتريشيا إنجل – ترجمة: د. أحمد إسماعيل عبد الكريم

حوار: جين سياباتاري

ترجمة: د. أحمد إسماعيل عبد الكريم

 

    كتبت باتريشيا إنجل في مقال لـ (إلكتريك لايت)، عن الروايات المروعة لما يلاقيه المهاجرون فى المنفي من عزلة وتفكك واضطراب، إنَّها ترى أن عبارة “تجربة المهاجرين” مختزلة المعنى محدودة الدلالة، إذ تلحظ أن اللغة الإنجليزية، بكل مرونتها، محدودة في قدرتها على نقل رحلة الهجرة سواء أكان ذلك على نطاق الجغرافيا، أم على المستوى المحلى، ناهيك عن طيف الصدمات ذات الصلة التي تتجاوز الأجيال، حيث تؤثر على الفرد والجماعة على حد سواء. وفي الوقت الراهن، دعونا نطلق على هذا التفكك للقلب والتنقيب عن هوية جديدة في مكان مجهول بغض النظر عن الأحداث التي يؤدي إليها المنفى، الذي لا يأتي إلينا بالمفهوم الاجتماعي والسياسي فحسب، بل بالمفهوم العاطفي والروحي والأسري؛ والتخلص من الذات من أجل الوجود في حياة جديدة “.

     تستكشف رواية إنجل الجديدة، “بلاد اللانهاية” Infinite Country ، هذا “التراجع” لأنه يؤثر على عدة أجيال – فــ”تاليا” المراهقة المولودة في الولايات المتحدة في “بوغوتا”، ووالدتها “إيلينا” المقيمة في الولايات المتحدة، ووالدها “ماورو”، الذي رُحِّلَ إلى كولومبيا بعد قدوم الأسرة إلى الولايات المتحدة. وقد حثَّ “ماورو” إيلينا على البقاء في الولايات المتحدة، بيد أنَّ الأمور لم تكن بهذه البساطة .”خلال السنوات التي فكرت فيها إيلينا وماورو في البقاء في البلاد، في ظل التهديد بالقبض عليهما وإعادتهما، لم يفكرا إلا في مسألة البقاء على قيد الحياة فحسب، سواء عاشا هنا أو هناك، ولم يعيرا أى اهتمام لما سينطوى على ذلك من تشتت أو انقسام، ولم يخطر ببالهما أن ذلك سيمثل شرخًا حادًا فى قلب الأسرة. تكتب إنجل روايتها الجديدة التى تجمع فى حلبتهاعدة أجيال، فتقدم صورة حميمة لهذا التصدع والانقسام، مع الأسى والأسف ومحاولة الرغبة في التجديد.

ما الذي ألهمك روايتك الرابعة، الدولة اللانهائية، “Infinite Country“؟ ومتى تبلورت فكرة هذه الرواية في مخيلتك للبدء في كتابتها؟ وكم استغرقت من الوقت ؟ وكم عدد الفصول المتوقعة لمحتوى هذه الرواية؟

      إن كل كتبي متأصلة في جانب من جوانب واقعي، والأشخاص الموجودين في محيط حياتى، ويشغلون بؤرة اهتمامى، مثل كيف نتعامل مع الشتات. كل حياتي صارت عملية بحث. تمخض جزء كبير من بلاد اللانهاية عبر سنوات من السفر في وطن والدي كولومبيا، وقد كان بالنسبة لى المعين الذى يمدنى بفيض لا ينضب من الإلهام. كنت أعرف دائما أنني سأكتب هذه الرواية بالتحديد عن عائلة مختلطة الوضع، لكنَّ الأمر استغرق بعض الوقت لوضع تصور للفكرة وكيف يمكنني إنجازها. وقد استغرقت الصياغة الفعلية للرواية حتى نضجت واستوت على سوقها حوالي ثلاث سنوات.

إلى أي مدى استندت إلى خلفيتك العائلية في كتابة “بلاد اللانهاية”؟ ومَنْ الأشخاص الذين تعرفينهم ممّن يتعاملون مع وحشية الحياة المستمرة من بين غير الحائزين على وثائق اليوم ؟

     “الدولة اللانهائية” هي أكثر رواياتي الشخصية في كيفية الوصول إلى الخيارات والمشاعر المعقدة التي تسفر عن ما نعترف بأنه وجود في الشتات. بوغوتا هي مسقط رأس والدتى، ومأوى لا يزال للكثير من العائلات، ولقد شعرت دائما بتأثر كبير من تضاريس الأنديز. وضع الرواية كان هناك قرار سهل. لقد أصابت سهام الهجرة عائلتي فاستشرى الانقسام في شجرة عائلتنا، وأصاب التغيير المفاجئ مسار تاريخ عائلتنا. إنها قصتنا وقصة عدد لا يحصى من العائلات الأخرى. وغالبا ما يكون قرار الهجرة مترددا في اتخاذه، فيلد مقترنًا بالشك والأسف.

      لقد تحدى الأشخاص المقربون مني ظلم قوانين الهجرة غير المستقرة الظالمة التي تمزق أواصر العائلات إلى أجل غير مسمى، وهى الإدارات التي تُجرِّم الناس بسبب قيامهم بما لا يمثل إلا غريزة طبيعية؛ أي البحث عن موارد وفرص لحياة أفضل، وهو ما يعني حرفيًا أن البشرية كفلت بها بقاءها. كتبت هذه الرواية بدافع حبهم.

افتتاحيتك للرواية بدأت بالعبارة “كانت فكرتها لربط الراهبة”. لقد وصفتِ “تاليا” أنها في الخامسة عشرة من عمرها، تود الهروب من مدرسة سجن الفتيات لمخالفات الشباب، ولم يتبق لها سوى أسبوع واحد قبل أن “تعود إلى بوغوتا، إلى المطار، والخروج من كولومبيا”. إنها تأمل أن يتمكن والدها ماورو، الذي يعمل كبوّاب، من المساعدة، لكنه استنفد موارده. لذا فإنَّ شأن “تحرير نفسها من السجن، ومن البلاد سيكون متروكًا لها”. وهكذا فإنها تنوي الهروب إلى الولايات المتحدة، حيث وُلدت، للانضمام مرة أخرى إلى والدتها، وأخيها وأختها. تُرى كيف تفهم “تاليا” الولايات المتحدة، الوطن الذي تركته وهي طفلة ؟

     أعتقد أن تاليا تفهم الولايات المتحدة بالطريقة نفسها التي نفهم بها نحن جميعًاً أننا من أماكن شتى ، وأننا لا يمكن تعريفنا بجوازات السفر، أو الحدود، أو الأوراق ذات التواريخ المنتهية. عاشت تاليا معظم حياتها مع والدها وجدتها في كولومبيا، لكنها كانت بمعزل عن والدتها القاطنة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فهى منقسمة بين القوى المتعارضة في مسقط رأسها ووطن الأجداد، الأم والأب، الماضي والمستقبل.

تناوبك الحكاية المثيرة لرحلة تاليا مع خلفية أبويها ـ علاقة حبهما، ورحلتهما إلى الولايات المتحدة، وتعقيدات حياة هذه العائلة، والسبب الذي دفع والدتها “إيلينا” إلى إعادتها إلى “بوغوتا” عندما كانت طفلة لتُرَبَّى فى حجر والدتها “بيرلا”، ولماذا تعود تاليا إلى الولايات المتحدة الآن ـ في مرحلة انتقالية سلسة. هل كان في مخيلتك هيكل هذه الرواية بصورتها التى خرجت عليها منذ البداية؟ وكم استغرقت من الوقت لترتيب كل هذا؟

     بلا شك حدث تطور للهيكل على مدى التنقيحات القليلة الأولى. كنت أعرف أنني أريد العديد من الأصوات، ولكن تمت تصفيتها أيضا من خلال منظور الشخص الراوى، الذي هو صاحب الحقيقة العائلية، وهو موثِّقٌ من نوع ما. أعتقد أن هناك شخص كهذا في كل عائلة، يشعر بعبء كونه الشاهد الموثوق نيابة عن الجماعة.

تتساءل إيلينا عن القرار الذي اتخذته هي ومورو بشأن إعادة طفلتهما الصغرى “تاليا” إلى كولومبيا، وتتساءل عما إذا كانت قد ارتكبت خطأ: “لقد شككت في قرارها كل يوم منذ ذلك الحين”. وهي ترى المفارقة “لقد كانت فكرة ماورو مغادرة بوغوتا؛ إلا أنَّ إيلينا تتبعها”، وقد أعربت عن قلقها إزاء المستقبل “من الأفضل أن تستثمر في هذه الحياة الجديدة، لأنك إذا عدت إلى الحياة القديمة، فإن أطفالك لن يسامحوك أبداً في المستقبل”. يبدو أنَّ الحياة اليومية مع هذه الأسئلة تجعل حياتها صعبة. ما الذي يحافظ على معنوياتها؟

     أنا لست متأكدة من معنوياتها من أي وقت مضى حتى بطريقة مستدامة. مع مرور السنوات، تتكئ على الإيمان والأمل، وتدفع من خلال عدم اليقين والندم على خياراتها، وتتخيل أن يتم لم شمل عائلتها في يوم من الأيام. الهجرة ليست بالتأكيد شيئًا صائبًا. بل غالبا ما تكون محفوفة بالتضارب والحنين الشديد إلى الوطن. ولكن من خلال كل ذلك، تواصل “إيلينا”، مثل كثيرين غيرها، تستمر في المضي قدما من أجل إعالة أسرتها، لأن البديل أكثر خطورة أو غير مؤكد. إنَّ واقع الهجرة بما ينتابها من التصدع والمخاطر، تصبح الشيطان الذي تعرفه.

لقد كتبت بشكل مؤثر عن السجن، “كارليتو في روايتك: عروق المحيط “ The Veins of the Ocean“، التي فازت بجائزة دايتون الأدبية للسلام للعام 2017م، الذى يقضي عقوبة الإعدام). وفي روايتك “بلاد اللانهاية”، تفتحين مع تاليا في مدرسة سجن للفتيات، وفي وقت لاحق تصفين الأشهر التى قضاها “ماورو” في الاحتجاز قبل ترحيله إلى كولومبيا. تُرى ما الذي يدفعك للكتابة عن السجن؟

      لقد عشت مع أفراد الأسرة المسجونين. عرفت الفروق الدقيقة لما يمر به السجناء وأسرهم بطريقة لا يستوعبها معظم الأطفال، مما يشوه القيم والمبادئ الأخلاقية، والقدرة البشرية على إلحاق الأذى. وقد انبثقت من هناك استطلاعاتي لما يعنيه الاحتجاز والسجن فيما يتعلق بكرامة التجربة الإنسانية. إننى أميل أيضا إلى الكتابة عن أنواع أخرى من السجن، مثل الحبس المفروض على الذات، والنفي الشخصي عقوبة العار، والعزلة، والأسف، وبالطبع الحبس المتصل بالقيود الحرفية والاجتماعية والعاطفية للهجرة والتشريد.

أخت تاليا وشقيقها لديهما وجهة نظر في وقت متأخر من الرواية. يتعرض أخوها للضرب من زملائه في الفصل، ويصف محاولة “أداء الأنجلو”. كتبت أختها، “لقد رسمت حولى حدود طوال حياتي، لكنني رفضت العيش كشخص تغشاه الحدود. أنا أكره مصطلح غير موثقة”. بينما تغادر تاليا كولومبيا، فإنها تشهد الولايات المتحدة بعد انتخابات العام 2016م. هل هي مفاجأة أنها تغار من تاليا؟ كيف يجد الجيل الأصغر في الولايات المتحدة إحساساً بالانتماء، في ظل حياة جديدة ؟

     لا توجد تجربة فريدة لكونها مغتربة أو غير موثقة، أو جزء من أسرة ذات وضع مهاجر مختلط. ويظهر هؤلاء الأشقاء الثلاثة كيف توجد في أسرة واحدة مجموعة من المخاطر والعواقب والمكافآت، وكل طفل يتبنى نتائج قرارات والديه بالحضور إلى الولايات المتحدة والبقاء هنا بشكل مختلف.

لقد ذكرتِ رواية “الحياة قبلنا”  The Life Before Us لرومان غاري، باعتبارها واحدة من رواياتكم المفضلة عن المنفى والتفكك. هل شاهدتم النسخة السينمائية الجديدة “الحياة المقبلة” ” The Life Ahead “،والنسخة الثالثة من قصة السيدة روزا واتهامها، مع صوفيا لورين وإبراهيما غويي، من إخراج نجل  لورين إدواردو بونتي؟ ما رأيك في تصويره لشعور المنفي، خصوصاً المنفي العاطفي؟

     لم أشاهد الفيلم الجديد المُعدّل بعد، لكنني كنت أنوى ذلك. ما أميل إليه في الرواية هو أنها تصور المنفيين المتداخلين، وأشخاصًا من مجتمعات وأمم مختلفة، ومهاجرين، ومنفيين اجتماعيًّا، وكيف يشكلون أمة أخرى عابرة على أطراف باريس. لقد نشأت بين المهاجرين من شتى بقاع العالم، والذين -لا شك- كانت لديهم اختلافات ثقافية ولكنهم ارتبطوا بالخسارة المشتركة للوطن وعدم الاستقرار في هذا البلد الجديد، حيث لديهم فيض من الأمل للتضحية. في فيلم “الحياة قبلنا”  The Life Before Us ، تمثل السيدة روزا إحدى الناجيات من الهولوكوست، والتي تقدم الصدمة كنوع آخر من المنفى العاطفي أو الجسدي، والراوي “مومو”، الذي لا يدرك حتى هويته الحقيقية أو عمره. بهذه الطريقة، تشكل الأسرار والحقائق غير المعلنة طيفًا آخر من النفي والطرد.

ما الكتاب الذي تقرأه من أجل الإلهام، وللحرفة، وللقمة العيش؟

      بالنسبة للحرف المهنية، أنا متحمس جداً لقراءة كتاب “مات ساليسيس” الجديد، “الحرفة في عالم الواقع” Craft in the Real World “، وقد أحببت كتاب إدويدج دانتيكات Create Dangerously and The Art of Dying” ، وكتاب ألكسندر شي عن كيفية سرد سيرة ذاتية “How to Write an Autobiographical Novel, “، وكتاب أورهان باموك عن الروائى الساذج والعاطفي” the Naive and Sentimental Novelist “. ومن الكتاب الآخرين الذين أجلُّهم وأتطلع إليهم بإعجاب شديد هم: توني موريسون، وجيمس بالدوين، ولويز إرديتش، ولويس ألبرتو أوريا، وفييت ثان نجوين؛ أما الكُتَّاب الكولومبيون فمثلاً: لورا ريستريبو، وخورخي فرانكو، وهيكتور آباد، وسانتياغو جامبوا ، وبيداد بونيت ؛ وشعراء مثل ناتالي دياز ، كارمن جيمينيز سميث، لي يونغ لي، إدواردو كورال، وأريحا براون.

ما العمل الذى تعملين عليه الآن؟

     حاليًا أضع اللمسات الأخيرة لمجموعة قصصية قصيرة، ستتبع “بلاد اللانهاية”، وبدأت أيضا العمل في وضع الهيكل العام لرواية تدور أحداثها في نيو جيرسي.

  • جين سياباتاري، هى مؤلفة مجموعة القصص القصيرة”Stealing the Fire” ، لها مشاركات منتظمة في BBC Culture.وهي رئيسة سابقة لدائرة نقاد الكتاب الوطنية (ونائب رئيس NBCC الحالي / الجوائز والأحداث) ، وعضو في “the Writers Grotto”،ظهرت مراجعاتها ومقابلاتها وانتقادها الثقافي في العديد من الأوساط الثقافية مثل: NPR و New York Times Book Review و The Guardian و Bookforum و Paris Review و Washington Post و Boston Globe و Los Angeles Times ، ناهيك عن منشورات أخرى عديدة.

 

ttps://lithub.com/patricia-engel-on-writing-the-shifting-identities-of-diaspora-life/

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.