الرئيسية | بالواضح | ألبير كامو وجون بول سارتر: صداقة أم قطيعة | عزالدين بوركة

ألبير كامو وجون بول سارتر: صداقة أم قطيعة | عزالدين بوركة

عزالدين بوركة

 

“عزيزي سارتر، ها هي كنوزكم التي رصعت بالشكر”-من كامي إلى سارتر

 

يُعتبر كل من ألبير كامي وجون بول سارتر أيقونتين، للفكر الفرنسي خاصةً والعالمي، في القرن المنصرم (العشرين). وخاصة ما بين فترة 1940 و 1960. فأعمالهما وإنخراطاتهما الفكرية والنضالية/الثقافية، تقاطعت لتجيب عن تحديات القرن الماضي، وتستمر في القرن الحالي. في سنة 2013 تمّ اكتشاف رسالة، تحمل توقيع ألبير كامو إلى ج. ب. سارتر.. وقد عُثر عليها من قبل وراقين من Orléans، وقد عُرضت في معرض ب Lourmarin ما بين الثالث والثامن من شهر شتنبر من نفس العام. جاء في الرسالة بإيجاز:

“عزيزي سارتر […] أتمنى لك وأيضا للقندس المزيد من العمل […] أعطني إشارة عند عودتكم، سنقضي أمسية حارة […]”.

عرفت العلاقة –كما هو معروف- بين الفيلسوفين مشادات فكرية وتنافسية حادة، وقطيعة انتهت مع موت كامي في حادثة سير، رفقة صديقه ميشيل غاليمار، عام 1960. هذه القطيعة التي احتدت سنة 1947 بفعل نشر مقال لموريس ميرلولونتي (فيلسوف وجودي وفينومينولوجي) ، نُشرَ في مجلة les temps modernes التي كان يشتغل سارتر مديرا لها. طعن المقال في أفكار كامو. واشتدت العلاقة احتداما بفعل الخلاف الذي ساد بينهما حول تضارب رؤاهما حول قضية الترحال القسري إلى معسرات goulags السُوفياتية. سارتر الذي اتخذ منها منطلقا لانتقاد النظام الفرنسي (آنذاك). بينما ألبير كامو لم يوافق عن هذا المبدأ، وكتب ينتقده.. بالرغم من ميولهما الواضح، وانحيازهما للفكر الشيوعي، فإن صاحب (الغريب) قال “لا” للعنف، بينما صاحب (الغثيان) ذهب إلى القول “نعم” للعنف لتغيير الوضع القائم. وبين لا ونعم نتجت القطيعة المؤكدة بين الرجلين.

“تمرد إذن أنت موجود”. هذه العبارة تلخص فحو كتابه “الإنسان المتمرد” (1951)، الذي ناقش فيه كامي أفكاره عن التمرد/الثورة والعنف. تلقى أصدقاؤه الشيوعيون المُؤَلّف باستياء وعدم قبول. وسارتر بدوره ساءه ما يحمله العمل من تضارب مع أفكاره.  الذي ذهب مباشرة بعد نشر الكتاب -الذي لقي ترحيبا صحفيا واسعا واستحسانا ثقافيا- إلى تأكيد القطيعة بشكل نهائي. وتأييدا منه نشر فرنسيس جونسون في مجلة “الأزمنة الحديثة” مقالا يستهزئ فيه من صاحب رواية “السقوط” ومؤلفاته.

عقب هذه القطيعة ونشر مقال جونسون، تقدم كامي ببعث رسالة إلى المجلة بدأها كاتبا (إلى مدير الأزمنة الحديثة). هذه الرسمية الجافة تُظهر مدى استياء كامو من انتقاد سارتر له عبر المفكرين والكاتبين الصحفيين العاملين في المجلة. هدفهم (حسب تعبير كامي) الشهرة مستغلين التلاعب بالحس التاريخي. مشيرا منه إلى قضية المعتقلات السوفياتية.*

جاء الرد من سارتر سريعا، مُعبرا عن الأسف وخيبة الأمل التي نتجت عن هذا الخلاف:

كتب سارتر في رسالة إلى كامي:

 “عزيزي كامي

كثير من الأمور تجمعنا والقليل يباعد بيننا. ولكن هذا القليل صار غير مُسْتحْمَل: الصداقة، هي أيضا أصبحت تذهب إلى الكليانية (الشمولية)

نشرت الرسالتان في مجلة الأزمنة الحديثة بعددها لتاريخ 30 يونيو 1952. وفي غشت من نفس السنة، كُتِبَ عنوان لمُنشيتها “سارتر، كامي، القطيعة الأكيدة”.

هذه القطيعة شغلت الرأي والقارئ الفرنسي مطولا، حاجبة بذلك العلاقة الودية التي جمعت بين المفكرين، قبل القطيعة المؤكدة. في الرسالة التي أدرجنا مقطعا منها أعلاه. تبدو فيها العلاقة الحمبمية التي جمعت بينهما واضحة المعالم، من خلال اختيار كامي للقب “القندس” الذي لقب به سارتر شريكته س. ذي بوفوار. هذا اللقب الذي لم يتسنّ إلا للقليلين والأصدقاء المقربين لهما بتلقيب سيمون به، التي تقول عن هذه القطيعة “إذا كانت صداقتهما قد انتهت بفرقعة كبيرة فذلك لأن أسباب انهيارها كانت تتفاعل مند زمن طويل”.

لم تكن هذه العوامل الوحيدة التي رسمت صورة الخلاف بينهما. بل هو خلاف في المبدأ: لم يرد كامي، وضع لقب الفيلسوف ، بل كان يردد دائما، أنه فنان وليس فيلسوفا. يقول “لماذا أنا فنان ولست فيلسوفا؟ لأني ببساطة أفكر عبر الكلمات وليس الأفكار”.

إلا أن رؤيته للعبث (الأبسورد)، تنتج عن رؤية فلسفية. ف”أسطورة سيزيف” مقالة/تجربة فكرية أكثر من كونها رواية. كامي لم يكن قط مفكرا نظريا، بل هو مفكر موهوب، في حاجة دائمة لمَثلٍ، إنه يتحدث عبر شخوص/أشخاص آخرين. ولو حينما يكتب ما يُخالجه في عمق ذاته (في روايته السوط مثلا). وأيضا في باقي رواياته الأخرى نجدها حاملة لرؤية فلسفية عميقة. إنها فكرة تصير لوحة تشكيلية، يرسمها كامي، مع كل فعل قراءة.. يقول “الرواية ما هي إلا فلسفة تمّ إغناءها بالصور”.

هذه الرؤية لم يشاطره إياها سارتر.. الذي لم يعتبر أبدا كامي فيلسوفا حقيقيا، عكسه هو و إن أمكننا القول أنه حظي بالصفة الرسمية لفيلسوف.

سارتر خريج المدرسة العليا، وكامي القادم من شوارع المستعمرة الجزائرية، من أب فلاح وأم أمية صماء.  دخل إلى عالم الفكر والأدب بقوة الإرادة والكفاح. عكس سارتر الذي نظر إليه كامي على أنه مثقف بورجوازي، حالفته المادة.. سارتر الذي حاول جاهدا الانسلاخ عن الهوية البورجوازية، والتقرب إلى عامة الشعب. قابله كامي الذي ظللّ متشبثا بأصوله ولم يتنكر لها قط.

إذن هي رسائل كثيرة جمعت بين الرجلين في السر، وظلت خفية إلى حين.. وأخرى ظهرت للقراء مفرقة وقاطعة بين المفكرين في العلانية. فكم يا ترى من رسالة جمعت بين مثقفين وأخرى فرقت بينهم؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أنظر لمقال:

Albert Camus et Jean-Paul Sartre : une relation tumultueuse – par Acturevue

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.