الرئيسية | فكر ونقد | أحمد لطفي السيد ليبرالي من طراز فريد | يسري عبد الغني عبد الله

أحمد لطفي السيد ليبرالي من طراز فريد | يسري عبد الغني عبد الله

يسري عبد الغني عبد الله

 

” أعدوا الأمة قبل كل شيء وعلموا الشعب الجاهل، وانظروا إلى ما تقدرون عليه لا إلى ما تريدون فعبثًا تقولون للمقعد سر فرسخًا، وباطلاً تقولون للطفل اطلع جبلاً، بل تعهدوا الطفل حتى يكبر ويترعرع، والمريض حتى يشفى ويشتد ساعده .                            

 “[ أستاذ الجيل / أحمد لطفي السيد ]

أحمد لطفي السيد

أحمد لطفي السيد

يستمد أحمد لطفي السيد أهميته في تاريخ مصر من مصدرين : المصدر الأول، الفكر الليبرالي، والمصدر الثاني، الفكر القومي، وبالنسبة للفكر الليبرالي، نقصد به الديمقراطية الغربية، فإن رفاعة رافع الطهطاوي كان قد سبقه إلى نقل هذا الفكر إلى مصر في كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، ولكنه أصل له في الفكر الإسلامي وأرجعه إلى أصول إسلامية، أما أحمد لطفي السيد فإنه قدم هذا الفكر باعتباره فكرًا علمانيًا غربيًا خالصًا دون أن يحاول التأصيل له في التراث الإسلامي، وقد أطلق على هذا الفكر اسم (مذهب الحرية )، أو (مذهب الحريين) أي الأحرار، أو أنصار الحرية.

أما الفكر القومي، فإن الفكر الذي كان سائدًا في مصر في ذلك الحين، كان هو فكر الجامعة الإسلامية، وليس فكر القومية المصرية، وبمعنى آخر فإن المصريين كانوا يشعرون في ذلك الحين بأنهم مسلمون ينتمون إلى الأمة الإسلامية بأكثر مما كانوا يشعرون بأنهم مصريون ينتمون إلى الأمة المصرية، ولم تكن مصر دولة مستقلة، وإنما كانت خاضعة للدولة العثمانية تابعة لما يسمى بالخليفة العثماني، وبمعنى آخر كانت محتلة من الأتراك.

نقول لك : لم يكن أحد يريد الاستقلال عن الدولة العثمانية المحتلة لنا، لأن هذه الدولة كانت تدعي إفكًا وكذبًا وبهتانًا أنها تدافع عن العالم الإسلامي ضد الاستعمار الأوربي، رغم أنها عجزت عن منع إنجلترا من احتلال مصر سنة 1882، وقد طالب أحمد لطفي السيد في ذلك الحين باستقلال مصر التام عن كل من تركيا وانجلترا، فمصر أولاً وأخيرا للمصريين.

ولد أستاذ الجيل / أحمد لطفي السيد في سنة 1872، في بلدة برقين بالدقهلية، وحصل على ليسانس الحقوق سنة 1894، والتحق بخدمة القضاء، ورقي إلى وظيفة مساعد نيابة سنة 1896، ثم وكيلاً للنيابة، واستقال من منصبه سنة 1905، ليعمل في السياسة، ويشارك في تأسيس حزب الأمة.

تولى لطفي السيد رئاسة تحرير صحيفة (الجريدة)، ثم عين مديرًا لدار الكتب المصرية من سنة 1915 إلى سنة 1918، ثم عين مديرًا للجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن)، ثم عين وزيرًا للمعارف العمومية (التربية والتعليم الآن) سنة 1938، وتولى عدة مناصب وزارية بعد ذلك، وعين رئيسًا لمجمع اللغة العربية سنة 1945، وترجم كتب أرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير، ونال جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1958، وانتقل إلى رحمة الله راضيًا مرضيًا سنة 1963.

إن شهرة لطفي السيد كمفكر طغت على كل المناصب التي تولاها، وهذا أمر واقع فالفكر المحترم يعيش أبد الآبدين، أما المناصب فأمر تافه زائل عادة ما تصبح نسيًا منسيًا لا قيمة لها، يكفي أن الرجل دافع عن الفكر الديمقراطي الحر في سلسلة مهمة من المقالات نشرها في عام 1913، في صحيفة (الجريدة)، عندما كان رئيسًا لتحريرها، وعرف الناس: ما هي الديمقراطية؟، وكيف نسعى إليها؟، وكيف نعتنقها ونطبقها ونستفيد منها من أجل صالح الوطن؟، كل ذلك بأسلوب سهل بسيط مفهوم يفهمه كل قارئ.

لقد أوضح لطفي السيد أن هذا المذهب الديمقراطي يقوم على ألا يكون للحكومة من سلطة إلا في ثلاث مهام فقط، هي : الأمن في الداخل ،والدفاع عن الوطن ضد أي خطر يقابله، وإقامة العدل بين الناس جميعًا، وفيما عدا ذلك من مهام مثل : التجارة والصناعة والزراعة، فيقوم بها الأفراد، ولا دخل للحكومة بها، فالناس أدرى بشئون حياتهم .

وحتى يقوم الأفراد بهذه المهام التي يقوم عليها اقتصاد البلاد ورخائها، فإنهم يجب أن يتمتعوا بالحرية الكاملة غير المنقوصة، ولا تتدخل الحكومة في شؤونهم بأي حال من الأحوال .

وقد حدد لطفي السيد هذه الحرية بأنها نوعان: حرية الأفراد، وحرية الأمة، وأطلق على هذه الحريات اسم أو تعبير (حقوق صلبة) أي أن هذه الحريات ليست منحة من الحاكم، وإنما هي حقوق أصلية أصيلة للأفراد وللأمة، يجب أن يتمتع جميع أفراد الشعب بها .

وقد حدد حق الحرية الفردية، أو الحرية المدنية، لأنها حق حرية الفكر، وحرية الاعتقاد، وحرية الكلام أو التعبير، وحرية الكتابة، وحرية التربية والتعليم، وقال : إنه ليس لأحد الحق في أن يضع قانونًا يسلب به من أي فرد أي حق من هذه الحقوق .

وأخذ أستاذ الجيل في شرح هذه الحريات المدنية واحدة تلو الأخرى، فتحدث عن حرية الفكر، وإبداء الرأي ونشره للكافة، وأداتها الخطابة والكتابة، فقال: إن الخطابة هي مصدر الحرية الشخصية، وهي الآلة الشائعة لحرية الفكر وحرية الضمير، وهي ألزم للفرد من حرية الكتابة، فهي تفعل في النفوس أضعاف ما تفعله الكتابة، لأنها تحرك عواطف الجماهير الثائرة، وهي التي تسكن ثوران تلك العواطف، وهي أفضل ما اتخذه الإنسان سلاحًا للإقناع، فمن منع إنسانًا حرية القول، فإنما منع الإنسانية جمعاء، فإن قول الحقيقة ليس مجرد حق للفرد، بل هو أيضًا واجب عليه تجاه مجتمعه الذي يعيش فيه ويرجو له الخير والتقدم، ولا يكون الفرد وطنيًا صحيحًا إلا إذا أظهر ما يعتقده صالحًا لبني وطنه، فالذين يتعرضون لحرية الكلام والتعبير إنما يعطلون حقًا من حقوق الأفراد الطبيعية.

ثم عقد الأستاذ أحمد لطفي السيد مقارنة بين الخطابة والكتابة، وقال: إن الخطابة هي آلة الإقناع في المجالس النيابية، ولا تزال الآلة السريعة لظهور الحقيقة، فما يقوله الخطيب في كلمات قليلات يؤثر في الناس أكثر مما يؤثر فيهم ما يكتبه الكاتب في أيام وأسابيع.

ويؤكد على أن لسان الخطيب وبيانه، ونظراته، وصوته، وإشاراته، وروح الإقناع التي تتجلى في وجهه وتنبعث أشعتها إلى سامعيه، تؤثر في السامعين وتنفذ في رؤوسهم وفي صدورهم، فتطرب بها وتصفق أكفهم تصفيقًا، لذلك إذا كانت حرية الكُتاب من الحقوق التي لا يحل لأحد المساس بها، فإن المساس بحرية الكلام أولى بالتحريم.

وأستاذنا هنا يتحدث عن أهمية الخطابة ودورها في الارتقاء بحرية الرأي والإبداع والتفكير والتعبير والتوجيه والتوعية والإرشاد، عندما كان هناك على أيامه خطباء يشار إليهم بالبنان، ليس بمفوهين فقط، بل يمتلكون ثقافة موسوعية راقية، وشخصية قيادية متميزة، أما نحن الآن فنسأل الله حُسن العاقبة.

وانتقل الأستاذ (وبالمناسبة فإن لطفي السيد من أوائل أهل الفكر والرأي الذي أطلق عليهم لقب الأستاذ )، إلى حرية الصحافة، فأوضح أنها صانعة الرأي العام المستنير، وهو بالطبع لا يقصد الصحافة الصفراء أو صحافة النفاق المقيت، أو صحافة السبوبة، مؤكدًا على أنه قبل ظهور الصحافة لم يكن هناك رأي عام أو شبه رأي عام في أي وطن من الأوطان، ووصف الصحافة بالحكومة، الحكومة الحقيقية للبلاد المتمدنة، وهي الحكومة الحرة القوية التي تقود الناس بقوة الاعتقاد والإقناع والفهم والوعي، وليس بالسلطان والقوة، ونصح الحكومات بأن تترك الصحافة حرة تقول ما تريد، من أجل الصالح العام، دون أن تخرب البلاد وتمزق العباد، وعلى الحكومات أن تسعى إلى إعلاء حرية الصحافة ولا تقف في طريقها، لأن الوقوف في طريق حرية الرأي العام واعتقاده لا يأتي إلا بنتيجة عكسية، المهم أن الصحف بوجه خاص، ووسائل الإعلام بوجه عام تفهم رسالتها ودورها الحقيقي في رقي الأمة وتقدمها.

ثم أخذ يدلل على صحة رأيه فقال: إن مظهر الحرية الشخصية هو في إبداء الرأي ونشره، وليست الصحافة الحقيقية شيئًا آخر غير هذا المظهر، فإذا كانت الحكومة تستطيع مصادرة هذه النعمة، نعمة الله علينا، وعلى كل المخلوقات، فلا يوجد ما يعوضنا عن هذا الحرمان، وقال: إن الصحافة تطورت حتى أصبحت نظامًا اجتماعيًا ضروريًا للمجتمعات الإنسانية، فهي من حيث كونها حقًا من حقوق الفرد الأصلية في إبداء الرأي ونشره، لا يحل لأحد أن يمسها، وهي من حيث كونها نظامًا اجتماعيًا يعمل على تكوين الرأي العام وترقيته، تستحق حماية الحكومة، وحرص الأمة عليها .

وانتقل الأستاذ بعد ذلك إلى حرية الاجتماع، فقال: إننا إذا كنا بالفطرة أحرارًا في الفكر، وفي الاعتقاد، وفي الكتابة، وفي الخطابة، فإننا كذلك أحرارًا في الاجتماع أيضًا، وإن قوة الأمم تقاس بكثرة جمعياتها القوية (منظمات المجتمع المدني)، سياسية كانت أو علمية أو دينية أو تجارية أو صناعية، لأن الجمعية أكثر من الأفراد قوة، وأطول عمرًا، وأشمل تأثيرًا، فإن كثرت الجمعيات صعب على الحكومة التغلب على الأمة، وأصبحت الأمم أقوى على مكافحة ظلم الحاكم .

وتناول لطفي السيد حرية تكوين الأحزاب، وبالطبع لا يقصد الأحزاب الورقية أو الكرتونية أو أحزاب السبوبة، فأوضح أن هذه الحرية هي أول سمة تميز العمل السياسي في ظل مذهب الحرية، حيث يجب أن يكون لكل أصحاب رأي سياسي حزبهم الحقيقي الذي يدافع عن مبادئهم السياسية، ويعبر عن آرائهم بشكل جماعي، وقال: إن نواب الأمة لو لم ينتموا إلى أحزاب، لكانت آراؤهم في التشريع آراء بالصدفة، غير مستندة إلى مذهب بعينه من مذاهب الحكم، ولكانت آراء فردية يعبر فيها عن مصالح فردية وليست مصالح عامة، وقال: إنه يجب أن يكون لكل حزب في المجلس النيابي قائد يقوده، ويجب على كل عضو أن يضحي دائمًا برأيه الشخصي، وتغليب رأي حزبه.

وتحدث الأستاذ أيضًا عن حرية القضاء، ووجوب استقلال القضاء وسيادته واحترامه، فقال : إن المفكرين قضوا بضرورة فصل السلطات الثلاث، أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية هي الممثلة في المجلس النيابي أو البرلمان الذي يضم ممثلي الأمة ونوابها عن طريق انتخابات حرة نزيهة، ومهمته التشريع وإصدار القوانين المنظمة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالطبع يجب أن يكون هؤلاء الأعضاء على درجة من العلم والثقافة والشعور الحقيقي بمعاناة الناس وآمالهم، أما السلطة التنفيذية فهي التي تتمثل في الحكومة وعلى رأسها الحاكم سواء كان ملكًا أو رئيس جمهورية، أما السلطة القضائية فهي التي تتمثل في المحاكم والقضاء، ومهمتها إقامة الحق والعدل بين الناس أجمعين.

وقال لطفي السيد : إن السلطة التشريعية قد فصلت فصلاً تامًا عن السلطة التنفيذية بالفعل، ولكن السلطة القضائية لم تنفصل تمامًا، فالقضاة تابعون للحكومة، أي للسلطة التنفيذية، لأن بيدها تعينهم، وبيدها ترقيتهم ونقلهم، وإن لم يكن بيدها فصلهم من الخدمة، وهذه التبعية أي تبعية القضاة للسلطة التنفيذية، أي الحكومة، تجعل القضاة يتأثرون برغبة الحكومة من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، ومن أجل ذلك يجب العمل على أن يكون القضاء مستقلاً استقلالاً تامًا عن الحكومة، لأن حرية الأفراد وحقوق الأفراد بغير استقلال القضاء هباءً، فحقوقنا رهن باستقلال القضاء، فإن لم يكن القضاء حرًا مستقلاً، فمصالحنا هُملٌ، وحريتنا هراء.

وقد دافع أستاذ الجيل عن حق الملكية الفردية، وحرية الفرد في أن يملك ما يشاء دون مساس، وقرر أنه ليس لأحد أن يسلب فردًا أو طائفة حق الملكية، فكل امرئ له الحق الكامل في أن يملك ما استطاع أن يملكه من النقود والعقارات والأراضي، ودون أن يصادر أحد هذا الحق أو يحد من حرية التصرف فيه إذا كان أهلاً لذلك، إلا في منفعة عامة، وفي حدود الضرورة، وبشرط تعويضه عن الأضرار التي تلحق به، فتقديس حق الملكية، واجتناب مساسه من المشرع الذي يضع القوانين ركنًا مهمًا من أركان مذهب الحرية، وبالطبع يجب أن تكون مصادر الثروة مصادر شريفة  غير مخالفة للقانون لا تعرف الأموال القذرة وأخواتها.

وتحدث لطفي السيد عن حقوق الأمة إلى جانب حقوق الأفراد، فأكد على أن حق الأمة في أن يكون لها دستور محترم مصان واقعي مفهوم من الناس، ينظم علاقاتها مع الحاكم، وهذا حق أصيل كحق الحرية الشخصية للأفراد، فكما أن الفرد خلق حرًا، فإن الأمة كذلك تألفت حرة باختيار أفرادها، ومن حق الأمة أن تحكم نفسها بنفسها على الطريقة التي تراها .

وقال لطفي السيد : إن سوء حال الأمم على المستوى الأخلاقي والاقتصادي والسياسي إنما يرجع لسبب أصيل، هو نقص الحرية، أو عدم تمتع أفرادها بالحريات والحقوق التي تحدث عنها، وهي حرية الفكر، والاعتقاد، وحرية الكلام والخطابة والكتابة والاجتماع وغيرها، فإحساس الأمة بأنها راعية، والحاكم راع يتصرف في رعيته على ما يشتهيه، هو الذي يبعدها عن التقدم والنهوض، ومن هنا لا بد أن تشعر الأمة بأنها حرة، وأنها تحكم نفسها بنفسها، وأن لها دستورًا يحدد حقوقها، ويحدد حقوق الحاكم حتى تستطيع التقدم في مضمار التمدن.

في الوقت الذي كان فيه الأستاذ يدافع باستماتة عن حق الشعب المصري في التمتع بجميع حرياته المدنية، أي حرية التعبير والكتابة والصحافة والاجتماع وتكوين الأحزاب، إلى غير ذلك من الحريات، كان يدافع عن حق الشعب المصري في التحرر من الاحتلالين العثماني والبريطاني، وبمعنى آخر الاستقلال عن كل من الدولة العثمانية وبريطانيا، والتخلص من كل تبعية، وكان يرفع لواء القومية المصرية في مواجهة فكرة الجامعة الإسلامية.

وبالنسبة للاستقلال كان الأستاذ يؤمن بأن الاستقلال التام أو عدم التبعية لا يمكن أن يتحقق بمجرد الكلام، ولكنه مرتبة لا تدرك إلا إذا توافرت في الأمة الكفاءات الأخلاقية، والعلمية، والزراعية، والصناعية، والتجارية، والإدارية، والقضائية، واشتراك الأمة مع الحكومة في الأعمال العامة، والقيام على التعليم العام، وهذه المقدمات التي تؤدي إلى الاستقلال هي أيضًا أهداف يجب السعي لتحقيقها، ومتى تحققت أمكن الوصول إلى الاستقلال.

ومن هنا كان أحمد لطفي السيد يرى أن احتلال بريطانيا لمصر إنما هو عرض وترجمان لضعف الأمة وتخلفها اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، فإذا نفضت الأمة عنها هذا الضعف، زال المرض، وزالت بالتالي أعراض المرض وهو الاحتلال البريطاني . لذلك كان يدعو إلى تقوية بناء الأمة أولاً، ويقول : ” أعدوا الأمة قبل كل شيء وعلموا الشعب الجاهل، وانظروا إلى ما تقدرون عليه لا إلى ما تريدون فعبثًا تقولون للمقعد سر فرسخًا، وباطلاً تقولون للطفل اطلع جبلاً، بل تعهدوا الطفل حتى يكبر ويترعرع، والمريض حتى يشفى ويشتد ساعده”.  

أما فكرة الجامعة الإسلامية، أي القومية القائمة على أساس الدين والتي تشعر المصريين بانتمائهم للأمة الإسلامية أكثر من شعورهم بالانتماء المصرية، فقد كان لطفي السيد يرى أنه من المستحيل تنفيذها، ولا تتفق مع القومية المصرية التي تعني الانتماء للوطن المصري، كما أنها تعطل النمو المستقل للشعب المصري، وأنه أنفع للمصريين أن يشعروا بأنهم أمة واحدة تعيش على أرض وطن واحد وتربط أفرادهم ثقافة مشتركة وتاريخ مشترك ومصالح مشتركة، وكان يردد دائمًا : ” إنه على الرغم من حالنا السيئة نسمع في قلوبنا دبيب الرجاء في الاستقلال، ونسعى بكل قوانا للحصول على الاستقلال”.

أقول لك في الختام : إن أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد قد أثار في الشعب المصري موجة من الفكر والوعي، وطرح على بساط البحث كثيرًا من القضايا الفكرية المهمة التي قام بتحليلها وتفسيرها على نحو صحيح وسليم، فلأول مرة في مصر بدأ في أفق الثقافة المصرية تحليل سليم لمذهب الحرية الفردية، أي المذهب الليبرالي، واعتبار الفرد خلية المجتمع، ومصدر السلطات، وأصل الحكم البرلماني، ولأول مرة أيضًا، قام تصور جديد للحكم ونظامه وعلاقة الحكومة بالأفراد، على أساس مستند إلى أفكار علمانية مدنية.

 

باحث وخبير في التراث الثقافي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.