الرئيسية | حوار | هيام قبلان : المبدع مرآة لنفسه قبل كلّ شيء وهو الوجه الحقيقي لوطنه

هيام قبلان : المبدع مرآة لنفسه قبل كلّ شيء وهو الوجه الحقيقي لوطنه

حاورها عبد الواحد مفتاح

بعدما يزيد عن سبع دواوين شعرية، مازالت الشاعرة والروائية الفلسطينية هيام قبلان، تكتب بنفس حماس البدايات، فصاحبة ديوان “لا أرى غير ظلّي” و”همسات صارخة” لم يسعفها الشعر وحده في تفجير طاقتها الإبداعية الغضة،  بل أردفته بالرواية أيضا، في باكورتها التي لاقت انتشارا واسعا “رائحة الزمن العاري” وكتبت أيضا في القصة والمقالة والنقد، هذا إلى جانب عملها في الصحافة والإذاعة، ومشاركتها في عدة نشاطات أدبية وثقافية، حصلت على جائزة الإبداع للكتاب العرب قسم الثقافة والفنون في الوسط العربي في فلسطين المحتلة سنة ،2006 كما حصلت على درع المثقف للثقافة والأدب والفن – المرأة الناقدة سنة 2012 ولها العديد من القصائد المترجمة للّغة العبرية والإنجليزية والأسبانية .

في هذا الحوار نتوقف قليلا مع هذه الشاعرة، هائلة الكرم، عند محطات أساسية من مسيرتها، ونسائلها عن أرائها في واقع المشهد الثقافي.


– كبداية لهذا الحوار ، ما فاتحة النص الذي ورطك في عالم الكتابة؟ خبرينا قليلا عن البدايات؟

بدأت الكتابة في سن مبكرة ولم أكن أدري أنّ ما أكتبه هو الشعر أو أيّ جنس من الأجناس الأدبية ، وأولها كان نصا بعنوان ( خائفة)،،وفعلا استمرّ هذا الخوف حتى علم والدي في حينها أنني أهوى الكتابة وحين شجعني أحسست أنني أتورط مع هذا الذي أسميته لاحقا ( المجنون) والذي ما زال يطاردني حتى هذا اليوم مع محاولاتي العديدة للتخلّص منه لكن هيهات فقد سكنني وأدمنته ،كما أدمنت عشقي لقلم ( جبران خليل جبران) وهروبي مع أقلامي ودفتري الى كرمنا القديم في أطراف القرية ( الضيعة ) التي أسكنها ، أنتظر ( النبيّ) ليطلّ على جبل الكرمل حاملا رسالة العودة في سفينته من أجل الخلاص ،تأثرت بجبران وبعده بنزار قباني ومحمود درويش شاعر الوطن ، هكذا بدأت بعلاقة حميمة مع ثلاثة مبدعين احتلوني ولم أستطع منهم فكاكا ،تأثرت بالطبيعة الخلابة في القرية وعناقيد الدوالي وهي تتدلى وتعرّش على حائط بيتي القديم ،خرجت من الكرم والحقل سافرة الوجه رغم التقاليد والعادات التي خنقتني ،من جبران تعلمت المحبة ، ومن نزار الحب والحرية، ومن درويش التمرّد وعشق الوطن والطموح،أنا من الرعيل الذي أتى بعد محمود درويش وسميح القاسم ونزيه خير ، وتوفيق زياد وربطتني بهم علاقة ودية وأدبية حتى بدأت أتلمّس طريقي نحو الانفرادية وأتخذ لي مقعدا في الحركة الأدبية المحليّة بشخصيّة جديدة بأسلوب متفرّد الى أن صدرت مجموعتي الشعرية الأولى التي خرجت بها الى القراء والجمهور.

– لديك رغبة عارمة في الكتابة،  ماذا عن طقوسك الكتابية ؟

ليس لديّ طقوسا للكتابة ، فقد أسير في الشارع العام وأشمّ رائحة ما فتذكّرني بمكان أو حدث أو حالة شخصية فأدخل مقهى أو أجلس قرب البحر فتلاحقني الفكرة  ومن شغفي ورغبتي بغذاء روحيّ أحتاجه يوميا قد أكتب شعرا أو أبدأ بقصة أو نصا ، والأمر سيان في البيت أنا عادة لا ألتزم الكتابة في غرفة مكتبي فقد أكتب وأنا في الحديقة أو في المطبخ  أو في غرفة نومي ،أدوّن الفكرة حتى لا أنساها وحين تختمر في ذهني وتزورني ( لحظة الاشراقة المجنحة ) يكون النّص قد مرّ بمراحل من الجنون والتردّد والاستقبال الى أن تأتيني اللغة وتتحوّل الى عجينة لزجة بين يديّ ، هكذا تولد القصة والقصيدة والنصوص النثرية وحتى في الحالة الأصعب حين أعكف على كتابة رواية والتي تتطلّب مجهودا أكبر لا أهرول وراءها بل أنتظرها حتى تأتي بأحداثها وشخصياتها ومشاهدها ،،أقلّبها عشرات المرات وحين تكون ناضجة عندها أتعامل معها بجدّيّة لتكون جاهزة للطباعة ،لست ممّن يتسرعون في طباعة كتاب الاّ اذا كنت مقتنعة بهذا الانجاز ليكون جديرا بالقراءة.

– كل عطاء فني مصدر استلهام فمن أي الينابيع تستلهم هيام قبلان، كتابة الشعر ؟

المبدع مرآة لنفسه قبل كلّ شيء وهو الوجه الحقيقي لوطنه ، وعندما أتكلّم عن الوطن أستحضر الأماكن التي غابت من سماء بلادي ومن بلاد أخرى، أعود إلى تاريخ بغداد وجرح فلسطين وغربة أمّي ورحيل أبي وولادة سعادتي الأولى ،أستحضر الشوارع الباكية في جنوب لبنان ، ومأساة الشّعوب الفقيرة والمقموعة الباحثة عن رغيف الخبز، أستحضر ( لوركا) ومحمود درويش وصورة مجازية ( لسنبلة قمح تغفو على شاطئ بحيرة طبريا)، أستحضر القدس ويافا وعكا ، من دمعة طفل أكتب ، ومن جرح أستأصل نفاذ الصّبر، إنّه الواقع المعجون بالوهم والحلم بأن يستقر الوضع في شرقنا الحبيب مع نظرة أمل مستقبلية تنير جانبا مشرقا أستنبطه من التسامح والصّبر والعفو ، والجانب الأهم تقبّل الشعوب والحضارات والديانات دون تمييز باللون والهوية .أستلهم كتاباتي من دول تنهار وتسقط ومن أطفال يموتون والعالم يقف صامتا ومكتوف الأيدي استلهم كتاباتي من ينبوع ( الحرمان ،والغربة ،ومن حكايات أمّي عن وطنها الأمّ لبنان وأبي ومسقط رأسه سوريا) ولأنني ابنة لثلاثة أوطان : سوريا ، لبنان ، وفلسطين عرب ال48 ،أعتبر نفسي ابنة هذا العالم بكل ما فيه من اضطرابات وهدم ودمار وولادات ، من حزن وفرح ، من حلم جماعي وحلم مؤجّل ،، هذه أنا التي تشكّلت بين هنا والهناك ، بين جبل ومرج ، بين رمل وزبد ، بين نور وعتمة .

– أنت ناقدة، قاصة، روائية، وشاعرة أتكلم هنا عن مبدعة متعددة، في أي الفنون التعبير تجد هيام قبلان نفسها أكثر ؟

لا أعتبر نفسي ناقدة لكنني أملك الحسّ النقدي وبمقدرتي التحليل واستنباط ما وراء النص من لغة مجازية ومفردات واستعارات فقد تتلمذت النقد في دراستي العليا على يد الناقد الراحل. حبيب بولص والذي علّمني فنّ الرواية وتحليلها وزوايا النقد ومدارسه الأكاديمية ، وبعد تقديم دراستي عن رواية الأديب السوري حنا مينا ( الثلج يأتي من النافذة) حفّزني د. بولص بالتوجّه نحو النقد ، لكن الشعر والكتابة القصصية والروائية أخذت حيّزا كبيرا في أعمالي الأدبية ، مع أنني تناولت العشرات من القراءات النقدية لشعراء وأدباء عرب وأحن لهذا الجنس الأدبي لكنني أدمنت الأجناس الأخرى حتى النخاع .

أما سؤالك بأيّها أجد نفسي : أنا لا أفصل نفسي عن كوني شاعرة ،هيام الشاعرة نفسها الإنسانة بي من ثورة النفس والغضب وبي من العطف والحنين ، هي حالات تفرض نفسها أيضا في نصوصي الشعرية ، أنا الإنسانة التي تلد القصيدة وأراقبها وهي تنمو في داخلي تتذوّق من نبيذي وشهدي ، لها الخيار أن تبقى أو تغادرني هذه العلاقة بيننا منذ أول نص فلا يمكن أن أحدّد لأنّ كل ما حولي وما يحدث أراه بقلبي وعقلي .

أما كروائية : لا تختلف كثيرا عن الشاعرة أو القاصة ،ربما في الرواية ألمس الشعر والموسيقى الداخليّة في عالم أوسع من عالم الشعر حيث أنني أحيانا أنسى نفسي داخل الأحداث ويأخذ لي وقتا للتخلّص من الحالة ، الرواية بناء عالم ربما غير موجود يبنيه الروائي من بنات أفكاره ومن الواقع المحيط  من عالمه الذاتي والنفسي والعاطفي ،للصدق في الفترة الأخيرة أجد نفسي أميل الى عالم الرواية أكثرلأن لغتي السّردية التي أملكها لم يعد الشّعر يتّسع لها .

– الكاتبة تكون في الواجهة و أكثر عرضة للنقد, فكيف تقبلين النقد (خاصة أنك من الكاتبات غير المهادنات) وإلى أي مدى تتأثرين بالنقد سواء كان  سلبي أو إيجابي؟

أنا لا أرضى بالفصل بين الكاتبات والكتّاب أو بين الشاعرات والشعراء وحتى في عالم الرواية ، برأيي العمل هو الذي يحدّد خاصيّة النقد مع أنّ هذا لا يحدث للأسف فالنقّاد ينظرون الى العمل من منظور ذكوري بعقليّة قبلية متوارثة ، وما يحدث اليوم في النقد من إطراءات ومجاملات وعلاقات شخصيةيثير اهتمامي فأواكب الساحة النقدية المحلية والعربية ، لا أنكر أنّ هناك نقّادا يتعاملون مع العمل الأدبي الذي أمامهم دون الالتفاتلاسم الكاتب إن كان رجلا أو امرأة لكنهم قلّة ، فمن المهم بمكان أنّ يعي الناقد حين يتناول رواية أو قصة أو قصيدة أن يفرّق بين العمل الإبداعي الحقيقي وبين المبتذل ، فللنقد أسسه ومدارسه ولكل ناقد أن يختار لكن ليس من المعقول النقد المجحف في حق الكاتبات ولأنهنّ أناث فتقع عليهن مسؤولية كبيرة إن خرجت إحداهن عن ” الخطوط الحمراء” أو عبّرت من مشاعرها بأسلوب حداثي جديد أو ابتعدت عن الواقع وسارت خارج السّرب ، أنا لا يهمني النقد السلبي ان كان سيطوّر من قدرتي على التجديد والتحديث وبحقّ ، وليس من الممكن أن لا يكون داخل أي عمل أدبي ما يقال عنه إيجابيا ، ومن المؤسف أنّ النّقاد العرب يعدّون على الأصابع وما تبقّى هي قراءات وتعليقات واستعراض للنصوص ليس الاّ.

كيف ترين للتجارب الشابة اليوم التي تكتب قصيدة النثر ؟

لست وصيّا على ما يكتب خاصة في قصيدة النثر لأن المجال اليوم مفتوح للجميع ،والقصيدة النثرية لها أسسها وخاصيتها وأثبتت وجودها رغم المتربصين لها من المتزمتين للقصيدة التقليدية ،لكن لا يمكننا أن ننعت التجارب الشابة بالفشل أيضا ، فهناك من يكتبون قصيدة النثر بكل إتقان وفئة أساءت لقصيدة النثر وشوهوها تحت مسمّى الحداثة ، ليس كلّ من كتب جملة أو سطرين أو فقرة يمكنه الادعاء بأنه يكتب قصيدة النثر هذا حقا يهبط من مستوى هذا الجنس الأدبي لغة وأسلوبا ويؤدي الى ضياع هذه التجارب بين الأجناس الأدبية الأخرى فمن يكتب قصيد النثر ويختص في هذا الجنس دون سواه عليه أن يفرّق بين الخاطرة والومضة والهمسة والمقالة وبين قصيدة النثر التي تحمل جماليات اللغة من صور وإيحاءات ومجازات ودلالات مدهشة ، على من لا يعلم كيف يتعامل مع قصيدة النثر عليه تركها.


هل نستطيع أن نسأل هل القصيدة النسائية، بخير الآن؟؟؟ وهل تسير هذه القصيدة في طريق الإبداع أم هي تكرر ما قيل وما يقال؟

مع أنني لا أحبذ الفصل بين جنسين مبدعين ، لكن وللمصداقية الهمّ النسائي يجمع الأقلام النسائية ،،فالهمّ ليس فقط ذاتيا إنما ومع التحوّلات التي حدثت في الماضي وتحدث الآن على أرض الواقع لها تأثيرها عن ما تحمله المرأة المبدعة بداخلها من هموم وإحباطات في ظل السيادات المتطرفة ضد المرأة وخاصة المبدعة من ضغوطات وقوانين مجحفة بحقها كإنسانة لها كيانها وأحلامها وفكرها وقدراتها .لا أستطيع الجزم أن كل ما تكتبه النساء من قصائد أثارت وتثير فضولي أو تبعث بي الدهشة لأن الموتيف المتكرر في معظم ما قرأته من قصائد نسائية يدور حول الحب والحرمان الاّ من قلّة أجدن كتابة قصيدة النثر خرجن من دائرة هذا الهمّ الجماعي والبكاء على مناديل الذاكرة ،منهن من احتفين بفتات الحزن والضعف والتسليم ، وهذا من الأسباب التي قد تؤديبقصائد النساء الى طريق مسدود ليس منه مخرج فتعود أدراجهن دون جديد ،،فقصيدة النثر متطورة فلا يمكن أن نجمّد القاموس اللغوي ونقتصّ منه عنوة .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.